السعودية وإيران وأمريكا يتقاذفون اليمن. حتى وصلنا إلى سلام بايدن الهش.

 

عبدالقادر الجنيد)

أمريكا تعود وتصعد على منصة اليمن وتأخذ دورا أكبر مما تستحق.
سنستعرض اليوم التقاذف والركل الذي تعانيه اليمن من السعودية وإيران وأمريكا منذ ٢٠١١ وحتى اليوم.

**
أولا: عودة السعودية بعد قطيعة في ٢٠١١
**

في ٢٠١١، في مرحلة الاعتصامات في ساحات الحرية والتغيير والمسيرات الحاشدة في كل مدن اليمن الرئيسية، طلب الرئيس السابق علي عبدالله صالح من السعودية رسميا التدخل لتهدئة الوضع في اليمن بالرغم من أن الود كان مفقودا بين قيادات البلدين لعقدين من الزمان بسبب موقف الرئيس صالح من غزو صدام للكويت.

اضطربت اليمن لأنها لم تحصل على عوامل الاستقرار الثلاثة، تحت نظام الحكم الذي استمر لمدة ٣٣ سنة:
١- لم نحصل على “الدولة” الجامعة الضامنة لمكونات اليمن.
٢- لم نحصل على “الحوكمة” والحكم الرشيد.
٣- لم نحصل على النمو الاقتصادي.

تبوأت السعودية مكانا عليا على منصة مسرح اليمن وكان عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي حينها- وزير خارجية البحرين الحالي- وجها مألوفا حتى أنه زار ساحة التغيير في صنعاء.

التفاصيل كثيرة ولن نطيل عليكم بها.

**
ثانيا: أمريكا تستلم المنصة من السعودية
**

مجهود السعودية وأمريكا كان واضحا في المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن، ولكن التنفيذ كان فوق طاقة السعودية والزياني.
الذي أجبر الرئيس صالح على التنحي في الرياض، هو أمريكا وليس السعودية أو الأمم المتحدة.
الذي أخرج أخ الرئيس وقائد سلاح الطيران محمد صالح من مطار صنعاء، هو أمريكا تحت الرئيس باراك أوباما وليس المبعوث الأممي جمال بن عمر.

القوة الدافعة التي انتجت مخرجات الحوار الوطني في فندق موڤنبيك في صنعاء والدستور اليمني في الإمارات، كانت أمريكا تحت قيادة الرئيس أوباما.
لولا أمريكا، لما كانت اليمن قد حصلت على المرجعيات الثلاث لحل مشاكل اضطرابات اليمن.

صحيح أن أمريكا هي التي وفرت الأجواء المناسبة لإنتاج المرجعيات الثلاث ولكن الذي كتبها هم اليمنيون.

ومهما اجتمع اليمنيون ليأتوا بمرجعيات لتسيير أمور بلادهم، فلن يأتوا بشيئ آخر.

وأنا على يقين بأن اليمن لن تستقر إلا بموجب هذه المرجعيات الثلاث.

التفاصيل كثيرة ولن نطيل عليكم بها.

**
ثالثا: أوباما ينسحب من منصة اليمن ويخلي الجو لإيران
**

في ٢٠١٢، الرئيس أوباما، غير إتجاه أمريكا وانسحب ليس من اليمن فقط ولكن من كل الشرق الأوسط وأوروبا وقرر أن اهتمام أمريكا يجب أن يتحول إلى آسيا حيث التجارة والاقتصاد وتهديدات الطموح والنجاح الصيني Asia Pivot.

سحب أوباما السفير الأمريكي جيرالد فيريشتاين بعد ثلاثة أشهر من تمديد مدته الغير عادي وفي نفس الأيام التي أطلق تحويل محور الارتكاز نحو الصين وآسيا، وخلق أوباما بذلك فراغ قوة في صنعاء.

الذي احتل فراغ القوة السياسي في صنعاء، كانت القوتان البارزتان في صنعاء: قوات الرئيس صالح وقوات عبدالملك الحوثي.
قوات الفريق علي محسن وقوات الإصلاح، تبخرت وفضلت “عدم الإنجرار” إلى مصيدة بين فكي قوات الرئيس صالح وميليشيات عبدالملك الحوثي.

التفاصيل كثيرة ولن نطيل عليكم.

**
رابعا: إيران تحرث اليمن وترقص على منصة صنعاء
**

الحقيقة هي أن إيران كانت موجودة لمدة أكثر من ١٠ سنوات تحرث الأرض اليمنية بهدوء بزيارات السفير الإيراني المنتظمة للحوثيين في معقلهم في صعدة بالفستق والتفاح والمستشفى وتدريب المقاتلين الحوثيين في معسكرات حزب الله في لبنان وساحات قتال النظام السوري وفي بعثات الحوثيين للدراسة الشيعية في قُم ودراسات التنظيم والإدارة والقيادة والسياسة في طهران.

ولكن بعد انقلاب الحوثي والرئيس صالح في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ ، تدفقت الطائرات الإيرانية بالخبراء السياسيين والعسكريين وبأشياء لا نعلمها من طهران إلى صنعاء وصار الرقص الإيراني على منصة مسرح صنعاء صاخبا.

التفاصيل كثيرة ولن نطيل عليكم.

**
خامسا: السعودية تعود عسكريا بعاصفة الحزم وسياسيا بالشرعية
**

الحوثيون، أعداء مؤكدون للسعودية.
الإيرانيون، أعداء مؤكدون للسعودية وقد سيطروا عسكريا على كل البلدان الواقعة على حدودها الشمالية.
الحوثيون والإيرانيون، سيطروا على اليمن ويتواجدون على حدودها الجنوبية.
الحوثيون، لا يمكن أبدا أبدا أبدا أن يقبلوا مفهوم الشرعية اليمنية ومبدأ المساواة بين اليمنيين أو الابتعاد عن الإيرانيين.

هذا كله فوق طاقة تحمل المملكة السعودية فعادت إلى المسرح اليمني الذي اعتلته إيران بقصف جوي عظيم وتدخل سياسي كبير ونفقات تمويل لترسيخ مفهوم الشرعية اليمنية في ٢٦ مارس ٢٠١٥ أي بعد ستة أشهر من انقلاب الحوثي/صالح ومن التواجد العلني السافر لحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.

ثلاث حقائق مهمة في هذه الفترة:
*
١- السعودية، أعلنت هذه الحرب من سفارتها في واشنطن التي كانت تحت إدارة الرئيس أوباما ونائب الرئيس چو بايدن.

يعني الرئيس أوباما ونائبه بايدن وأمريكا مشتركون في عاصفة الحزم وأيدوا السعودية والشرعية في حرب اليمن.

٢- السعودية، لا تتحمل تواجد الحوثيين وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني على حدودها.

يعني إذا استمر تواجد ميليشيات حوثية مسلحة وإيران، فهي هزيمة نكراء للسعودية.

٣- السعودية، هي التي خلقت الشرعية اليمنية ورئاساتها المتعاقبة معنويا وسياسيا وماديا منذ ٢٠١٥ وحتى الآن.

يعني إذا اختفى مفهوم الشرعية والمساواة والمرجعيات، فهي هزيمة نكراء للسعودية.

**
سادسا: إيران تتصدى للسعودية داخل اليمن وتضرب منشآت آرامكو داخل المملكة
**

إيران، معها مشروع متكامل لكل دول وكل شعوب منطقة المشرق العربي بما فيها اليمن والسعودية.

لم يكن من الممكن أن تسمح إيران للمملكة السعودية بأن توقف مخططاتها للاستيلاء على اليمن بعاصفة الحزم أو عاصفة الأمل أو بتخليق ودعم الشرعية اليمنية التي لن يقبلها أبدا الحوثيون.

وهذا ما حدث وأوصل إيران لأن تكون بطل المسرحية الحالية على منصة اليمن:

١- أخطاء كبيرة كثيرة وقع فيها التحالف في حرب اليمن.

٢- أخطاء كبيرة وكثيرة وقعت فيها رئاسة ومكونات الشرعية.

٣- مهارات الحوثيين في ترويع وترويض عصبيات اليمن الشمالية الثلاث: الهاشمية الشمالية- القبلية الشمالية- المناطقية الشمالية ومهارات الحوثيين في ترويض وإخضاع مناطق الوسط حيث يعيش أغلبية سكان اليمن في الحديدة وإب وتعز.

٤- قدرات وخبرات حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني في دعم ميليشيا الحوثي بطريقة مؤثرة أفضل من الدعم والخبرات العسكرية المقدمة من التحالف.

٥- ضرب العمق السعودي بالصواريخ والمسيرات الحوثية والإيرانية بصورة منتظمة كان أبرزها على الإطلاق ضربتين:

أ- ضربة منشآت آرامكو في البقيق وخريص في ١٤ سبتمبر ٢٠١٩، وكانت الصدمة الصاعقة للمملكة ليست الضربة الإيرانية فقط ولكن رد فعل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الذي يقول بأنه صديق النظام السعودي والمملكة السعودية الذي قال لهم حرفيا:
“لماذا لا تردوا على الإيرانيين وتضربونهم مثلما ضربوكم!”
صدمة الصديق كانت أشد إيلاما من ضربة العدو.

ب- صهاريج النفط في جدة والدخان الذي ملأ سماءها في ٢٥ مارس ٢٠٢٢ أثناء ما كانت المملكة تتودد للحوثيين والإيرانيين وتطلب منهم المشاركة في مؤتمر الرياض المخصص لتغيير الشرعية في اليمن وإدراج الميليشيات الحوثية في نظام الحكم مثلهم مثل لوردات الحرب الآخرين وإعطائهم مقعدين في مجلس رئاسي يمني بحسب اجتهادات مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن والمبعوث الأمريكي تيم ليدركنج.

وهذه صدمة أخرى أن يضربك من تتودد إليهم.

٦- السعودية، مازالت تكره الحوثيين والإيرانيين ولا تريدهم ولكنها فقدت الشهية والرغبة والعزيمة والنية لمواجهتهم عسكريا داخل اليمن.

التفاصيل كثيرة ولن نطيل عليكم.

**
سابعا: بايدن يؤهل الحوثي ويسنده ضد الشرعية والسعودية
**

١- بايدن، كتب قبل يومين بأنه ورث حرب اليمن من الرئيس ترامب، وهذا غير صحيح.
ترامب، ورث حرب اليمن من بايدن ورئيسه أوباما.

٢- بايدن، يتفاخر بأن اليمن تتمتع بالسلام بسبب الهدنة منذ شهرين بفضله وبجهده، وهذا غير صحيح.
الهدنه سارية المفعول لأن أمريكا تضغط على السعودية وعلى الشرعية وتراضي وتمالئ الحوثيين بإدخال النفط الإيراني المجاني.

٣- بايدن، يعتمد الطرح الحوثي والإيراني بأن سبب مأساة اليمن هو الحصار السعودي لميناء الحديدة، وهذا غير صحيح.
كل التموينات والبضائع يمكنها أن تدخل ميناء الحديدة ما عدا شحنات النفط الإيراني المجاني.
والآن الرئيس بايدن، يراضي الحوثيين ويساعدهم ماديا بإدخال المساعدات الإيرانية والنفط الإيراني المجاني بمئات الملايين من الدولارات.

٤- بايدن، يقول بأنه يساند حرية التعبير وحقوق الإنسان والديموقراطية في اليمن، بينما يقدم الدعم والمساعدة والمراضاة لأكبر عنصري طائفي مذهبي مناطقي ديكتاتوري فاشستي ليس في اليمن فقط ولكن في كل العالم وهو عبدالملك الحوثي وأتباعه الحوثيين.

٥- بايدن يقول بأنه يريد السلام والاستقرار لليمن، وهذا غير صحيح.

كل المسؤولين والمحللين وراسمي السياسات وصانعي القرارات الأمريكيين، يكتبون بالتفصيل أن خطوات أمريكا ستؤدي لتجميد الوضع الحالي بموجب الوقائع على الأرض وهذا يعني بقاء لوردات الحرب وميليشياتهم وإغرائهم بالهدوء مقابل مصالح وغنائم تقدم لهم وتهدئة السكان بمساعدات وإغاثات ليقبلوا بشرذمة بلادهم والظلم والظلام الذي يقع عليهم من لوردات الحرب سواء كانوا الحوثيين أو الآخرين في مناطق الشرعية.

ولكن هذا ليس سلاما يا سيادة الرئيس چو بايدن.

**
ثامنا: من أين ستأتي الركلة القادمة لليمن
**

١- الوضع الآن يبدو وكأن السعودية قد تركت مسرح اليمن لأمريكا ولسان حالها يقول:
“وريني شطارتك يا بايدن في اليمن”.

٢- لكن كل مفاهيم بايدن عن اليمن مغلوطة بسبب البلاهة، أو أنه يغالط عمدا لأهداف تخصه، أو أنه يتخبط ويتنقل من فكرة لفكرة مثل القرد الذي يصطاد الجراد يمسك بواحدة سمينة ثم يرميها لما يعتقد بأنه جرادة أسمن وألمع.

وأنا على يقين بأن بايدن يتخبط وسيفشل وسيتسبب بالضرر والأذى لليمن.

يقول بايدن بأن الهدنة الحالية هشة بينما هي هدنته هو شخصيا وهو الذي فبركها.

وكذلك السلام الذي يريد أن يفبركه الآن، هو هش أيضا.

**
ثامنا: هذا هو السلام في اليمن
**

١- السلام تحت ظل احتكار الدولة اليمنية للسلاح والجيش والأمن.
٢- السلام تحت الحكم الرشيد.
٣- المرجعيات والدستور والقانون.

وهذا السلام هو البعيد القريب.

البعيد، إذا استمر تشرذم اليمنيين بسبب عللهم وأمراضهم أو بسبب تدخلات الأجانب.
القريب، إذا توحدت صفوف الشرعية وتلقوا الدعم الخارجي المناسب ضد الحوثيين والإيرانيين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى