قرأة عابرة في تراجيديا الصراعات البينية داخل المجتمعات العربية _الإسلامية..؟!

 

طه العامري..

قد يكون عالم الاجتماع العربي (ابن خلدون) اول من تطرق لاشكالية الصراع الاجتماعي، غير أن فيلسوف الإسلام وإيقونة التنوير (ابن رشد) كان أول من أشار لخطورة تغييب العقل وتجريده من الدور الذي رسمه له الخالق سبحانه وتعالى، وتسخير هذا العقل للتبعية والانغلاق والاستسلام لمن منحوا أنفسهم حق التفكير نيابة عنه، ولأن هذا المنطق لم يناسب قوي النفوذ والتسلط الاجتماعي الذين لم يروا في (ابن رشد) أكثر من مجرد (زنديق) و  ( ابن خلدون) لا يقله عنه ب (الزندقة)..!
مع ان هذان العلمان حركتهما تداعيات اجتماعية وسياسية تشكلت في مرحلة   ما بعد وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم وما شهده العرب والمسلمين خلال فترتي حكم الأموين والعباسين وما سبق تأسيس دولة بني امية من إرهاصات واشكاليات دموية جعلت الصراع على السلطة والنفوذ يأخذ صبغة (دينية) وظفها كبراء (قريش) لاستعادة مكانتهم التي جردها منهم الإسلام، سواء من حيث العدالة والمساواة، أو من حيث الثقافة والقيم التي جاء بها الإسلام والتي للأسف تم الاحتيال عليها، بل بلغ الأمر حد التحايل على قوانين وتشريعات الدين الإسلامي، بذريعة أن للدولة إجراءاتها وفق منطق الغاية تبرر الوسيلة، والضرورات تبيح المحضورات، و.. و. الكثير من المبررات التي صاغتها الطليعة الأولى من فقهاء السلاطين..؟!
ولأن رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يكن حاكما ولا ملكا ولا قائدا بل رسول الله، بعثه الله هادئا ومبشرا ونذيرا وحمله مهمة تبليغ الرسالة، وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا منيرا، والمؤسف أن النزعات البشرية تغلبت على النوازع الروحية فذهبت تعاليم الله والرسول بعيدا عن مساراتها الافتراضية لتطويها مع تقادم الزمن نوازع الدنياء ورغبات أهلها في الهيمنة والسيطرة والنفوذ واستعباد الأكثرية الاجتماعية من قبل القلة النخبوية التي لم تتردد في استخدام السلطة لتطويع المجتمع وليس لتطويره وتقدمه الاجتماعي والحضاري.
قد يكون للآخر الحضاري دورا فيما آل إليه حال العرب والمسلمين الذين يعيشون في كنف الفقر والجهل والتخلف بكل أشكاله، يعانون من أزمة هوية وانتماء، ويفتقدون للعدالة والمساواة والمواطنة التي تكفل للفرد والمجتمع حقوق وواجبات وحياة حرة كريمة، مقومات حياتية من البديهي اكتسابها في المجتمعات الحضارية، وجاءت رسالات السماء للانتصار لها والتأكيد عليها وحق الإنسان  بالتمتع بها، غير أن دور الآخر الحضاري ما كان له القدرة والتأثير لو لم  يكون تدخله  وتأثيره قد قوبل برضاء منضومة النفوذ والهيمنة في المجتمعات العربية _الإسلامية التي وظفت تدخل وتأثير الآخر الحضاري لتبرير سطوتها وتعزيز سلطتها ومنح نفسها حق الوصاية المطلقة على مجتمعات لا تزل تعيش حتى اللحظة تداعيات الفتنة الأولى وماسة (كربلاء) التي بحدوثها تأسست قيم ومفاهيم دينية جديدة تجاوزت كل قوانين وتشريعات الدين وقيمه وأخلاقياته، مفاهيم فرضتها جدلية الصراع على السلطة والثروة والنفوذ والرغبة في الهيمنة وشرعنة الوصايا على المجتمعات.
ولم تكن مآسة (كربلاء) مجرد فعل ثوري متقدم في مواجهة رموز (الاقطاعية القرشية) أو هكذا يفترض النظر للواقعة وتفسيرها بغض النظر عن المخفي من العوامل المبطنة التي أدت لحدوثها، لكن في سياق الظاهر المادي كان يفترض رؤية الواقعة كفعل ثوري يعكس قيم وأخلاقيات الدين، لو لم توظف الواقعة كبادية أو بالأصح قاعدة عليها ارتكزت أدبيات وقيم دينية  تشرعن لحياة جديدة من الوصاية والاستبداد ولظواهر سلبية   ثار ضدها بطل (كربلاء) غير أن المؤلم والمؤسف أن تصبح الواقعة مصدرا لشرعنة استبداد اخر ربما يفوق ذالك الذي ثار ضده بطل كربلاء..؟
أن السلطة والنفوذ والرغبة بالسيطرة، عوامل كانت ولاتزال سبب للحروب والصراعات الاجتماعية التي لم تتفجر يوما من أجل دين أو وطن أو من أجل كرامة وحرية وتقدم المجتمع..!
و المجتمعات الفقيرة المتخلفة والجاهلة  هي دوما ساحات هذه الحروب حيث كل فئة أو عصبة أو مجموعة تسعى للسيطرة وأحكام وصايته دون أن تملك مشروعا وطنيا  جمعيا يحقق أحلام وتطلعات الناس في العدالة والتنمية والكرامة الإنسانية والمواطنة المتساوية والتقدم الاجتماعي والتحولات الحضارية.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى