الغارات على صنعاء وملامح قطع دابر إيران من المنطقة

 

نيويورك – هيثم جسار – الأمم المتحدة

شهدت العاصمة اليمنية صنعاء اليوم جولة جديدة من الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع حساسة للحوثيين، بينها مخازن عسكرية ومعسكرات تدريب ومراكز قيادة. هذه الضربات ليست مجرد رد عسكري على هجمات الحوثيين الأخيرة ضد إسرائيل، بل تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز حدود اليمن، لتصل إلى صميم المشروع الإيراني في المنطقة.

أولًا: الغارات كرسالة سياسية

الضربات الجوية في صنعاء وجوف اليوم تؤكد أن إسرائيل لم تعد تكتفي بالرد التكتيكي على هجمات الحوثيين، بل تسعى لفرض معادلة ردع جديدة. فاستهداف قلب العاصمة، حيث تتركز القيادة الحوثية، رسالة واضحة مفادها: لا حصانة لميليشيا مهما تحصنت بالدعم الإيراني. هذه المعادلة تحمل في طياتها محاولة لإعادة رسم موازين القوى ليس فقط في اليمن، بل في الإقليم بأكمله.

ثانيًا: إيران والوكيل الحوثي

منذ سنوات، وظفت إيران الحوثيين كورقة ضغط على خصومها الإقليميين والدوليين. لكن الغارات الأخيرة تكشف هشاشة هذا الرهان؛ إذ إن تمركز الحوثي في بيئة سكانية مكتظة، واعتماده على المدنيين كدروع بشرية، يجعل أي ضربة له ثمنها إنسانيًا باهظًا، ويعرّي في الوقت ذاته زيف شعاراته حول “المقاومة”. فالمعادلة باتت واضحة: كلما ازداد الحوثي ارتهانًا لإيران، كلما أصبح المدني اليمني هو الضحية المباشرة.

ثالثًا: المدنيون بين مطرقة الحوثي وسندان الغارات

الواقع الإنساني اليوم في صنعاء يختصر مأساة اليمنيين: الحوثي يخبئ ترسانته وسط الأحياء السكنية، ويتحصن بمنازل المواطنين، بينما الغارات الإسرائيلية تضرب هذه المواقع لتقويض قدراته. النتيجة أن المدني هو من يدفع الثمن، في صورة تؤكد أن الحوثي لا يملك مشروع دولة، بل مجرد مشروع بقاء على حساب حياة الناس. هذا السلوك يعكس عقلية الميليشيا التي ترى في اليمنيين وقودًا لمعارك الآخرين، لا شعبًا يستحق الحياة والكرامة.

رابعًا: نحو قطع دابر إيران

التحولات الأخيرة تشير إلى بداية مسار جديد: تحجيم الدور الإيراني عبر استنزاف أذرعها المسلحة. فالغارات على صنعاء ليست معزولة عن الضغوط على حزب الله في لبنان أو على الميليشيات في العراق وسوريا. المعركة باتت شاملة، والهدف هو تجفيف منابع النفوذ الإيراني الذي تغذيه الميليشيات العابرة للحدود. وفي اليمن، يشكل الحوثي الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، ما يجعله مهددًا أكثر من غيره إذا استمرت الضربات وتوسعت.

خامسًا: السيناريوهات القادمة

إذا تواصل الضغط العسكري والسياسي، قد يجد الحوثي نفسه أمام خيارين أحلاهما مر:
1. الاستمرار في التحصن بالمدنيين، مع ارتفاع فاتورة الخسائر الإنسانية والضغط الدولي.
2. التراجع خطوة خطوة عن التصعيد، ما يعني بداية تآكل نفوذه داخليًا وإقليميًا.

وفي الحالتين، فإن المشروع الإيراني في اليمن يبدو مقبلًا على مرحلة انكماش، بعدما كان يتمدد بلا حساب.

الغارات على صنعاء اليوم ليست مجرد حدث عسكري، بل محطة فارقة في الصراع الإقليمي. هي رسالة بأن اليمن لن يبقى ساحة مجانية لإيران، وأن الحوثي الذي اعتاد الاحتماء بالمدنيين لم يعد بمنأى عن الاستهداف. إنها بداية مسار قد ينتهي بـ قطع دابر النفوذ الإيراني من خاصرة الجزيرة العربية، وتحرير صنعاء من معادلة الميليشيا التي حولت حياة الناس إلى جحيم دائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى