المُكَدِّيَة الأمريكية في اليمن ..

 

✍️ عبدالقادر الجنيد)

**

أولا: المُكَدِّيَة
**

“المُكَدِّيَة” أو “الشَّارِعَة” في اليمن، هي امرأة قد تجاوزت متوسط العمر وقد تكون ذَرِقَة اللسان وتعرف معسول الكلام أو سليطة اللسان إذا اقتضى الأمر.
وتستطيع أن تكون لطيفة ومستكينة أو شاخطة ناطرة حسب مقتضيات الحال.

المكدية، تذهب مع العروسة الصغيرة إلى بيت العريس في موكب الزفاف مع “الشَّواعَة” من بيت المَزفوفة الصغيرة التي المفروض أن تكون سعيدة وفرحة ولكن كل الفولكلور الشعبي اليمني يقول أنها خائفة ووجلة وقلقة ولا تعرف ماذا ينتظرها.

العروسة، خائفة ولا تدري ما ينتظرها أو ماذا يجب أن تفعل.

المكدية، تعرف حقائق الحياة وتساعد أو تجبر أو حتى تغصب العروسة الصغيرة على ممارسة الدور المرسوم لها في هذه الليلة لاستمرار الحياة وبقاء النوع ودورة الإخصاب والتكاثر.

وتشعر المكدية بالفخر عندما تخرج إلى أهل العريس بالخرقة الحمراء، لأنها قد أنجزت أكبر أدوارها وهو “التيسير” أو “التسهيل” في إدارة هذه العملية الأبدية التي تتم بسهولة ويسر في مجتمعات أخرى ولكنها في اليمن بها شيئ من النزاع والصراع والغزو والاقتحام وتحتاج إلى مسهلين وميسرين ومكديات.

المكدية، امرأة عجوز فاهمة لوقائع الحياة على الأرض تمام التمام وتستطيع أن تتنقل بين أم العروسة وأم العريس بسهولة ويسر، ولكنها لا تقوم بدور “المُسَهِّلْ” أو “المُيَسِّرْ” لحرصها على إخصاب النساء واستمرار عملية البقاء والحفاظ على النوع بل لأنها وسيلة لكسب لقمة العيش وطلب الرزق.
وفي بعض المجتمعات اليمنية لا يمكن التخلي بعد عن دور المكدية لأنها ضرورية وليس عيبا على الإطلاق أن تتعيش أو تكسب لقمة عيشها من التلويح بالخرقة الحمراء والبقاء عند العروسة عدة أيام لتضمن أنها ستأكل ما يكفي من اللحوم وأطايب الطعام في بيتها الجديد الذي مازالت تعتبر نفسها غريبة الديار بين جدرانه.

**
ثانيا: أمريكا، المُكَدِّيَة في اليمن
**

أمريكا، لها دور في كل بلد في العالم مهما صغر أو كبر.

هذا هو ما تريده أمريكا:
*
١- إنهاء دور السعودية القتالي في حرب اليمن.

٢- يقتصر دور السعودية في اليمن على صرف الأموال لإعادة الإعمار والمساعدات والإغاثات.

٣- يكون الدور السياسي للسعودية مقصورا على الضغط على رئاسة وحكومة الشرعية لتنفيذ أغراض السياسة الخارجية الأمريكية.

٤- أمريكا، تسوق السعودية وتقودها وتحثها على التباحث مع الحوثيين والإيرانيين على التفهم لطلبات بعضهم البعض بشأن تأمين مخاوف السعودية الأمنية والعسكرية مقابل استلام الحوثيين لدور حاكم في اليمن وتوطين النفوذ الإيراني على البحر الأحمر وحدود السعودية الجنوبية.

٥- أمريكا، تريد من السعودية النفط والابتعاد عن الصين وروسيا.

أمريكا، لا تريد أن تستعمل زيادة ضخ النفط أو تقليله بطريقة تضر بالمصالح الأمريكية أو بزيادة غلاء الأسعار على المواطن الأمريكي.

أمريكا، تعتقد أن السعودية مجرد أداة لتحقيق أغراضها ولا تقبل أن يكون معها “أوهام” أنها تستطيع أن تكون معها سياسة مستقلة وأكثر من هذا أن تستعمل التقارب مع روسيا والصين المصنفتان رسميا على أنهما الأعداء الحاليين لأمريكا كوسيلة لمخاصمة أمريكا أو لتعديل سياساتها في المنطقة”.

أمريكا، تعرف أنه لولا السعودية لما نجحت خطة بريزنسكي- مستشار الأمن القومي للرئيس چيمي كارتر- بدحر الإتحاد السوڤييتي في أفغانستان بتحشيد القوى الإسلامية ورفع راية الجهاد وأهم من هذا كله “التمويل” بسخاء لكل التكاليف لهذا المجهود الذي انتهى بقتل عشرات الألوف من الجنود الروس في أفغانستان وانسحاب بريچينيف المهين وبعدها انهيار الإتحاد السوڤييتي على يد جورباتشوف وشعارات “الجلازنوست” و “البروسترويكا”.

أمريكا، تريد استعمال السعودية وأن تتوقف السعودية عن الأحلام الجديدة للمملكة بأن يكون لها دور خاص بها حتى ولو كان يناقض الأهداف الأمريكية في المنطقة.

٦- كيف توصلت أمريكا لقرار إيقاف الحرب
قرروا وقف حرب اليمن بغض النظر عن العواقب الحوثية والإيرانية.
الليبراليون واليساريون ومجموعة الأزمات الدولية (التي هي مركز تحليل وواضع سياسات للحزب الديموقراطي الأمريكي)، والتقدميون في الحزب الديموقراطي برئاسة بيرني ساندرز.
هؤلاء كلهم:
١- هم القابضون على ملف السياسة الخارجية الأمريكية وخاصة في الشرق الأوسط.
٢-هم يكرهون السعودية كراهية مرضية وسواسية.
٣- هم بلا انتصارات، وقرروا أن ينتصروا خارجيا بالتباهي بإيقاف حرب اليمن، وخصوصا أن الرأي العام والمؤثرون عليهم في أمريكا وأوروبا يريدون ذلك أيضا.
٤- ويساعدهم في موقفهم تخبط الشرعية والتحالف وقابليتهم للانحناء للضغوط الأمريكية.

**
ثالثا: أمريكا، تستعمل “مسيرين” ومُسهلين”.
**

هذا مجهود ضخم واجتماعات وندوات وورش عمل ونقاش وهُدار لا يخلص وغرق في تفاصيل لا تنتهي ولا ينتج عنها أي شيئ على الواقع، تصرف عليه أموال طائلة ورحلات درجة أولى بالطائرات وإقامة في فنادق فاخرة ومنتجعات سياحية ساحرة في المنطقة وأوروبا.

أمريكا، تريد بقاء الحوثيين في اليمن مع سيطرة واضحة ولكن بالمشاركة مع بقية اليمنيين بشيئ مقبول- بالغصب أو بالرضى أو الخداع- يمكن “تسييره” و “تيسيره” و “تسهيله” عن طريق:
“مراكز استراتيجية” و “منتديات تنمية سياسية” في صنعاء،
ومنظمات يمنية يصرفون كلهم عليها، بطول البلاد وعرضها،
و “مؤسسة بيرجهوف” في برلين،
و تكتيكات “تشاتهام هاوس” في لندن،
وخطط طويلة المدى ل ” مجموعة الأزمات الدولية” في واشنطن،
واختراعات السويد بإقامة “مهرجانات السلام” بضيافتها في قلاعها التاريخية لمئات اليمنيين خارج ستوكهولم.
وكل امكانيات ومنظمات الأمم المتحدة والمبعوث الأممي هانس جروندبيرج.

القاسم المشترك بين كل هؤلاء “المُيسرين” “المُسهلين”، هو أنهم يتنقلون بيسر وسهولة بين أوساط السعودية ورئاسة وحكومة الشرعية والحوثيين وحزب الإصلاح والناصري الوحدوي والاشتراكي والسلفي والمجلس الانتقالي الانفصالي وحراس الجمهورية العفاشي وقطاع المرأة ومنظمات حقوقية وسلامويون يقولون أن السلام تحت أي حال وأي سلطة أفضل من الصراع وأن أي هدنة حتى ولو كانت بمزايا ومكاسب للحوثيين هي أهم من الحرب.

وقاسم مشترك آخر بين كل هؤلاء “المُيسرين” “المُسهلين”، هو أن هذه الأعمال هي ما يقدم لقمة العيش لهم ولأسرهم وهي طريقتهم لكسب الرزق في الحياة.

والمُسهلون والميسرون، يقولون بأنهم إنما يخدمون الإنسانية ويريدون تخفيف آلام الشعب اليمني.

وبالمناسبة، ٢٠٠ شخص يمني موجودون في مهرجان السويد للسلام في يومنا هذا يرقصون ويغنون حتى بحضور الحوثيين وكل طيف من ألوان الطيف اليمني، كأحد ابتكارات التسهيل والتيسير وشغل المكدِّيات.

وهذا هو بالضبط دور “المُكَدِّية”.

**
رابعا: تصريح من وزارة خارجية أمريكا، اليوم
**

تأمل في حديث بيل روسو نائب مساعد وزير خارجية امريكا لشؤون العلاقات العامة العالمية لصيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في يومنا هذا السبت ١٨ يونيو.

“الفوائد التي نراها من خلال الهدنة الحالية يجب أن تكون بمثابة حافز لجميع الأطراف المعنية لتأمينها بطريقة مستدامة”.

‎وقال: “يمكننا ممارسة الضغوط وتقديم المحفزات من خلال الدعم الإنساني، لكن في نهاية المطاف، سيتعين على الأطراف المعنية حسم قرارها حول ما إذا كانت تدعم التنمية السلمية في اليمن أو ما إذا كانت تريد المزيد من الدمار

أي أن روسو، يؤكد أنه سيقوم بدور “المُكَدِّية”، ولكنه لا يضمن بأنه سيطل علينا مبتهجا ب “الخرقة الحمراء”.

**
خامسا: الحوثي يبتهج بالمُكَدِّيات
**

١- بدون موافقة الحوثي، لن يتواجد كل هؤلاء الميسرين والمسهلين والمكديات، لأنه لا يوجد عمل لهم بدون مشاركة الحوثيين.
الحوثي، هو العريس.

٢- الحوثي، يكسب مكاسب معنوية وشرعنة وجوائز مادية باذخة من الميسرين والمسهلين والمكديات، بينما يكيل لهم اللعنات والصرخات ويكن لهم الاحتقار.

٣- الحوثي، سيأخذ من المكديات ما يريد، ثم سيرميهم كلهم في القمامة ويبقى في أحضان الحب الأول في قُم وطهران.

**
سادسا: أنا وأنت ونحن والمُكَدِّيات
**

لن أتكلم عن الشرعية اليمنية ورؤساء الأحزاب اليمنية المؤيدة للشرعية، لأن ما بداخلهم وما يقع عليهم من خارجهم من المُكَدِّيات، يكفيهم وزيادة.

أنا وأنت ونحن، دائخون ضائعون بين المُكَدِّيات ولا ندري بقلباتهم ولا كيف يقلبون علينا ولا كيف يتقلبون بيننا ويُمَغْرِرونا ويُبَغِّرون بنا.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى