هل نحتاج إلى المصالحة بين الأحزاب أم إلى إلغاء الأحزاب

✍️ عادل الشجاع

منذ فترة وأنا أحاول جاهدا وغيري يحاولون الدعوة إلى المصالحة بين الأحزاب وتحديدا بين المؤتمر والإصلاح بحكم الكراهية التي وقعت فيها القواعد بسبب خلافات بين القيادات . وخلال هذه المحاولات أكتشفت أن المصالحة مستحيلة إن لم تكن منعدمة أصلا . يعود السبب في ذلك إلى أن جزء من هذه الأحزاب مع الحوثي والجزء الآخر مع الشرعية والتحالف . أحزاب تواجه بعضها بعض في الجبهات ولكل قناعته بسلامة الموقف الذي يقفه . الذي يقف مع الحوثي يزعم أنه يواجه العدوان . والذي يقف مع الشرعية يزعم أنه يواجه إيران .

وعلى هذا الأساس فإننا نحتاج إلى تشكيل تكتل وطني يجعل الأحزاب كلها تنضوي في إطار شامل يتمتع بدعم مجتمعي ويعمل من أجل اليمن عامة لا من أجل مصلحة فئة حزبية محدودة .
الموضوع حساس، ويحتاج إلى جرأة كبيرة لمناقشته، خاصة في هذا الظرف الوطني الذي يبحث فيه الوطن عن نفسه . نحتاج إلى اصطفاف سياسي جديد يعيد حالة الفرز السياسي بشكل مختلف .

لست بحاجة للقول إن أمناء عموم الأحزاب صادروا القرار السياسي ولم يعد القرار يتشكل عبر ديمقراطية حزبية . أضف إلى ذلك لم تستوعب الأحزاب تجربة الحرب وآثارها على النسيج الوطني، لذلك لم تهتم بالمصلحة الوطنية وتجمد خطابها السياسي عند مرحلة ما قبل سقوط الدولة مكرسة كل أسباب فشلها في أثناء المرحلة الانتقالية لتعمق كارثتها أثناء الحرب، بل إن بعض القيادات وظفت الحرب لصالحها الشخصي وجعلت أحزابها مجرد أدوات في الصراع .

تشارك هذه الأحزاب في الحرب كمليشيات وليست كأحزاب سياسية خروجا عن الوظيفة الحزبية، بسبب غياب المشروع الوطني . ونحن لا نتجنى على الأحزاب السياسية في اليمن، فالحرب الدائرة اليوم لم تمطرها السماء، بل نبتت من أرضية الفشل السياسي والمكايدات والصراعات الحزبية . يدفع الشعب اليمني ضريبة التناحر السياسي دما نازفا ونزوحا وتشردا وفقرا مدقعا . لذلك وجب علينا أن نبحث عن البديل الناضج القادر على الاستمرارية وتجاوز التفكك .

لقد ارتكبت الأحزاب اليمنية أخطاء كبيرة من بينها محاربة العقلية النقدية وتغييب النقد الذي يقترب من جذور الأزمة وتناولها بعمق . وهذا جعل الأحزاب لا تقيم تجاربها إلا في سياق تبريري غايته التهرب من تحمل المسؤلية التاريخية .
صحيح أن الحزب الحاكم يتحمل القسط الأكبر من المسؤلية، لكن هذا لا يمنع مساءلة الأحزاب عما فعلته في فترات تحالفها مع الحزب الحاكم أو أثناء معارضتها، وما فعلته في توطين الديمقراطية داخلها.

لم يتحقق في اليمن إنجازا سياسيا كالذي حققه نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا أو اقتصاديا كالذي حققه مهاتير محمد في ماليزيا .لم يتحقق في اليمن سوى الحروب الطاحنة والجوع والفقر وانهيار التعليم والصحة والخدمات رغم أنف الموارد الضخمة التي تزخر بها اليمن .

ولكي لا يساء فهمي فأنا لست ضد الديمقراطية والتعددية السياسية . ولكنني ضد فشل الأحزاب التي أخفقت في منع اندلاع الحروب الأهلية ومنع التردي الاقتصادي والفشل التنموي وسقوط الدولة وحدودها الجغرافية والسياسية . من هذا المنطلق نقول إن الدولة في اليمن بحاجة ماسة إلى حلول غير تقليدية لأزمتها العميقة وبحاجة إلى بلورة مشروع وطني قادر على إنهاء الحرب الأهلية وقادر على الحفاظ على الشرعية قبل أن تدخل في فراغ دستوري .

إذا هي دعوة لتشكيل التكتل الوطني في اليمن بحيث يكون هدفا وطنيا استراتجيا لقوى الاستنارة من مفكرين ومثقفين ونشطاء وللفاعلين في الحقل السياسي . تكتل قادر على اجتياز معضلة الحفاظ على الجمهورية والوحدة في نظام سياسي متوافق عليه، قادر على تحقيق السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية .

علينا ألا نهدر الفرصة التاريخية لأن إهدارها سيترتب عليها إرتفاع كبير في تكلفة إنجاز نفس الهدف في مراحل لاحقة، وأحيانا يترتب عليه إستحالة تحقيق هذا الهدف بشكل نهائي، وأبلغ مثال على ذلك تكلفة الحروب الستة مع الحوثيين والحراك في الجنوب . لابد من بلورة مشروع وطني قادر على إنهاء الحرب الأهلية وتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة هيكلة علاقات اليمن مع التحالف العربي على أساس المصالح المشتركة وليس على التبعية المضرة بالطرفين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى