فيروس كورونا والصحوة المتأخرة للمجتمع الدولي

✍️ عبد الحميد صيامً


أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، والمديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور، خطة شاملة لمواجهة انتشار وباء كورونا تحت عنوان: “الخطة العالمية للاستجابة الإنسانية لوباء كوفيد-19. وطلب الأمين العام من الدول القادرة والقطاع الخاص وحتى الأفراد تأمين مبلغ ملياري دولار لدرء خطر الكورونا عن الدول الهشة في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. وهذا المبلغ هو الحد الأدنى الذي يمكن أن يساعد هذه الدول والفئات الأكثر ضعفا كالنساء والأطفال واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة في تأمين وسائل الوقاية والحماية والأدوية البسيطة ومعدات الفحص والعزل والتعافي وضمان إيصال المواد الغذائية ونقل اختصاصيي الصحة والإغاثة إلى مناطق انتشار الوباء. وقال الأمين العام غوتيريش إن النهج العالمي هو الطريقة الوحيدة لمحاربة كوفيد-19 وطالب الحكومات بالالتزام بتقديم الدعم الكامل لخطة الاستجابة الإنسانية هذه.

إننا نخشى أن هذه المبادرة تأخرت كثيرا وكان يجب أن تطلق قبل شهر أو أكثر. لقد تلكأ المجتمع الدولي طويلا قبل أن ينخرط في حركة مكافحة هذا الوباء. العالم الآن أمام تحدٍ خطير. فإذا انتشر الوباء في بعض الدول الأكثر فقرا في آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية ستكون النتائج كارثية وقد يموت ملايين البشر. فالناس في هذه الدول محشورون في أحياء مزدحمة وغير صحية، والمستشفيات قليلة وبدائية ومكتظة، والمال غير متوفر لمساعدة الفقراء عندما يطلب منهم البقاء في البيوت، والناس ببساطة لا يستطيعون البقاء في المنازل لأنهم غير واثقين من الحصول على الرعاية الصحية الأساسية التي يحتاجونها، وهذا سيساهم في نشر الوباء بسرعة قياسية فيهلك الملايين. وإذا ما حصلت هذه الكارثة ستكون حكايات الأعداد التي نسمعها الآن في إيطاليا والصين وإيران واسبانيا والولايات المتحدة لا تذكر مع ما قد نشهده.

تأخر كثيرا رد المجتمع الدولي على الوباء. الأمين العام بدأ يتحدث عن الموضوع بشكل واضح وصريح انطلاقا من يوم الخميس 19 آذار/مارس عندما طالب بخطة استجابة عالمية. والأمم المتحدة ألقت بالمسؤولية على منظمة الصحة العالمية والتي أيضا دخلت على الموضوع متأخرة وكان المدير العام للمنظمة في البداية يحذر من عدم المبالغة إلى أن تبين للجميع أن الوباء أكبر بكثير من المتوقع.

مر نحو شهرين أو أكثر قليلا ليدرك العالم خطر هذا الوباء. ومع هذا لم يناقش الموضوع في مجلس الأمن الدولي لغاية هذه اللحظة لسبب بسيط وهو أن رئاسة المجلس لشهر آذار/مارس من نصيب الصين والتي لم تطرح الموضوع على أعضاء المجلس ولم تقبل حتى بمناقشته في جلسة مغلقة (قبل إغلاق مبنى الأمم المتحدة) بناء على اقتراح قدمته إحدى الدول الأعضاء غير دائمة العضوية. الصين لم تجد هناك ضرورة لبحث الموضوع ولم تعتبره تهديدا للسلام والأمن الدوليين. وعندما سئل السفير الصيني، زانغ جون، إذا ما كان المجلس سيبحث مسألة الخطر الذي يمثله وباء كورونا قال: “إن أعضاء مجلس الأمن يشعرون بشكل عام أن ليس هناك ضرورة للرعب في هذه الفترة. وسيبقون يراقبون الوضع. كوفيد-19 ليس مطروحا على جدول أعمال المجلس لشهر آذار/مارس”. وعندما سئل عن تفسير ذلك قال: “إن الفيروس يقع ضمن مظلة قضايا الصحة العامة العالمية وليس تحت مظلة مجلس الأمن المهتم بالمسائل الجيوسياسية”.

ولنقارن بين موقف مجلس الأمن في مواجهة كورونا وموقفه في مواجهة إيبولا عام 2014. اجتمع مجلس الأمن يوم 18 أيلول/سبتمبر 2014 واستمع إلى كلمة من الأمين العام، بان كي مون، ومن منسق الأمم المتحدة لمكافحة وباء إيبولا، ديفد نابارو الذي عينه الأمين العام فور انتشار خبر الوباء، وتقرير من مديرة منظمة الصحة العالمية، مارغريت شان، وتقرير من منظمة “أطباء بلا حدود” واعتمد المجلس في نهاية الجلسة القرار 2177 (2014) بالإجماع بهدف توحيد الجهود الدولية في مكافحة الوباء. وجاء في مقدمة القرار “وإذ يقرر (المجلس) أن تفشي فيروس إيبولا على نطاق غير مسبوق في افريقيا يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين”.

وباء إيبولا انتشر على مدى سنتين أساسا في ثلاث دول افريقية وهي غينيا وسيراليون وليبيريا، ولم تتغير أنماط الحياة في بقية البلدان. وقد وصل عدد الإصابات نحو 28.000 حالة وعدد الوفيات بلغ 11.310 ومع هذا اعتبر أنه يهدد السلم والأمن الدوليين. أما عدد إصابات كورونا لغاية هذه اللحظة فقد وصل إلى 570.000 حالة في 196 دولة وبلغ عدد الوفيات 26.500 ولا يهدد السلم والأمن الدوليين حسب رأي السفير الصيني.

تركت الصين لمصيرها والتي أخفت الجزء الأكبر من المعلومات وبدأت تتكلم عن الوباء في كانون الثاني/يناير بعد أكثر من شهر من بداية إنتشار الفيروس.

تركت إيطاليا وحدها والوباء ينتشر ويفتك. استنجدت بالاتحاد الأوروبي ولم يسمع نداءها أحد، النجدة جاءت من الصين وكوبا.

تركت إسبانيا وحدها تدفن موتاها بدون إعانة من أحد. لحقت بها فرنسا وألمانيا وهولندا.

إيران تكاد تنهار تحت وطأة الوباء والعقوبات.

معظم الدول العربية حاولت إخفاء الحقائق أولا لكنها لم تستطع.

الرئيس الأمريكي سخر من الوباء في البداية واعتبره أقرب إلى الموجة العابرة. وعندما أراد أن يأخذ قرارا جادا أغلق الولايات المتحدة أمام دول الاتحاد الأوروبي بدون أدنى اعتبار لأصول التشاور مع الحلفاء.

نظريات المؤامرة تكاد تخنق الحقيقة، فالفيروس مؤامرة صينية ضد الدول الغربية، ومؤامرة أمريكية ضد الصين، ومؤامرة إيرانية-تركية ضد السعودية، وتمادى بعض أذكياء وذكيات الخليج باتهام قطر بتصنيع الفيروس لإفشال إكسبو دبي 2020.

الصحوة المتأخرة

كل شيء بدأ يتغير في الأسبوعين الأخيرين بعد أن بدأ الوباء يحصد المئات في الدول المتقدمة وبدأ يزحف نحو الدول النامية إلى أن وصل كل دول العالم تقريبا بما في ذلك قطاع غزة الذي كنا نظنه محصنا ضد الوباء بسبب الحظر الذي خضع له لأكثر من 13 سنة.

مؤشرات انتشار الوباء في تصاعد مستمر ومرعب، وبدأت الخطوات الجدية تأخذ طريقها بعد أن استطاعت الصين أن تحتويه.

بدأت الصين تستخدم قوتها الناعمة في مد يد العون للدول التي في أمس الحاجة للمعونة.

أطلق الأمين العام مبادرته لمساعدة الدول الفقيرة. تحركت الإدارة الأمريكية لاتخاذ خطوات جادة نحو مساعدة الملايين الذين طلب منهم أن يبقوا في بيوتهم. حصل نوع من التفاهم بين الإدارتين الصينية والأمريكية للعمل المشترك الجاد. وتم الاتفاق بين الولايات المتحدة وفرنسا على خطوات مهمة نحو العمل على تطوير الأمصال المضادة. إسبانيا وإيطاليا قررتا أن تعملا معا من دون التشاور مع الاتحاد الأوروبي.

لكن اجتماع قادة مجموعة العشرين يوم الخميس الماضي كان على قدر من الأهمية بعد أن أقروا ضخ خمسة ترليونات دولار للعمل الجماعي ودعم متطلبات منظمة الصحة العالمية، وتعهدوا مساعدة الدول الفقيرة في مواجهة آثار هذه الجائحة التي أجبرت نحو ثلاثة مليارات إنسان أن يلتزموا بيوتهم. الشيء المؤسف أن القمة لم تعلن عن تخفيف عبء الديون عن أفقر دول العالم. لقد كان اسقاط ديون أفقر الناس في العالم خطوة جادة وصحيحة لمكافحة فيروس كوفيد-19. فهذه البلدان مثقلة بمليارات الدولارات من الديون للدول الغنية والمؤسسات مثل صندوق النقد الدولي. فهل من المنطق، في الوقت الذي يعاني العالم فيه من هذه المحنة، أن تضخ هذه الدول الأموال القليلة التي في حوزتها لتسديد الديون أم لدعم أنظمتها الصحية ومساعدة شعوبها على البقاء في المنازل حتى تتمكن من وقف انتشار الفيروس؟

لعل هذه المأساة الشاملة والتي أخذت العالم على حين غرة بدون أن يكون مستعدا لها، ترسخ مجموعة من القناعات والتي كان يجب أن تكون مسلمات لا يجادل أحد في صدقيتها ولكن من الحكمة أن نعيد التأكيد عليها:

– العالم الآن حقيقة قرية صغيرة ولا مناص من تقارب الأطراف والمحاور والمراكز لأن مصالحم جميعها مترابطة ومتشابكة، وما يتعرض له بلد صغير في أي مكان قد يؤثر على العديد من الدول، ولم تعد منطقة في مأمن من الظواهر الكونية كالأوبئة والتغير المناخي والهجرة وتدفق اللاجئين وانتشار التطرف وتجارة المخدرات وغيرها.

– لا يمكن لبلد واحد أو مجموعة من الدول أن تنتصرعلى التحديات الكونية بجهود فردية أو إقليمية بل بجهود جماعية ممركزة تخضع لبرنامج موحد تقوده المنظمات الدولية بتنسيق مع المنظمات الإقليمية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ليكون الحل جماعيا وشاملا ومقبولا ومتوازنا.

– إن سياسة “بلدي أولا وليذهب العالم إلى الهاوية” فشلت وستفشل مرة وراء مرة. وظاهرة انتشار القادة الشعبويين النفعيين الذين يعتمدون الخطاب الديماغوجي تقترب من نهايتها بعد أن أصبحت دولة مثل كوبا تمد يد العون لإيطاليا والرئيس الأمريكي ينحني صاغرا ليتصل بالرئيس الصيني ويعرض التعاون.

– العالم عليه أن يستثمر أكثر في الجهوزية والسياسة الوقائية والبرامج الاحترازية تحسبا للظواهر الطبيعية الخطيرة مثل تسونامي والزلازل والأعاصير وكذلك للأوبئة المدمرة، بدل الاستثمار في تسليح الفضاء وتصنيع أنواع متطورة من الأسلحة النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات. فمصير هذا الكون واحد وخطأ صغير قد يكلف البشرية ما لا يمكن تخيله من خسائر.

– لعلنا نأخذ درسا عميقا من هذه الكارثة مفادها أن العلم هو الذي ينقذ البشرية والعلم ليس له جنسية والفيروسات كذلك ليس لها جنسية ولم تأت إلى الصين لتعاقبهم على ما ارتكبوه ضد مسلمي الإيغور أو إلى إيران لأنهم يضطهدون السنة أو لإسرائيل لأنها تنتهك حقوق الفلسطينيين. ولم يأت هذا الفيروس نتيجة مؤامرة صينية أو أمريكية أو إسرائيلية. إن النشاط البشري المتعاظم والمعقد والانبعاثات الغازية وانتهاك قوانين البيئة نتيجة الصناعة والحفريات وتلويث الفضاء هي التي ستنتج دمارا وخرابا مرة عن طريق تكيف الفيروسات والميكروبات ومرات عن طريق الظواهر الطبيعية الخطيرة.

لقد آن الآوان أن يستخلص سكان الأرض، وخاصة الدول المتطورة، الدروس للتكيف مع شروط المحافظة على طبيعة آمنة لا ندمرها ولا تدمرنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى