كيف أضاع لبنان حضوره في العالم

✍️ سمر نادر

لن نفتح الطريق قبل أن يتصل بنا الرئيس الأميركي (الراحل) رونالد ريغان. يردّ آخرون “لن نفتح الطريق قبل أن يتصل بنا رئيس الاتّحاد السوفياتي (الراحل) ليونيد بريجنيف! هكذا بدأ المسؤول الأممي الكبير الحديث عن قصص وروايات ​الحرب اللبنانية​ في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان يعتبر اللبناني نفسه فيها انه يمثل القوى العظمى على الأرض في لبنان. بالمناسبة، الطريق هي تقاطع غاليري سمعان وليست طريقا دوليّة تربط ​سوريا​ ب​العراق​… ويتابع المسؤول الأممي كيف ان “المسؤول اللبناني كان يعتبر دائماً ان الأميركيين مشدوقون” بإنجازات شعبه ولا يهنأ لهم نوم قبل أن يعرفوا ان هذا الشعب قد شبعوا بعد العشاء، جاهلين تماماً ان الأميركيين لا يذكرون وطن الأرز الا بكلمات للكاتب اللبناني جبران خليل جبران حين يحتاجونها لخطاباتهم القومية في المناسبات الوطنية.

ويذكر المتابعون لموضوع الإهتمام الأميركي في لبنان، قصة وصول أحد وزراء الخارجية اللبنانيّة الى ​الولايات المتحدة​، إبان الحرب اللبنانية لزيارة الرئيس الأميركي ريغان، حيث تفاجأ الوزير أنْ لا أحد ينتظره في المطار، فتابع رحلته باتجاه الفندق ظناً منه ان الإستقبال انتقل الى هناك. كبرت المفاجأة، حيث لا أحد في انتظاره. اشتعل القلق في عقل الوزير، ماذا سيقول لرئيسه عند العودة، وهو الذي يعتبر نفسه “محبوب” الأميركيين. فكّر لمدة أيام، ثم طلب موعداً من الرئيس ريغان. ردّ عليه المكتب الرئاسي بقبول الطلب بموعد يسمّى في لغة البروتوكول photo opportunity أي موعد لإلقاء التحيّة وأخذ الصورة. وعندما ذهب الى الموعد المحددة مدته خمس دقائق، قال له الرئيس الأميركي بعدما نظر الى وجهه الطيّب: تذكّرني الآن بالممثل داني توماس، إشارة منه الى الممثل اللبناني الأصل الشهير داني توماس.

وهكذا انتهت المفاوضات الأميركية-اللبنانية حول أزمة الحرب في لبنان بفيلم أميركي قصير. ان هذه القصة ليست سوى إضاءة على الإهتمام الأميركي السياسي في لبنان منذ أيام الحرب اللبنانية، هذا لا يعني ان الأميركيين لم يولوا اهتماما ماليًّا او اقتصاديًّا، ولن ننكر أبداً ان ​الجيش اللبناني​ يتلقى مساعدات دوريّة، كما أن المؤسسات الخيرية تتلقى الدعم الكافي الأميركي المستمر الى جانب دعم الدول الأوروبية و​الأمم المتحدة​، لكنها للأسف تذهب أغلبيتها أرباحاً صافية الى جيوب مسؤولين ووزراء بعضهم اليوم أعضاء في ​الحكومة اللبنانية​… والأميركيون يعرفون.

وعلمت “النشرة” من مصادر أميركية أن أجندة الدولة العظمى اليوم مُتخمة بأزمات الساعة، من كورونا، الى ركود اقتصادي وصولاً وليس أخيراً الى أزمة النووي الإيراني والكوري والإنتخابات الرئاسيّة، ولا وجود لحرف من إسم لبنان على الأجندة… لماذا؟.

السبب الأول هو التغيير في النهج السياسي للولايات المتحدة عبر العقود، ففي الماضي كانت المدارس السياسية الأميركية التي تسمى بـthink tank institute ترسم معالم واستراتيجيات اميركا في العالم، بينما اليوم، أصبحت القرارت السياسة محصورة بالشخصنة، ورأينا كيف ان الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن والرئيس الحالي دونالد ترامب، وحتى وزراء الخارجية يأخذون القرارات بعد استشارة مجموعاتهم المقرّبة في قضايا دولية كبيرة.

اما السبب الثاني، فبنظر المراقبين لدور لبنان عبر العقود الماضية، ان هذا البلد خسر دوره السياسي والدبلوماسي الرائد في المنطقة بسبب تشرذمه الطائفي والسياسي. لبنان الذي كان يُحسب له حساب كدولة مشرقية ذات وجه عالمي ملوّن بأجمل الثقافات، هو الذي اختير عام 1974 ان يحمل لواء ​القضية الفلسطينية​ بإسم ​جامعة الدول العربية​، حيث تحدّث الرئيس (الراحل) سليمان فرنجية مقدّماً رئيس منظّمة التحرير الفلسطينيّة وقتذاك ياسر عرفات (الراحل) على منصة الأمم المتحدة حين قال كلمته الشهيرة: “جئت إليكم وأنا أحمل غصن زيتون في يدي، وفي اليد الأخرى أحمل بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي”.

وعدا ان لبنان، برأي المراقبين الأمميين، خسر بقوة في مستواه الدبلوماسي في كل العالم، فبعد ان كان مؤسساً في عهد الدبلوماسي شارل مالك، وجباراً في عهد السفيرين غسان تويني وسهيل شماس، الذي قاد بنجاح مفاوضات مدريد عام 1991 التي عُقدت لإقامة سلام دائم بين الدول العربية و​إسرائيل​.

ها هو لبنان نفسه اليوم، أرهق المفاوضين في مجلس الأمن في ​حرب تموز 2006​ في الأمم المتحدة، وضيّع البوصلة بسبب عدة وفود أتت من لبنان للإشراف على قرار يوقف الحرب، وكل وفد يحمل خطة مختلفة، عدا عن وفود غير رسميّة جاءت “للخبرطة” ، جميعهم “ضيّعوا” اليونان وتشيلي، والدول الغربية، سائلين بصوت واحد: بدنا نفهم شو بدن اللبنانيّة؟!.

في الواقع، ان الدولة المفككة بقراراتها، تجعل كل البلدان وليس فقط الولايات المتحدة تغيّب لبنان عن أجندتها، بعد أن يروا كيف ان كل فريق وكل سياسي يعمل لبرامجه الخاصة، فلا يتعجبنّ أحد من سؤال الأميركيين هذا العام: “كيف بدنا نساعدكم، وما لقينا اثنين من أي فريق بيحبوا بعضن”! والكلام لمسؤول كبير في الإدارة الأميركية.

وفي النهاية، لا بد ان نشير الى حقيقة مرّة أصابت العالم، وهي وباء كورونا وما نتج عنها من تداعيات وأزمات مالية وركود اقتصادي جعل كل الدول تغرق في حلّ أزماتها المالية، تمنعها عن مساعدة الدول المحتاجة. وتنشط الأمم المتحدة اليوم بكل قواها وقوى الدول المانحة القديرة لمساعدة اليمن الجائع المصاب بأكثر من وباء، والسودان المقسّم الذي يتلهف لرغيف الخبز والدواء، وملايين العائلات اللاجئة… ولائحة المحتاجين لا تنتهي.

وبحسب خبراء المال، من الصعب ان يتلقّى لبنان دعماً مالياً اليوم، فهو ما زال على لائحة المساعدات غير الملحّة نظراً لوجود دولة تحتضن أكبر عدد من رجال المال والأعمال الأثرياء، وهم يتنافسون على لوائح أهمّ مراتب الأغنياء في العالم.

ختاماً، ان الإهتمام الدولي الإعلامي والسياسي يبدو واضحاً في لبنان، والصورة المرفقة هي من إحدى جلسات مجلس الأمن حول لبنان حول ​القرار 1701​ عام 2019… وبيقى التعليق لكم.

الأمم المتحدة – نيويورك



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى