الفقر …. ليس قدراً

  • كتب عبد الرحمن الشيباني

بعد زوال الاستعمار وبروز مصطلح الدولة الوطنية في القاموس السياسي العربي ورث النظام العربي تركة ثقيلة لم يعمل على إزالة تلك الترسبات وشحذ الهمم صوب المستقبل ولم يكن الاستعمار ليترك بلداننا العربية لولا تضحيات جسام قدمتها تلك الشعوب من أجل الحرية والاستقلال ,, كانت الكلفة باهظة  فالمستعمر لم يكن ليترك نهم نزعاته المادية والنفعية لولا ادراكه صعوبة استمراره والذي يكلفه الكثير لذلك قرر الرحيل .

النظام العربي لم يكن لديه حينها أي مشروع للاستجابة لمتطلبات المرحلة سوى تكريس سلطات نظامه البوليسي القمعي بعيداً عن الاستجابة لشروط الجماهير التي كانت بحاجة لمشروع وطني حقيقي واقتصادي قوي يلبي الطموحات ويحقق مبدأ المواطنة ..كانت تلك المجتمعات شاخصة لأحداث ذلك التحول لكن اصطدمت بنزعة استبداد به تكمم الأفواه وتقيد الحريات وتحكم قبضتها الأمنية على مفاصل الدولة لتحتكر الوطنية وتوزع صكوكها على من تشاء ليبقى المواطن العربي مواطناً سوياً طالما رضى عنه الحاكم واذرعه الأمنية والاستخباراتية لم يشعر ذلك المواطن بالمواطنة الحقة ولم يشعر أيضا بمعنى الانتماء للوطن الذي أصبح يقضم من حقوقه ويستبيح كرامته بقي خارج الفعل الثوري والوطني المحتكر من الحاكم .

كانت حينها بلدان كثيرة في العالم تحاول النهوض من كبوتها وتلملم جراحاتها وتتجه نحو التعليم واستغلال الموارد وتسخيرها لصالح الانسان الذي هو هدف التنمية ومحورها .

كانت تمتلك رؤية ومشروع حقيقي تكاتف الحاكم والمحكوم في انجاز ذلك الهدف ولم تكون هناك شعارات فضفاضة تؤجل المشروع الكبير للجماهير كما كان حاصل لدينا . لقد حققت تلك البلدان قفزات كبيرة نحو التطور وأصبحت اليوم من البلدان المتقدمة والطموحة باستيفائها لشروط التنمية واعتمادها على نفسها . لقد استوقفني أحد الاقتصاديين في بنجلادش وهو يتحدث عن الطفرة الاقتصادية التي تعيشها بلاده حديثة الاستقلال والذي قال مفاخرا أن بلده ستكون قبل حلول العام 2030م قد قضت على الفقر عبر برامج اقتصادية متعددة وطويلة الأمد كانت قد بدأتها .وقال لقد راهنا على أبناء الشعب مضيفا ان الشخصية الوطنية المتجذرة ووعيها لعبت دوراً بارزاً في أحداث ذلك التغير لقد علمتنا الحرب الكثير والتي أدت إلى مقتل 3 ملايين بنجالي لقد نسينا الماضي وتطلعنا نحو المستقبل ..لقد بدأنا بأنفسنا ولقد وصلنا .  الجميع يعرف ما قام به أبو الفقراء د| محمد يونس هناك ودوره في مكافحة الفقر .. يقول يونس ( أن فكرة البنك قائمة على التمرد على النظام الرأسمالي الذي لا يخدم سوى الأغنياء ومن مصلحته بقاء الفقر لذلك رأينا كيف يفعل هذا النظام وقمنا بعكس ما يفعله كنا نقع المتسولات بأهمية أن يقمن بنفس عملهن على أن يأخذن معهن شيئا ليبعنه وأصبح لدينا أكثر من 100 الف متسول لكن تحولوا إلى التجارة ) طبعا هذه العملية والفكرة تتكرر والتي حولت هؤلاء المتسولين والمتسولات إلى رجال أعمال .

بنجلادش اليوم تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين في صناعة الملابس وتحول الشعب فيها إلى شعب منتج معتمدا على نفسه وليس على القروض المجحفة والمعونات الخارجية .. لقد تحرك الدكتور يونس أبو الفقراء كما يطلقون عليه من انتماءه لوطنه وتجذر هذا الانتماء في وعيه بل لقد تحرك كثيرون وقرروا تغيير واقعهم يونس قال أيضا أن السلطة هي من خلقت ذلك ولن تتحرك ما لم يتحرك الأخرون .. الجميع هناك تحرك وظلينا نحن العرب بعيدين منذ استقلالنا لأننا بسبب بسيط لا نمتلك مشروع سوى تقديس الفرد الحاكم الذي بقى متمددا على استرخائنا له وعد تحركنا ويقودنا هذا الأمر إلى المدى الذي يظهره الأخرون في حبهم للوطن والعمل من أجله بعيدا عن أي انتماءات ضيقة تعدد النسيج الاجتماعي وتشغل المزيد من الاحتراب .. وطن يتساوى فيه الجميع .. امامنا الكثير من أجل الوصول لتلك المفاهيم وتجسيدها على أرض الواقع لا ينقصنا شيء في ذلك لدينا كفاءات وموارد ونستطيع أن نتحرك صوب المستقبل الفقير يصبح كذلك طالما ارتضى لنفسه أن يكون كذلك فمتى يا ترى  نتحرك ؟؟ هذا هو  السؤال ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى