الحرية و الإساءة لا يلتقيان ..

 

✍️ بسمة العواملة

لم يكاد يمضي اسبوعين على الإحتفال باليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية ، و الذي دعا فيه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الى التكاتف و التعاون لأجل بناء عالم اكثر إحتراما و تحضرا بهدف إتخاذ إجراءات فعالة لإنهاء خطاب الكراهية ، الا و نحن امام حادثة إحراق القرآن الكريم بكل ما فيها من إزدراء و اساءة بحجة حماية الحق في التعبير، في استفزاز واضح لمشاعر 2 مليار مسلم في شتى ارجاء العالم .

على الرغم من أن جميع المواثيق الدولية قد حرصت و اكدت على وجوب إحترام حق الإنسان في إختيار عقيدته و ممارسة شعائره بكل حرية ، فقد نصت المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان بأن لكل شخص حق في حرية الفكر و الوجدان و الدين ، و حريته في اظهار دينه و معتقده
كذلك الامر بنص المادة 19 من ذات الإعلان العالمي و التي اكدت على حق كل شخص بالتمتع بحرية الرأى و التعبير ، النابع من المادة الثانية بأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق و الحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تميز من أي نوع .
و بذات الوقت يحرم القانون الدولي الاساءة للمعتقدات الدينية للأخرين ، فالقانون الدولي فرق بين حرية إنتقاد الآراء و الأفكار و بين إزدراء الأديان و الاساءة الى معتقدات الأخرين ، و قد إعتبرت جميع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية جريمة إزدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية ، حيث أنها تدخل في جريمة الاضطهاد الديني كذلك بالتمييز العنصري العرقي و الديني الناتج عن إختلاف الدين او المعتقد .
و على الرغم من أن هذا الحق مكفول لكل انسان وفقا للمواثيق و المبادىء الدولية ، الا انه على الجانب الآخر شهد خلال الآونة الأخيرة الكثير من الإنتهاكات و الاساءات المتتالية بحجة الحق في ممارسة حرية الرأى و التعبير ، و لكن حرية التعبير يجب أن لا تتعدى على حرية و معتقدات الأخرين و لا يجوز أن تتجاوز لتصل حد الاعتداء على مشاعر الأخرين و التسبب بضرر و اذى لمشاعرهم الدينية ، و الحرية كذلك لا تعني الفوضى.
فهذا الاعتداء الغير اخلاقي يمثل نوع من انواع العنصرية على اساس الدين و المعتقد ، و هو مجرم في القانون الدولي و في معظم القوانين المحلية لما له من نتائج و تداعيات تمس و تزعزع السلام و الأمن العالمي و فيها إجترار لاعمال العنف و ايشعال لفتيل الحرب بين الدول و الاقليات .
وكرد اولي على قيام احدهم في دولة السويد بإحراق المصحف الشريف في عمل لا يخلو من العنصرية و التعصب الذي يفضي الى تأجيج لمشاعر الكراهية بسبب الاساءة المتعمدة و ما يتبعه من خلق للفتنة و تهديد للسلم و الأمن المجتمعي ، فقد تقدم أحد الإعلاميين بدعوى قضائية لدى مركز شرطة مالمو جنوب السويد مطالبا بمعاقبة مرتكب الفعل بجرم التحريض على الكراهية الدينية و غيرها من افعال مجرمة بالقانون الدولي .
و لما اصبحت هذه الاحداث تتكرر و بشكل دوري ، اصبح من الواجب على المجتمع الدولي بإتخاذ التدابير الازمة و بعدم الاكتفاء بالتنديد و الشجب لهذه الممارسات ، و انما يجب تجريم هذه الافعال و التصدي لها بشكل اكثر وضوح و جدية لضمان عدم تكرارها .
و هذا ما تعلمناه في اولى ابجديات الحقوق و الحريات ، من انه تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الأخرين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى