إشاعة “تخلي إيران عن الحوثيين” … التمني والواقع على الأرض

✍️ عبدالقادر الجنيد
أنا نقلت يوم أمس خبرا منسوبا إلى صحيفة التلغراف اللندنية بأن: “إيران قد تخلت عن الحوثيين”.
قناة تلفزيون العربية (السعودية)، رددت الخبر كنبأ “عاجل”.
واتضح بعد ذلك أنها مجرد إشاعة لخبر كنا كلنا نتمنى لو أنه كان حقيقة.
بالبحث والتقصي وبعد ذلك بالتأمل في كل ما علاقة له بهذه الإشاعة، يمكن الكتابة عن هذا الموضوع.
**
أولا: المصدر الأصلي للإشاعة
**
صحيفة صن The Sun اللندنية هي أول من نشرت الخبر.
وهي من الصحف “الصفراء” The Tabloids التي تتعيش على الإثارة.
لو كنت عرفت أن المصدر الأصلي للخبر هو صحيفة صن، لما نقلته.
المفروض ألا تنقل صحيفة التليغراف اللندنية المحافظة الخبر إلا بعد أن تتأكد من صحته.
ونفس الشيئ ينطبق نفس المبدأ على القناة الفضائية السعودية “العربية”.
**
ثانيا: لماذا نشرت التلغراف وقناة العربية الإشاعة؟
**
أي مصدر تناقل للأخبار يجب أن يتأكد من صحة الخبر قبل نقله.
هذا خطأ جسيم من صحيفة التلغراف اللندنية ومن محطة تلفزيون العربية السعودية، يؤثر على سمعتها ومكانتها، ويتحمل مسؤوليته رئاسة تحرير الأخبار في الموقعين.
لن أشغل نفسي بخطأ التلغراف ولكن نحتاج أن نتأمل في خطأ قناة العربية
**
ثالثا: تأملات حول نشر الإشاعة في القناة السعودية
**
١- هل هذا من نوع “التفكير بالتمني”؟
بمعنى أنهم يتمنون لو أن إيران تتخلى عن الحوثيين.
هذا سوف يكون جيدا خصوصا مع الحذر السعودي من الجهر بالعداء لإيران بعد إنجاز إتفاق المصالحة بوساطة الصين.
٢- هل هذا يعني انتهاء البراجماتية السعودية في التقارب مع الحركة الحوثية بصورة حاسمة ونهائية؟
هذا سيكون جيدا خصوصا مع تناقل الإشاعات التي لا تتوقف عن زيارات ناطق الحوثي محمد عبدالسلام فليتة المتكررة للرياض.
٣- هل هذا يعني تأييدا سعوديا ضمنيا مستترا للحملة الحربية الجوية التي تشنها أمريكا على الحوثيين؟
… هناك حذر سعودي من تأييد علني قوي لضربات ترامب.
… وفي نفس الوقت لا يدينون هذه الحملة الأمريكية.
… وفي نفس الوقت لا يريدون إغضاب أمريكا.
… وفي نفس الوقت لا يريدون إغضاب إيران.
… وفي نفس الوقت يتمنون زوال الحوثيين.
**
رابعا: تأملات في الواقع على الأرض
**
١- الإيرانيون، ينكرون أن معهم أي أذرعة أو أقدام أو وكلاء المنطقة.
وينكرون أنهم يزودون الحوثيين بالصواريخ والمسيرات الدرونز والأسلحة والدولارات والنفط والغاز المجاني.
الاستغراق في تفنيد كلام إيران، هو مضيعة للوقت.
٢- الحوثيون، ينكرون أنهم يتلقون الأوامر من إيران.
ويؤكدون أنهم متفوقون في التصنيع الحربي والاختراعات وصناعة الدرونز المتخفية والصواريخ الفرط الصوتية.
الاستغراق في تفنيد كلام الحوثيين، هو مضيعة للوقت.
٣- الحقائق والوقائع على الأرض، هي أن الحوثيين هم السبب الوحيد الحالي لخراب ودمار ومآسي اليمن.
٤- الحقائق والوقائع على الأرض، هي أن الحوثيين قد أصبحوا أرخص وسيلة إيرانية حربية لممارسة الضغط السياسي والعسكري على السعودية وأمريكا في المنطقة.
إذا كانت إيران تضغط على السعودية والإمارات سياسيا وحربيا بالميليشيات الحوثية، فإنه يجب على كل من السعودية والإمارات مراجعة مواقفها السياسية والعسكرية تجاه الجيش اليمني وتجاه الانفصال وتجاه العودة للتصدي للحوثيين سياسيا وعسكريا.
٥- الحقائق والوقائع على الأرض، هي أن الخبر هو مجرد إشاعة وأنه لا يوجد أي دليل على تخلي إيران عن الحوثيين داخل اليمن حتى الآن.
تخلي إيران عن دعم الحوثيين، هو أحد الطلبات الأمريكية الثلاثة من إيران، وهي: إلغاء المشروع النووي، والتوقف عن تصنيع الصواريخ البالستية، والتوقف عن دعم الحوثيين.
يجب استمرار الضغط الأمريكي على إيران للتخلي عن الحوثيين.
٦- الوقائع على الأرض، بكل أسف، لا يوجد بداخلها أي دليل على أن التشكيلات العسكرية التابعة لأعضاء المجلس الرئاسي أو الجيش الوطني قد تجهزوا لخوض عملية حربية لركوب موجة ضربات أمريكا على الحوثيين.
٧- الوقائع المطلوب تحقيقها على الأرض، هي:
“جيش وطني يمني بقيادة وزير دفاع يمني، مع إمكانيات الحليفين الإقليميين، مع غرفة عمليات مشتركة، مع قائد سياسي يمني واحد”
، هم الوصفة الكاملة للتخلص من الحركة الحوثية سواء استمرت إيران بدعمهم أو تخلت عنهم، وسواء استمرت أمريكا بقصف الحوثيين أو غيرت رأيها.
**
خامسا: التخلص من الحوثية
**
١- ضربات أمريكا على الحوثيين، هي بالتأكيد مدمرة ويمكن أن تؤدي وحدها إلى إنهاء الحركة الحوثية.
ولكنها قد لا تكون كافية.
وحتى لو نجحت سوف تبقى اليمن غارقة بين لوردات الحرب والانفصاليين والميليشيات وتقلبات السعودية والإمارات
٢- قطع شريان الحياة الممتد من إيران للحوثيين (نفط وغاز وسلاح وخبراء ودولارات)، قد يكون بنفس فعالية ضرب الأنفاق والكهوف في الجبال.
لا يكفي ضرب أدوات إيران الحوثية في اليمن، بل يجب تجفيف المنابع في طهران وسلطنة عمان وموانئ التهريب.
ومن هنا تأتي أسباب الإستثارة بالإشاعة التي اختلقتها صحيفة صن الصفراء في لندن، ثم حصلت على القيمة المضافة بترديدها من صحيفة التلغراف اللندنية، ثم انتشرت في المنطقة ببث الإشاعة كخبر عاجل في قناة “العربية” الفضائية السعودية.
٣- الضغط الأمريكي على إيران بالتخلي عن الحوثيين، له نفس أهمية ضرب كهوف الحوثيين بالطائرات العملاقة.
٤- تبني السعودية والإمارات والمجلس الرئاسي اليمني للأحلام بنجاح ترامب و “التفكير بالتمني” و “الإشاعات”، لا يساعد بالتخلص من الحوثيين.
عبدالقادر الجنيد