العمل السياسي في المنهج الإسلامي ..!!

✍ إبراهيم ناصر الجرفي ..
بدايةً …..
يجب التمييز بين الحزبية الدينية ، والحزبية السياسية ، فالحزبية الدينية محرمة شرعاً وعقلاً جملةً وتفصيلاً ، ولا يجوز بأي حالٍ من الأحوال التحزب الديني ، لأنه يتناقض تماماً ، مع واحدية الدين ، وواحدية أهدافه وغاياته ، أما الحزبية السياسية الدنيوية ، فهي مباحة شرعاً وعقلاً ، ويجوز التحزب السياسي الدنيوي ، لأنه يتماشى مع تعدد وتباين واختلاف المصالح الدنيوية للبشر ، وتباين وتعدد الأهداف والغايات ..!!
أما بالنسبة للعمل السياسي الإيجابي ، والمشاركة السياسية الإيجابية ، سواء تحت المظلة الحزبية السياسية ، أو بشكل مستقل ، فهو واجب ديني ، ويندرج ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعدم المشاركة في العمل السياسي ، يعتبر تقصير في واحد من أهم الواجبات الدينية ، لذلك فالذين يقولون ليس لنا دخل بالسياسة ، ويظنون أنهم أذكياء بهذا التصرف ،فٱنهم يكونون بذلك قد أسقطوا واحداً من أهم الواجبات الدينية ، وفي ذلك مخالفة كبيرة ، للشرع الإسلامي ..!!
لذلك قد يظن البعض أننا عندما نكتب في السياسة ، ونمارس العمل السياسي ، بأننا من الباحثين عن المصالح ، لا والله ، ويشهد الله ، أنني شخصياً قد فكرت في اعتزال السياسة والعمل السياسي كثيراً ، ولكنني بهذا التصرف ، وجدت نفسي مخالفاً للشرع الاسلامي ، ومقصراً في واحد من أهم الواجبات الدينية ، لذلك وجدت أنه لا مفر ، من الاستمرار في العمل السياسي الإيجابي ، ولا مفر من الكتابة في الشأن السياسي ، رغم كل المضايقات التي أتعرض لها بسبب ذلك ، ووجدت أن الإعتزال السياسي ، هو هروب وتنصل عن القيام بأداء واحد من أهم الواجبات الدينية ، وهو العمل السياسي الإيجابي الهادف ، الذي يندرج تحت إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..!!
عموماً ……
العمل السياسي والحزبي الإيجابي والمسئول والهادف ، هو الذي غايته وقصده التنافس الايجابي من أجل خدمة الوطن ، التنافس في البرامج السياسية الإيجابية ، التي تقدم مصالح الوطن والشعب على ما سواها من المصالح ، والتي تلتزم في عملها السياسي والحزبي ، بما ورد في التشريع الاسلامي بذلك الخصوص ، وذلك لأن المنهج الاسلامي قد أوجب على كل مسلم أن يكون عنصراً فاعلاً ومشاركاً في العمل السياسي ، وفي الحياة السياسية ، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا هو العمل السياسي المباح في الاسلام ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمور تصب في الاتجاه الايجابي ، وفي خدمة المجتمع والوطن والشعب ..!!
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الرؤية الإسلامية الصحيحة المعتدلة ، وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفق الرؤية القاصرة ، لبعض الجماعات المتطرفة والارهابية ، التي تجعل منه وسيلة للتدخل في خصوصيات الآخرين ، والاعتداء على حقوقهم وحرياتهم ، والإستغلال السلبي لهذا المبدأ الإسلامي الحضاري العظيم ، هو ما ترتب عليه تشويه المعالم العظيمة والحضارية ، لهذا المبدأ التشريعي المدني الراقي القائم على الإيجابية ، وعلى احترام خصوصيات الآخرين ، وعلى حماية حقوقهم وحرياتهم ما لم تتعارض مع حقوق وحريات الآخرين ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو الدعوة إلى كل خير وصلاح ، وهو الدعوة إلى الإيجابية ، والبعد عن السلبية ، وهو السياج المنيع لحماية الحقوق والحريات العامة ..!!
لذلك …..
كم هو مؤسف أن نشاهد الفكر المتطرف ، وهو يشوه كل القيم والمبادئ الحضارية ، التي جاء بها الإسلام ، من خلال إستغلالها الاستغلال السلبي ، وإظهارها بمظاهر مشوهة بعيدة كل البعد ، عن أهدافها الإنسانية ، وغاياتها الحضارية السامية ..!!
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ……
هل الحزبية والعمل السياسي هذه الأيام تلتزم بتشريعات المنهج الاسلامي ، هل القتل وتخريب المنشآت والمصالح العامة ، والاعتداء على مؤسسات الدولة ، والاستيلاء على ممتلكاتها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هل المماحكات والمناكفات والمماطلات وإفشال فرص السلام والتوافق والتقارب والشراكة الوطنية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هل التحريض على الحرب ورفض السلام ووقف نزيف الدم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..؟؟
العقل والمنطق والشرع يقول بأن تلك الاعمال والممارسات التي تقوم بها الاحزاب السياسية الحاكمة اليوم في اليمن ، تتناقض تماما مع ما جاء في التشريعات الاسلامية ، وبذلك فإن العمل السياسي مع تلك الأحزاب والجماعات ، التي تدعوا إلى العنف والقتل والكراهية ، وتُحرِّض على التعصبات الهدامة ، في ظل ممارساتها الحزبية السلبية ، وفي ظل استغلالها السلبي للحزبية والعمل السياسي ، يعتبر مخالفاً لأوامر الله تعالى ، وهذه هي الحزبية السياسية السلبية بعينها ، وما يتبعها من تعصبات ضيقة ، ومن خراب ودمار وقتل ، هي التي أدعوا الجميع الى تركها والإبتعاد عنها ، طالما ظلت في نطاقها الضيق والمنغلق ، وتسير في الاتجاه السلبي ، حتى ننأى بأنفسنا عن كل ما يمكن أن يجعلنا نخالف أوامر الله تعالى ..!!
وأدعوا الجميع إلى المشاركة الفاعلة والايجابية في العمل السياسي ، كون ذلك واجب ديني في المنهج الإسلامي ، لكن بشرط ذلك العمل الذي يسير بنا في طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الطريق الايجابي الذي يترتب عليه التنافس من اجل خدمة ، ورخاء ، وأمن ، وإستقرار الوطن ، من خلال العمل في نطاق الأحزاب التي تحمل أفكار إيجابية ومنفتحة وسلمية ومدنية وحضارية ، أو العمل بشكل مستقل ، المهم ضرورة الإستمرار في العمل السياسي الإيجابي ، لمواجهة العمل السياسي السلبي الذي تقوده اليوم الأحزاب والجماعات الحاكمة ، التي قادت الوطن إلى مستنقع الحروب والدمار والقتل والعنف ..!!
ولن نتمكن من القيام بذلك العمل على أكمل وجه في ظل الظروف القائمة ، وفي ظل الحزبية السلبية الحاكمة ، التي قادت الوطن إلى الخراب والدمار ، إلا إذا تحررنا من تعصباتنا الحزبية السلبية ، التي لا تتقيد ولا تلتزم بالتشريعات الدينية ، ولا تلتزم بالمصالح العليا للوطن ، تلك الحزبية الرخيصة ، الحزبية المادية ، التي تجعل الغاية تبرر الوسيلة ، والتي تمارس الفساد ، والعبث بأمن واستقرار الوطن ، والعبث بالمصالح الوطنية العليا ، والتي لا تلتزم بالقيم الأخلاقية والوطنية ، من أجل استيلائها على السلطة ..!!
كما أنني لست ضد الحصول على المصالح الشخصية والسياسية ، فهذا حق لكل انسان أن يسعى للحصول على مصالحه ، ولكن بشرط عدم الإضرار بالآخرين هذا بحسب الشرع الاسلامي ، اما اذا كانت تلك المصالح سوف يترتب عليها الإضرار بالآخرين فإنها تدخل في باب المحرمات ، فكيف إذا كان البعض يسعى للحصول على مصالح سياسية أو سلطوية أو مادية أو وظيفية ، على أنقاض وطن ، وتدمير وطن ، وتمزيقه ، وتخريب مصالحه العامه ، وسفك دماء أبنائه ، وتدمير أمنه واستقراره ، وانتهاك سيادته الوطنية ، ماذا نسمي هذه المصالح التي يسعى اليها البعض ، رغم علمه بأنه سوف يترتب على حصوله لتلك المصالح ، تلك الخسارة الفادحة لوطن وشعب بأكمله ، هذه هي المصالح الشخصية المحرمة ، التي يترتب عليها الاضرار بالآخرين ، أما اذا كان الانسان يسعى للحصول على مصالحه دون أن يضر بأحد ، فهذا الامر مباح ومشروع في الإسلام ..!!
عموماً ……
العمل السياسي والحزبي الذي أدعوا الى تركه ، هو العمل السياسي السلبي ، الذي يتعارض مع العمل السياسي الإيجابي الذي أباحه المنهج الاسلامي ، كما أن المصالح الشخصية والسياسية ، التي أدعوا الى تركها والإبتعاد عنها ، هي تلك المصالح السلبية ، التي يترتب عليها الإضرار بالآخرين ، فما بالنا اذا ترتب عليها الإضرار بمصالح ومستقبل شعب بأكمله كما هو حاصل اليوم ، أي سلطة وأي مصلحة يمكن أن يقبلها إنسان عاقل مسلم ، على أنقاض دماء أبرياء ، وعلى أنقاض وطن مدمر ، وسحقاً لأي سلطة أو ملك أو مصلحة ، تكون على حساب إلحاق الأذى والضرر بملايين البشر ، لأن الدنيا بكل كنوزها وأموالها وثرواتها وسلطانها ، لا تساوي قطرة دم بريء، فما بالنا اليوم ونحن نشاهد عشاق الدنيا وعشاق السلطة ، وهو يسبحون في أنهار من دماء الأبرياء ، وصولاً لملكٍ زائل ، ومصالح حقيرة وفانية ، سحقاً لهم وللسلطة التي يلهثون خلفها ..!!