المنافق هو الشخص الذي له حياة في العلن وحياة أخرى في السر

 

✍️   د / رلى حسون

المنافق هو الشخص الذي له حياة في العلن وحياة أخرى في السر

تتغلغل بين الناس في مجتمعنا العربي ظاهرة عجيبة تندرج تحتها الكثير من الأفعال، وهي أسوأ ما يمكن أن يوصف بها الإنسان، وربما تتسبب هذه الظاهرة في انهيار المجتمعات وإصابتها بالشلل والخلل، وتغزو ظاهرة ومرض “النفاق الاجتماعي” العديد من المجتمعات العربية، وتدب كالسرطان في جسد الناس على عدة أشكال، كالتصنع والتلون والكذب والخداع في العلاقات بهدف الظهور الآخرين من أجل المصالح الشخصية، فما هو النفاق الاجتماعي؟ وما الذي يميزه عن المجاملة؟ وما حكمه شرعاً؟ وكيف يمكن علاجه واجتنابه، وما واجب الأمة تجاه ذلك

وهناك منظومة قيم تحكم المسار التقدمي للمجتمع، وتمنحه القدرة على خلق واقعا أفضل يمهّد لمستقبل لائق، ومن دون قيم التقدم وحضورها والاستناد إليها، لا يمكن أن يخطو المجتمع خطوة واحدة الى أمام

أن المجتمعات السليمة هي التي تدور في
فلك الأفكار والمبادئ الصادقة الخيرة، بخلاف المجتمعات المريضة التي تدور في فلك الأشخاص من ذوي النفوذ، والتسابق للتقرب إليهم، وإطرائهم بالكلام المعسول والمديح لقضاء حاجاتهم بكل يسر وسهولة.

ومن الطبيعي جدا أن نثني على شخص نحبه صدقا لذاته لا لما عنده أو لما فيه من مصلحة شخصية لنا، ومن المعقول أيضا أن نعجب بطرح إنسان ما فنمدحه في حدود ما يستحقه، ولكن ما نراه اليوم في واقعنا مهين جدا، وفيه من الابتذال والخنوع الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبرر بمحبة أو إعجاب، لدرجة أن الغالبية أصبحت تؤمن بأن التملق هو أقصر الطرق التي توصل إلى النجاح، وإن كان غير مستحق وتنقصه مقوماته الحقيقية.

أن هذا المرض المستشري بالمجتمعات المحلية ناخرٌ بعظامها، وبصور مختلفة ومتعددة وغير خافية على أحد، وإن لم يُشير إليها بالبنان صراحةً، كالمطبلين والمنافقين وغيرهم، الذين طغت فئتهم بمجتمعاتنا، فأصبح كلاً يسعى لتحقيق أهدافه بأي طريقة حتى أصبح تملقهم وتزلفهم نظرية تُطبق، والذكي من يُديرها ويتقنها بالشكل الصحيح، فخلود الضمير للنوم العميق هو مدعاة للتمادي حيث لا رقيب ولا حسيب، وهو ليس مقتصراً على فئة محددة أو مهنة معينة أو شخص محدد.

مرض اجتماعي

في هذا الإطار، قال الدكتور “عبد الباري خلة” -أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بكلية الدعوة الإسلامية-: “إن النفاق الاجتماعي يتعلق بسلوك اجتماعي وعلاقات فردية، وأمراض اجتماعية تؤثر بقوة المجتمع وتماسك أفراده”، موضحاً أن النفاق الديني هو قول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب أو ستر الكفار وإظهار الإيمان.

وأكد الدكتور “خلة” في حديث خاص مع بصائر: “أن النفاق عموماً مذموم –لافتاً إلى- تحذير النبي صلى الله وعليه وسلم من ذلك بقوله: (تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ) (رواه البخاري)”.

وقال د / عبد الباري خلة: النفاق الاجتماعي يكون عند بعض الأشخاص في السكوت عن الخطأ بحجة المصلحة، أو خوفاً من فقد ثقة المُجَامل
وأشار إلى: “أن ذا الوجهين يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها -موضحاً- أن بعضهم يفعل ذلك لمصلحة دنيوية أو مصلحة اجتماعية –مستدلاً- بقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ ذَا وَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا كان لَهُ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ) (رواه البخاري في الأدب المفرد بسند حسن)”.

ويلعب النفاق دوراً بارزاً في تقويض الدولة الإسلامية ، حيث يدبّ في جسد الأمة كما يدب السرطان في جسد الناس، حيث يجعلها جثة هامدة عن طريق إحداث الفتنة والاضطرابات والفرقة والعمالة .

وأوضح الدكتور “خلة” أن الناس أصناف متعددة، منهم الصريح ومنهم المداهن: “فإذا داهنت أو جاملت الفاسق توهّم السامع بعكس ما هو فيه، واقترفت خطأ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسلام، إِذَا فَقهُوا وَتَجِدونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً، وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأتِي هؤُلاَءِ بَوَجْهٍ وَهؤُلاَءِ بِوَجْهٍ) (رواه البخاري).

ويتجلى مرض النفاق في مجتمعنا في العمل، وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا ينبغي أن يكون هذا النفاق على حساب الدين، فلا نبيح محرماً ولا نفتي إرضاء للمسؤول، ولا نغير حكم الله، وفقاً للدكتور “خلة”.

وأشار إلى: “أن النفاق الاجتماعي من علامات الساعة –مستدلاً- بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع) -يعني العبيد والسفلة من الناس- (رواه الترمذي بسند صحيح)”.

وأوضح “خلة” الفرق بين النفاق والمداراة، مشيراً إلى أن المداراة مشروعة في الدين، فهي تلطف مع الخصم ولين، ودفع له برفق ورحمة، وهي فن يتقنه الحكماء العقلاء.

وقال: “الإنسان مدني بطبعه، لا يستغني عن الناس، خلق في وسط المجتمع، فلا بد أن يعامل الجميع، وهذا يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى معرفة أطباعهم”.

من جهته قال الدكتور “ماهر السوسي”: “أن النفاق الاجتماعي مذموم، ويدل على ضعف إيمان بعض الناس وقلة خوفهم من الله تعالى، عازياً انتشاره لضعف الثقة بالنفس عند بعض الناس، والطمع المادي، والشعور بالنقص، إلى جانب دور بعض وسائل الإعلام التي تغذي هذا المرض”.

وخلاصة القول، في هذه الملاحظة، إنه إذا كان تفشي ظاهرة النفاق والتملّق السياسي مقرونا بأنظمة الحكم الإستبدادي وغياب المؤسسات الدستورية وآلياتها، كما أشرنا، فإن شرطيته الموضوعية توفرها حاجة الطرفين لبعضهما البعض، حاجة السلطان أو الحاكم (ناقص الشرعية السياسية الدستورية أو فاقدها) وابتغاؤه لولاء “السياسي” و«العالم” و«رجل الدين” المتملِّق، وحاجة هؤلاء (ناقصو الكفاءة العلمية والمهنية أو فاقدوها) لِمَنِّ “السلطان” أو “الحاكم” بجاهه، المادي والإعتباري، عليهم.

و يجب على الأمة معرفة هؤلاء المنافقين وعدم التعامل معهم وأخبار الناس بهم لأن هؤلاء الأشخاص خطرهم كبير على المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى