هل يكفي الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

أ د / دحان النجار

منذ العام ١٩٤٧ وصدور القرار رقم ١٨١ الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة القاضي بتقسيم الارض بين اليهود والعرب وتلته عدة مبادرات من اجل تقسيم فلسطين وقيام دولتين على ارضها التاريخية وتحقق قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨م ولم تقم الدولة الفلسطينية حتى اليوم.

قبل العرب بقرار الامم المتحدة رقم ٢٤٢ للعام ١٩٦٧ ولم تقبل به اسرائيل وحلفائها الدوليين الكبار .
توالت المبادرات الدولية الشكلية لحل الدولتين وأُجبر العرب ومعهم الفلسطينيين بالاعتراف بالقرار الأممي ٢٤٢ عام ١٩٦٧ الذي قضى بتقليص مساحة الدولة الفلسطينية الى المناطق المتبقية من قطاع غزة والضفة الغربية والتي أحتلتها إسرائيلي بنفس العام اثناء حرب الايام الستة.
العالم يصحو متاخرا لحل القضية الفلسطينية بعد ان تماها مع إسرائيل لعقود من الزمن تمكنت خلالها من احداث خلل ديموغرافي في الضفة الغربية وإقامة سور عازل يمنعان قيام سلطة فلسطينية حقيقية.
الظروف نضجت لتنفيذ الخطة الأممية في المنطقة،سوريا وحزب الله خرجوا من دائرة التوازنات الإقليمية وايران تلقت ضربه مؤلمة والضغط عليها لا زال مستمر ، ومن قبلهم خرج العراق وليبيا والفصائل التي كانت مدعومة منهما وروسيا لم تعد مؤثرة كما كانت قبل سقوط حليفها نظام الاسد وتعاني من مشكلتها مع أوكرانيا.
كان الفلسطينيون يرفضون سيطرت إسرائيل على حدود دولتهم مع الدول المجاورة كحق سيادي لكنهم اليوم يخسرون التواصل مابين مدنهم وقراهم في الضفة والقطاع.
الاعتراف الدولي خطوة دبلوماسية مهمة لكن ان لم ترافقه عقوبات اقتصادية وسياسية وتحديد خارطة طريق مزمنة لانسحاب إسرائيل من الضفة والقطاع سيظل هذا الاعتراف حبيس الأدراج وتستمر إسرائيل في قضم الأراضي الفلسطينية بالضفة والقطاع وزيادة اعداد المستوطنين فيها الذين اصبحوا مليشيات مسلحة يحميها الجيش الاسرائيلي تلتهم الارض وتهدم القرى والمدن بدون رادع. ٨٠٪؜ اعتراف من دول العالم الفاعلة تقريبا بالدولة الفلسطينية خطوة دبلوماسية مهمة لكن الاهم من ذلك ان تتخذ هذه الدول خطوات ملموسة في فرض عقوبات على اسرائيل حتى تجنح للسلام ولحل الدولتين ووضع خطة مزمنة لقيام الدولة الفلسطينية.
اهمية إسرائيل للغرب لم تعد كما كانت مطلقة ولم يعد وجودها في خطر ومع وهن الدول العربية وحلفائها وعدم تشكيلها خطرا استراتيجيا عليها بالإضافة الى قيام بعض الدول العربية بتوطيد علاقاتها مع تل ابيب واستعداد اخرى لذلك وكذلك التغيير في الرأي العام الأوروبي والعالمي ضد الاحتلال الاسرائيلي وأعمال الابادة للمدنيين في قطاع غزة كل هذا ساعد على اعادة صياغة المواقف الترتيبات الاقليمية والدولية.
الدول العربية التي كانت تقف الى جانب الاصطفاف الروسي والصيني والإيراني تقريبا تدمرت او اُضعفت ما عدى الجزائر واليمن ولم تعد تشكل خطرا على النفوذ الأمريكي الغربي ولا على اسرائيل بل هناك حاجة الى تجييش الأنظمة البديلة ذات الطابع الإسلامي للمواجهة مع الصين.
التحول في الموقف الأمريكي من قضية الحرب في غزة وطرح مبادرة قد تكون غير مسبوقة لانها تحقق اهداف نتنياهو من الحرب باستعادة الرهائن ونزع سلاح حماس واخراجها عن الحكم وتعطي السكان الامل بوقفها وعدم الترحيل لكن الادارة بحاجة إلى توضيح موقفها من حل الدولتين الذي كانت تتبناه وترعاه قبل قدوم الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في رئاسته الاولى والحالية.
وعدم الرضاء على فكرة ضم الضفة الغربية التي وردت على لسان الرئيس ترامب بحاجة إلى تطوير وتوضيح أكثر وهي تمثل رسالة تطمين للفلسطينيين والعرب.
التحرك السعودي-الفرنسي وبيان نيويورك حول حل الدولتين اكيد انه لم يتم دون رضا امريكي في دبلوماسية خلف الكواليس ودبلوماسية اعادة ترتيب القوى في منطقة الشرق الاوسط للمواجهة الرئيسية مع الصين.
الخطة التي تتبناها كولومبيا وبدعم من جنوب أفريقيا ودول اخرى من اجل محاصرة اسرائيل ووقف الحرب في غزة إذا ما انظمت اليها دول مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا وغيرها ستكون وسيلة ضغط فعالة على طريق حل الدولتين وفرض السلام “والسلام من خلال القوة” في المنطقة الذي نادى فيه الرئيس ترامب.
أوروبا تواجه وضع محتدم في أوكرانيا وشرقها وبحاجة إلى إعادة ترتيب أوراق اقليمية وعالمية من اجل حشد طاقاتها والتفرغ لذلك الوضع وما يتطلبه من اصطفافات عالمية.
التنسيق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا بشان ايران وحلفائها في المنطقة ياخذ مداه بكل وضوح وقد حقق اهدافه في تغيير ميزان القوى في المنطقة ولازال يوجه ضد ايران بشان برنامجها النووي والصاروخي بتفعيل الية” الزناد” الخاصة بالعقوبات الدولية حتى تسمح للمفتشين بالعودة بحرية الى منشآتها النووية وهو ما يعني اضعاف لدورها في المحور الجديد المنافس عالميا.
وهكذا نعود إلى ما أكدناه في الايام الاولى بعد ٧ اكتوبر بان المنطقة والعالم ما بعده لم يكونا كما كانا قبلة وان هذه شرارة تُضاف الى شرارة أوكرانيا سوف تقود إلى اشتعال فتيل الحرب العالمية الثالثة آجلا أم عاجلا، وقيام دولة فلسطينية سيظل تحت علامة استفهام كبرى متى وكيف وعلى اي حدود واي سيادة وبأي ضمانات ؟ هذا ما ستجيب عليه الايام القادمة.
د.دحان النجار القاهرة ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٥.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى