حرب غزة-هُدن إنسانية مؤقتة وقصيره ذات وجهين!

✍️ أ د  / دحان النجار

ما يميز معركة غزه هو التكتيكات الجديده من طرفيها ، فالمقاومة ابتكرت اساليب هجوميه ودفاعية سوف يسجلها التاريخ العسكري وتصبح ماده للتدريس في الاكاديميات العسكريه ومنها حرب الانفاق التي شكلت شوكة في حلق الجيش الاسرائيلي واعجزت اسلحته المتطوره التي تحارب بشكل تقليدي بحكم تكوين الجيش الاسرائيلي النظامي مثله مثل اي جيش نظامي آخر يفلح في المواجهه مع جيش نظامي مقابل له لكن الامر يختلف في حالة الحروب مع جماعات غير نظاميه تعتمد اساليب حرب العصابات المتطوره والإنتحارية.
انفاق غزه هي العقبه الاكبر امام الهجوم الاسرائيلي الكاسح وبالذات الانفاق تحت الاحياء السكنية في المدن والمخيمات والتي يتطلب الوصول اليها وتدميرها تدمير المدن والمخيمات بمن فيها من سكان مدنيين. اسرائيل اخترقت القوانين الانسانية الدوليه الخاصة بحماية المدنيين اثناء الحروب وقصفت المدن والمخيمات بدون رحمه وابادة احياء ومربعات سكنيه بكاملها بغية كسر شوكة المقاومة عسكريا وتاليب المدنيين ضدها على اعتبار انها السبب في كل ما يحصل اهم من مجازر بحجة ان المقاومة استخدمتهم دروع بشرية.
والحقيقة ان الهدف الاسرائيلي لا يتلخص فقط في ضرب المقاومة في انفاقها وتهديم الاحياء فوق ساكنيها من اجل اخراج المقاومة من جحورها بل يتعداه الى اجبار الفلسطينيين على الرحيل من مدن غزة ومخيماتها كمرحله اولى من شمالها الى جنوبها ومرحلة ثانية الى خارج فلسطين إلا ان الكثير منهم فهم مغزى هذا التصرف الجنوني ورفضوا مغادرة مدنهم ومخيماتهم سواء الى الجنوب الغير آمن والمعرض للغزو والتدمير مثله مثل الشمال او الى خارج غزه-فلسطين. مئات الالاف من الفلسطينيين لجئوا الى مدارس الاونروا او الى المشافي والجوامع والكنائس ومع ذلك انتهكت اسرائيل حرمتها وقداستها الإنسانية والدينية وحولت الكثير منها الى جحيم يلتهم من يقف عليها من المدنيين بحجة ان مقرات حماس في اسفلها.
بعد كل المجازر بحق المدنيين والتي راح ضحيتها حتى الان اكثر من احدى عشر الف قتيل نصفهم تقريبا من الاطفال الابرياء واكثر من خمسه وثلاثين الف جريح تشوهت صورة اسرائيل وداعميها وتتعرض لضغوط دوليه شعبيه ورسميه كبيره لم يسبق لها مثيل ولم تحقق هدفها في كسر شوكة المقاومة بالرغم من سياسة التدمير الشامل بل تتعرض قواتها لخسائر كبيره عند اقترابها من الاحياء السكنية التي يتطلب امر السيطره عليها من اجل الوصول الى انفاق المقاومة هو افراغ الاحياء من ساكنيها تماما ومن ثم ابادتها فوق رؤوس ساكنيها والمتحصنين في الانفاق اسفلها من اجل تخفيف الكلفه عند دخولها من قبل الجيش الاسرائيلي.
دعوات الهُدن الانسانية وفتح ممرات آمنه لايصال المساعدات وخروج الجرحى والمدنيين دون وقف اطلاق النار الشامل هي سلاح ذو حدين ،فمن ناحية لها جانب انساني سوف تساعد في تخفيف معاناة المواطنين في المدن والمخيمات المحاصره الذين يفتقرون الى الغذاء والماء والدواء وعرضه للقصف والموت اليومي ولكنها ايضا سوف تُستغل لترحيلهم منها ومن ثم العودة لتدميرها تدميرا شاملا علىً رؤوس المقاومة المتخندقة في الانفاق وردم منافذ تلك الانفاق وربما صب الغازات وغيرها من وسائل الموت الجماعي فيها للقضاء على المقاومين .
الترحيل الحالي من شمال غزه الى جنوبها هو مرحله اولى تتلوه مرحله ثانية وهي مرحلة الترحيل من الجنوب الى الشمال من اجل نفس الغرض وما بين الترحيلين سوف يسقط الالاف بل والعشرات من الالاف بين قتيل وجريح ومن تبقى على قيد الحياة سيعيش مع الكثير من المعاناة المادية والنفسية وكون ارادته قد كُسرت ومن ثم تتهيء الفرصه للترتيبات القادمة في غزه بدون حماس كما يخططون.
لا اعتقد ان حماس وجناحها العسكري غير متنبهين لهذا الامر وان لديهم تكتيكات مقابله مهما كانت التضحيات كونهم بدأوا المعركة ويعرفون قوة الخصم ومدى قدرته على الرد وامكانياته العسكريه والايام القادمة هي التي توضح ذلك لكن يظل الامر الباين والمؤكد هو ان الفلسطينيين في غزة ومخيماتها ليسوا قابلين للتهجير مرة اخرى كما حصل في ٤٨ او ٦٧ وانهم باقون على الارض احياء او اموات وهذا عامل القوة والثبات الذي سوف يؤرق الطرف الاسرائيلي . اما فيما يخص توسع الحرب الى اقليميه فهذا احتمال قائم ولو انه ضعيف لان المناوشات والرشقات الصاروخيه والمسيرات الحاليه من خارج حدود فلسطين لا توحي بذلك لان من شروط الحرب الناجحه هو المباغته في الزمان والمكان الذي يختاره المهاجم بالتنسيق مع بقية الاطراف الحليفة له لكن احيانا هناك متغيرات جيوسياسية واستراتيجية تفرض الانخراط في اي مرحله من مراحل الحروب.
د.دحان النجار /ميشجان ١٠ نوفمبر ٢٠٢٣م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى