خفايا العلاقات الدولية

✍ إبراهيم ناصر الجرفي ..

إن المهتم بالعلاقات الدولية ، سوف يدرك على الفور بأن هناك نوعان من العلاقات الدولية ، النوع الأول العلاقات الدولية الظاهرة ، وهي العلاقات التي تتم عبر البروتوكولات الدولية والعلاقات الدبلوماسية ، ومن خلال القنوات الحكومية الرسمية ، والنوع الثاني هي العلاقات الدولية الخفية ، وهي العلاقات التي تتم خارج البروتوكولات الدولية ، وخارج العلاقات الدبلوماسية الدولية والثنائية ، وتتم خارج القنوات الحكومية الرسمية ، مثلاً مع الجماعات المعارضة في هذه الدولة أو تلك ، بغرض إحداث قلاقل وإختلالات فيها ، أو لغرض إسقاط نظامها السياسي ، أو بغرض الضغط عليها للرضوخ لشروط معينة ..!!

وبهذا الشكل أصبحت جماعات وأحزاب المعارضة ، في دول العالم الثالث عموماً ، وفي العالم العربي خصوصاً ، أدوات سلبية تقوم الدول الخارجية المؤثرة والقوية سواء الإقليمية منها أو الدولية ، بإستغلالها بشكل سلبي ضد الأنظمة السياسية الحاكمة ، وعادةً ما تظهر تبعية تلك الجماعات والأحزاب المعارضة لهذه الدولة أو تلك ، وقد لجأت الدول القوية والمؤثرة لهذه الأساليب الخبيثة والماكرة ، للإلتفاف على القانون الدولي ، الذي يمنعها من التدخل السلبي المباشر في شئون الدول الأخرى ، فتجعل من جماعات وأحزاب المعارضة ، عذراً ومبرراً للتدخل في شئون الدولة المستهدفة ، بحكم أن جماعات وأحزاب المعارضة جزء من الشعب ، ومن حقهم المطالبة بحقوقهم وحرياتهم ، ومن ضمنها حقهم في المشاركة في السلطة ..!!

لتصبح أحزاب وجماعات المعارضة خنجراً في يد تلك الدول القوية والمؤثرة ، تسلطه على رقبة هذا النظام السياسي أو ذاك ، للإبتزاز بكل أنواعه السياسي أو الاقتصادي ، وفي حال مقاومة ورفض النظام السياسي لسياسات الإبتزاز ، عادةً ما تلجأ الدول القوية والمؤثرة ، إلى دعم جماعات وأحزاب المعارضة بكل الوسائل ومنها العسكرية ، بغرض إسقاط النظام السياسي الحاكم ، وفي حال نجاحها في ذلك ، تصبح أحزاب وجماعات المعارضة مجرد أداة في يد الدولة القوية والمؤثرة ، تنفذ سياساتها وأهدافها وأجنداتها ، وهكذا وضع هو الإستعمار الخفي للدول المستهدفة ، وبهذه الطريقة يتم إستغلال الديمقراطية بشكل سلبي ، من الدول القوية والمؤثرة على حساب الدول الضعيفة ..!!

وبهذا الشكل تم تفريغ الديمقراطية من محتواها وأهدافها وغاياتها السامية ، لتتحول إلى أداة قذرة لإستغلال الدول وإبتزازها وإخضاعها ، وحتى تدميرها وتخريبها والعبث بها ، وما يتم من نفخ وتضخيم لبعض أحزاب وجماعات المعارضة في عالمنا العربي ، وإعطاءها أكبر من حجمها الطبيعي ، يندرج ضمن التوصيف السابق ، فكم شاهدنا من أحزاب وجماعات لا تحظى بأي ثقل شعبي ، ولا تمتلك قاعدة جماهيرية عريضة ، ورغم كل ذلك تم دعمها وتبنيها وإيصالها إلى السلطة ، بآي وسيلة حتى عن طريق الإنقلابات والسيطرة على السلطة بالقوة ، ومخطئ من يظن للحظة واحدة ، أن أي حزب أو جماعة استولت على السلطة خارج الأطر الديمقراطية ، بدون حصولها على الدعم والرعاية والتأييد الخارجي ، والذي عادةً ما يكون خفياً ، مراعاة للقانون الدولي الذي يرفض تدخل الدول القوية في شئون الدول الأخرى ..!!

وبهذه الطريقة تجري العلاقات الدولية الخفية ، بين الدول القوية والمؤثرة مع الجماعات والأحزاب المعارضة ، وبهذه الطريقة تتمكن أحزاب وجماعات صغيرة معارضة ، من إسقاط أنظمة سياسية قوية حاكمة ، عبر التدخل الخارجي الخفي للدول القوية والمؤثرة ، وبهذا الشكل تُدار الكثير من العلاقات الدولية ، وخصوصاً في دول العالم الثالث ، فكم من جماعات وأحزاب ذات أقلية شعبية ، حكمت الأغلبية وسيطرت عليها ، وكم من إيديولوجيات مرفوضة شعبياً ، فُرضت على الشعوب بالقوة ، كل ذلك بفضل الأيادي الخارجية الخفية الداعمة والمخططة والممولة والمساندة والحامية لها ..!!

وبهذا الشكل أُهدِرت الحقوق والحريات في الدول الضعيفة والفقيرة بالتحديد ، وبهذا الشكل فُقِدت الديمقراطية الحقيقية فيها ، وبهذا الشكل تحولت أحزاب وجماعات المعارضة فيها ، من أدوات المفترض أن تكون إيجابية وبناءة ، في خدمة وطنها وشعبها ، وفي مصلحة تقويم ومراقبة وتصحيح النظام السياسي ، إلى أدوات سلبية بيد القوى الخارجية ذات النزعة التوسعية والأطماع الاستعمارية ، التي تستخدمها لإبتزاز الأنظمة والشعوب ، ونشر الفوضى والخراب والدمار ، وصولاً إلى إسقاط الأنظمة السياسية الحاكمة ، ولتحويل تلك الدول من دول مستقلة ذات سيادة ، إلى مجرد دول تابعة وخاضعة للدول الخارجية الداعمة لأحزاب وجماعات المعارضة ، وكل ذلك بفضل المعارضة السلبية والهدامة ، التي تقدم مصالحها الحزبية والمذهبية والطائفية والمناطقية ، على المصالح العليا للوطن ( ثورات الربيع العربي إنموذجاً ) ..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى