حاتم الجمسي يكتب من نيويورك : سوف يفوز ترامب برئاسة جديدة ولا عزاء للغير فاهمين

نيويورك وحظر التجول وانتخابات نوفمبر ,
حاتم الجمسي
نيويورك
@Hatemgamasy

أُجبرت نيويورك، المعروفة بأنها المدينة التي لا تنام على إخلاء الطرقات وإلتزام المنازل في الثامنة مسا ًءا بعد فرض حظر التجوال في كافة أرجاء المدينة هذا الأسبوع، بداية من ليل الأربعاء الثالث من يونيو وحتى الثامن من ذات الشهر، وهو أول حظر تعرفه المدينة منذ 75 عاما حيث كان آخر حظر تجوال شهدته المدينة في عام 1945 وكان حظ ًرا جزئ ًيا فقط على منطقة “هارلم” ذو الكثافة السوداء للسيطرة على أعمال السلب والنهب في المنطقة بعد مقتل مواطن .اسود على يد الشرطة .

الآن تم فرض حظر التجوال في محاولة للسيطرة على أعمال السلب والنهب التي اجتاحت مناطق كثيرة من المدينة الراقية خصو ًصا مناطقها التجارية الشهيرة .وغيرها من المناطق Soho وسوهو Broadway والبرودواي Fifth Ave مثل الطريق الخامس

مدينة نيويورك العريقة، مدينتي وموطني على مدى أكثر من عقدين من الزمان اكتست واجهاتها الشهيرة بالألواح الخشبية في مشهد لا نراه إلا في المناطق التي على وشك أن يضربها إعصار مدمر، اختفت الحركة من شوارع المدينة التي كانت نادرا ما تعرف الهدوء، وخيم السكون والترقب على اجوائها.

مدينتي التي ينصهر فيها البشر من كافة الأعراق The Melting Pot وأنها بوتقة الانصهار The Big Apple الجميلة التي تُعرف أيضا بأنها التفاحة الكبيرة .والديانات والجنسيات
نيويورك التي تعد العاصمة التجارية والثقافية للعالم أجمع والمدينة الأكثر أمنًا في الولايات المتحدة ومقصد ملايين السياح والزوار من كافة أنحاء المعمورة حيث تستقبل نيويورك وحدها ثلث الزوار الأجانب للولايات المتحدة، كما استقبلت المدينة أكثر من 65 مليون سائح في عام 2018 منهم 13.6 مليون زائر من الخارج حيث ينفق الزوار في المدينة اكثر من 44 مليار دولار سنويا.

اليوم تُجبر المدينة على إخلاء شوارعها في الثامنة مسا ًءا والتزام البيوت في محاولة من السلطات لإعادة الأمن والنظام وإنهاء أعمال النهب والسطو على المحلات التجارية. تجولت في شوارع منهاتن في الصباح الباكر من يوم الخميس الرابع من يونيو وكانت صدمة أن أجد واجهات المحلات على الجانبين من الطريق الخامس الشهير مغطاة بالألواح الخشبية وبعضها في حراسة رجال أمن من شركات خاصة

الشوارع كانت شبه خالية إلا من التواجد الشرطي وبعض الشاحنات التجارية الصغيرة وشاحنات جمع القمامة والمخلفات. المدينة بالفعل أصابها الركود على مدى الثلاثة أشهر الماضية بسبب الاحتياطات الوقائية الشديدة للحد من انتشار وباء فيروس كورونا وإغلاق عدد كبير من الأعمال التجارية أبوابها والتوقف شبه التام لحركة الطيران الداخلية والدولية وفقدان عدد كبير ج ًدا من أبناء المدينة لوظائفهم. وما إن كانت المدينة على وشك الخروج من كابوس وباء كورونا حتى أصابها زلزال الاضطرابات التي صاحبت الاحتجاجات على مقتل المواطن الامريكي الأسود ” چورچ فلويد” على يد شرطي أبيض في مدينة
مينيابوليس” بولاية مينيسوتا.

تلك الحادثة التي أعادت للأذهان حادثة مشابهة وقعت في ستاتن ايلاند في نيويورك في 17 ابريل عام 2014 أي منذ 6″ .سنوات مضت
مات “ايريك جارنر” الامريكي الاسود وهو يردد عبارة: “لا أستطيع التنفس” حتى فارق الحياه بعد أن وضعه شرطي ابيض في قبضة خانقة بذراعه أثناء القبض عليه بحجة بيعه السجائر بشكل غير قانوني، يومها اجتاحت التظاهرات مدينة نيويورك وعدة مدن أخرى في الولايات المتحدة للمطالبة بالعدالة” لإيريك .جارنر” الذي لم يتم إدانة ضابط الشرطة في مقتله وقامت شرطة نيويورك بفصله من عمله بعد انتهاء التحقيقات .

ومن المصادفات العجيبة ذكر السجائر في كلا الحادثتين، مقتل چورچ فلويد في مينيابوليس كان- كما ذكرت التقارير- بسبب استخدامه 20 دولار مزورة .لشراء علبة سجائر، كما أن چورچ كان يردد عبارة: “لا أستطيع التنفس” حتى فارق الحياة في وضع مشابه لمقتل إيريك جارنر
.هناك عدة حقائق لا أظن أن أح ًدا يختلف عليها هنا في الولايات المتحدة

.أولاً: حادثة مقتل “چورچ فلويد” الاسود على يد ضابط شرطة أبيض لم تكن الأولى من نوعها وربما لن تكون الأخيرة
ثانياً: لا يختلف اثنان في الولايات المتحدة على أن مقتل “چورچ فلويد” كان حادثة مؤسفة بكل المقاييس وأنه لابد من تحقيق العدالة والعمل على وضع حد
.لعنف بعض رجال الشرطة خصو ًصا في تعاملهم مع المواطنين السود
.ثالثا: ليس هناك خلاف على الإطلاق داخل الولايات المتحدة على ضرورة صون حقوق التظاهر والاحتجاج وكافة أنواع التعبير السلمي عن الرأي
رابعا: الخلاف بدا واضحا حول كيفية التعامل مع المخربين ومن قاموا بأعمال السلب والنهب التي صاحبت الاحتجاجات حيث رفضت بعض المدن ذات “القيادات الديمقراطية استدعاء الحرس الوطني للسيطرة على الموقف رغم عدم قدرة السلطات المحلية في تلك المدن على ذلك في حين طالب الرئيس “ترامب .والقيادات الجمهورية باستدعاء الحرس الوطني والجيش إذا لزم الأمر لفرض الأمن والنظام

خامسا: الاحتقان الداخلي والاستقطاب السياسي الذي سيطر على المشهد منذ انتخاب “ترامب” في 2016 أصبح سيد الموقف وبدا مسيط ًرا على المشهد مع شبه انعدام فرص التوصل الى صيغة توافقية بين الحزبين الكبيرين أو بين التيارات السياسية والأيديولوجية المتصارعة داخل الولايات المتحدة خصوصا بين التيار المحافظ والتيار اليساري الذي أصبح يكشف عن أنيابه ويفرض وجوده على الأرض بشتى السبل المقبولة وغير المقبولة مدعو ًما بماكينة إعلامية قوية .تميل ناحية اليسار ودعم سياسي من الحزب الديمقراطي
الحزب الديمقراطي أصبح الواجهة للحركات اليسارية المتنامية داخل الولايات المتحدة وقد بدا واضحا محاولة الحزب الالتفاف حول الاحتجاجات على مقتل چورچ فلويد” ومحاولة الدفع باستمرارها وتوظيفها سياسيا من أجل النيل من الرئيس ترامب وإدارته الذي تتعاظم فرص نجاحه بفترة رئاسية ثانية في” .”انتخابات نوفمبر القادم خصوصا أنه لا يوجد مرشح ديمقراطي أو مستقل قوي وذو كاريزما يكون قاد ًرا على مواجهة “ترامب

في تصوري أن وجود “جو بايدن” ذو السابعة والسابعين عاما على تذكرة الحزب الديمقراطي في انتخابات نوفمبر القادمة هو بمثابة إعلان الحزب الديمقراطي .افلاسه، فقد فشل الحزب في الدفع بمرشح يمكن أن يحظى بتوافق شعبي في وقت أصبح الانقسام الداخلي والاحتقان السياسي هو سيد الموقف

وكأن لسان حال الحزب يقول عليكم التصويت لمرشحنا لأن الخيار الآخر هو أكثر سو ًءا, وهو نفس الخطأ الذي ارتكبه الحزب في انتخابات 2016 حين ركزت حملة السيدة “كلينتون” على شيطنة الرئيس ترامب دون تقديم برنامج انتخابي واضح المعالم أو طرح أجوبة وحلول واضحة لكثير من الأسئلة .المطروحة في ذلك الوقت

سوف تهدئ التظاهرات وتنتهي الاحتجاجات على مقتل “چورچ فلويد” كما حدث في غيرها من الحوادث المماثلة وسوف تستمر القضية في المحاكم ربما لعامين أو أكثر وسوف يصمت السياسيون الذين أشبعونا مطالبات ومناشدات من أجل إصلاح الشرطة – ولست أدري م ْن يناشدون وهم المنتخبون والمشرعون ولديهم القدرة على إحداث التغيير الذي يناشدون به – ولكن الاحتقان الداخلي والاستقطاب السياسي داخل الولايات المتحدة لن يهدأ ولن تخف حدته كما أن .التصارع بين التيارات اليسارية والليبرالية من جهة والتيار المحافظ من جهة أخرى سوف يستمر لسنوات طويلة أو ربما لعقود قادمة
حاتم الجمسي
نيويورك
كاتب ومحلل سياسي مستقل يهتم بشؤون السياسة الامريكية و شؤون الشرق الاوسط وصحافي معتمد لدى الخارجية الأمريكية. حاتم الجمسي كان من القلائل الذين قدموا تحليلا دقيقا للانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 وتوقع فوز الرئيس ترامب على عكس استطلاعات الرأي الكثيرة التي كانت ترجح فوز .السيدة كلينتون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى