هل العالم على شفاء حرب شامله؟

 

✍️ أ د / دحان النجار

العلاقات الدوليه في حالة توتر غير مسبوقه وتصعيد في أكثر من ملف. في البداية كان الملف الصيني الأمريكي يتسخن في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي وعلى مستوى التنافس التجاري والنفوذ السياسي في مختلف بقاع الأرض واقدم البلدان على خطوات استعداد عسكري غير مسبوقه وتجلى ذلك في اقدام الولايات المتحده الامريكيه كدولة قائده وبريطانيا واسترالياء في إنشاء حلف عسكري جديد يستهدف الصين ونفوذها تحديدا من خلال محاصرتها في محيطها الجيوسياسي وعلى عتبة ابوابها وفي استعدادات الصين العسكريه في التسليح الهجومي وتغيير عقيده الجيش الصيني الدفاعيه بالإعتماد على السلاح البري الرادع بالإنتقال الى جيش هجومي مزود بالعتاد البحري والجوي والبري الحديث بالإضافة الى غزو الفضاء بكل ما يترتب عليه افضليه دفاعيه وهجوميه .
إحتدام الصراع الامني والعسكري كتعبير عن الصراع السياسي بين روسيا وأوكرانيا ومن ورائها حلف الناتو في الأشهر الفائته وضع العالم امام افق حرب إقليميه مدمره وربما تجر العالم الى حرب عالميه ثالثه مدمره تشتعل شرارتها بغلطه بسيطه على الحدود الروسيه الاوكرانية وبدفع خارجي. تدخل الناتو بكل ثقله السياسي والدعم العسكري ومحاولة ضم اوكرانيااليه ووضع شوكة في خاصرة روسيا وفي مجال نفوذها الجيوسياسي التأريخي يعتبر تحدي وجودي بالنسبة لها لا يمكن السماح به إلا في حالة الإقرار بالهزيمة والخروج من نادي اللاعبين الدوليين الكبار وهو الأمر المستبعد في الوقت الراهن وفي ظل التوازنات العسكريه الدوليه القائمة. روسيا بوريس يلتسن اصابها الضعف والوهن بعد تفكك الإتحاد السوفيتي السابق وهي كانت عموده الفقري وتمدد الناتو شرقا الى دول البلطيق ومن ثم المحاولة في التمدد الى اوكرانيا وربما دول القوقاز ووسط اسياء وهو الأمر الذي لن تسمح به روسيا فلاديمير بوتين الرئيس الحديدي والقيصر الجديد الذي يحاول استعادة النفوذ على المستوى الإقليمي الاوروبي والدولي.
جذور الصراع في منطقة البحر الأسود والقوقاز ورغبة بعض الاطراف في استعادة النفوذ القديم وبالأخص تركياء التي هزمة في الحرب العالميه الأولى ومن قبلها في الحروب الروسية التركيه لصالح روسيا يزيد من حالة الإحتقان ويصب الزيت على نار الملفات المشتعله حاليا ومن ظمنها الملف السوري المرتبط بكل هذه التوترات وكذلك الملف الازربيجاني الأرمني . تدخل روسيا على رأس قوة من دول رابطة الدول المستقلة لصالح النظام القائم في جمهورية كازاخستان في وسط اسيا لإخماد الإضطرابات هناك والتي يتم الهمس بأنها مدعومه أمريكيا كان رسالة واضحه على جدية روسيا في حماية حلفائها والدفاع عن مناطق نفوذها التاريخيه ولو بالتدخل العسكري المباشر يجب ان يأخذه خصومها ومنافسيها بعين الإعتبار قبل الإيغال اكثر فأكثر في مناطق نفوذها ومصالحها الحيويه.
انسحاب الولايات المتحده الأمريكيه عسكريا من افغانستان لم يكن هزيمه عسكريه كما صورها البعض ولو ان الوجود هناك لم يكن إنتصار عسكري كامل هو إنسحاب القصد منه ابقاء بؤرة توتر إقليميه على الحدود الروسيه والصينية والايرانية يفرض على دولها اولويات أمنيه ودفاعية مكلفة كانت تقوم بها الولايات المتحده وتوفر الأمن مجانا وتدفع ثمنه هي بمفردها والتفرغ لملفات أخرى أكثر فعالية في صراعها مع منافسيها على المسرح الدولي.
ملفات الشرق الاوسط وشمال افريقيا ليست بعيده ولا منفصله عن هذا الصراع الدولي بل هي في عمقه لما لهذه المنطقة من اهمية استراتيجيه سياسيا وإقتصاديا وابعاد تاريخيه وثقافيه ودينيه. هذه المنطقة لم تشهد حرائق في تاريخها الحديث والمعاصر كما تشهده في العقود الماضيه ابتداء من الصراع العربي الإسرائيلي وحروب دول منطقة الخليج والتدخل العسكري الامريكي المباشر في العراق وسوريا وتدخل الناتو العسكري في ليبيا وتسخين الوضع في القرن الأفريقي والصحراء الغربيه وإعادة تركيب دولة السودان وإحتدام صراع النفوذ حول مضيقي هرمز وباب المندب ودمج اسرئيل في منظومة الترتيبات الإقليميه كحليف بدل من عدو كل هذا وضع شعوب وبلدان المنطقة امام إستحقاقات جديده احلاها مر ولكنها تنذر بصدامات مريره تدفع ثمنها في امنها وإقتصادها وحياتها اليوميه قبل غيرها وبعضها لا مفر منها .
وفي خضم هذا الصراع والتنافس الدولي المحموم في قارات العالم القديم نلاحظ هدوء نسبي في قارات العالم الجديد وهي امريكاء الشماليه وامريكاء الجنوبيه مع ان شروط الصراع بين الكبار والصغار من اجل البقاء تنطبق عليهما ايضا لكن هناك اولويات للدول وبالذات الكبرى مؤقته تضع هذا الجزء او ذاك من العالم في قلب الاحداث الساخنه أكثر من غيره وتهدىء في الجزء الآخر ولكن لا تستثنيه بالمطلق.
من الواضح ان الوضع الدولي ساخن جدا وعلى شفير كارثة حرب عالميه ثالثه مدمره لكن مع توازن قوة الردع النوويه لا اتوقع حرب شامله تقضي على الجميع والإحتمال الأكبر هي حروب بالوكاله ضحيتها الدول الأصغر التي يجرها بعض قادتها ومعارضيها بغباء الى مذبحة الدول الكبرى وهم وشعوبهم الخاسر الأكبر فيها.ويظل احتمال الحرب الشامله قائم ولو بنسبة اقل لكن احيانا الفتيل يشتعل بالصدفه او بغلطة تقنيه.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى