ما يُمارسه البخيتي، ليست حرية شخصيّة؛ بل سلوكُ عدمي يرقى لدرجة الجريمة الأخلاقية.

الكاتب/ محمد ديوان المياحي
الحديث عن “الله” بسفالة نشاط إرهابي، يتوجّب مقاومته. ليس المجتمع هو من يمارس ترهيبًا بحق البخيتي؛ بل العكس. ومن حق المجتمع حماية نفسه من الشخصيات المتسفِّلة، تلك التي تنتهك المقدس وتؤذي الناس في أكثر مناطقهم النفسية حرمة وحساسية.
إن الله ليس موضوعًا عاديًا، يمكن اللهو به، دونما قيد ولا شرط. “بل أنبل فكرة في أفق العقل البشري. نعم، الله ليس ملكًا لأحد، لكنه رمز لكل ما هو أوليّ، مطلق وفوقي، وبعيد المنال.” تعبير أقصى لكل ما هو جليل ومتسامي في حياة أي شعب. إنه ملك للضمير الكوني، والحد اللامتناهي للأشياء. وأيّ مساس به، هو سلوك مريض. لا يحترم ذاته ولا الأخر. والفرد ليس وجودا منكمشًا على ذاته، فالأخر جزء أصيل من تكوينه.
من حق البخيتي الهذيان بأي طريقة يجيدها، شريطة أن يعيش في الغابة وينقطع بشكل تام عن أي مجتمع حوله. أما أن يتمسّك برغبته في العيش في المجتمع، فليس من حقه العبث كما يريد، دون الخضوع للمحاسبة المدنية. البخيتي لا يؤذي الله بحديثه المنفلت؛ لكنه يهدد أسس التعايش ويتسبب بإهانة الضمير العام للمجتمع.
لم يعد بمقدور أحد أن يدّعي لنفسه حرية شاملة وجذرية، وكأنّه يعيش منفردا في الكوكب. هو هكذا يعود بالمجتمع نحو الطور البدائي من الحياة، يُمارس تنويرًا قرويًا أشد خطرًا من الضلالة الكنسية المعطِّلة للعقل. هذا السلوك يمثل تخريبًا لفكرة الحرية ذاتها وخطرًا عليها. ويجدر بكل عقل يحترم نفسه، بالملحدين قبل المؤمنين أن يتصدوا لهذه الطريقة العبثية في التفكير والرغبة المنحلة في استباحة كل شيء.
يتحدّث فلاسفة كثيرون، عن الورطة التي تسبب بها العقل الغربي لكينونة الإنسان الحديث، حين نفى الله من الوجود العام. لقد بالغ الإنسان هناك وأخذه جموحه العقلي، للزعم بمقدرته على وعي الوجود، دونما حاجة ملحة لإقرار البعد الغيبي. يقول كارل يونغ. إنها خطيئة سيكولوجية فادحة. فالقطيعة مع البعد المجهول، وتبخيس قيمة المقدس. فكرة مؤذية وتزعزع الأساس الروحي للبشر. حتى في الغرب نفسه وقد بلغوا درجة عليا من السيطرة الواقعية على وجودهم. يظل إزاحة الله من الحضور الحيّ في ثقافة المجتمع؛ مفتاح للهاوية. فيما يرغب البخيتي بتهديد الأمان النفسي لأهله الذين لا يجدون حبة دواء لمكافحة صداع يصاب به عجوز في القرية. يشتم الله ويمضي مغفلا، غير مكترث بخطورة ما يتفوّه به.
نحن لسنا أمام شخص حائر، يمارس حريته الطبيعية في التفكير ويهدف للوصول إلى الحقيقة. بل وعي متفسخ ومنفلت من قواعد العقل والمنطق، وربما الأخلاق. ويصعب خوض أي جدل مرتب مع شخص كهذا، بلا أيّ معيار ولا مرجعية تواضع عليها البشر. وما من طريقة لمحاصرته، سوى استخدام الحق الطبيعي للمجتمع في نبذه وتجريده من امتيازات الحياة الطبيعية.
الحديث عن الله هنا ليس موضوعًا دينيًا فحسب، بل كفكرة مهيمنة تتخلل كافة مناحي الوجود، يصعب فصلها بسهولة ومطالبة المجتمع بالتسامح إزاء انتهاكها. وعليه فتناوله بشكل هزلي، يطرح مشكلة سياسية ومدنية خطرة. إنه يتعمد إلحاق الضرر بالسلم العام، ويمارس حرية غير مشروطة. وهو بذلك يقدم نموذجًا بدائيًا للحرية على الضد من فكرة الدولة والدستور وبشكل يهدر كل مكاسب البشرية في طريقها لتنظيم الحياة العامة.
على أن سكنه في بريطانيا، لا يلغي مسألة انتماءه لمنطقة يمنية. فهو حين يتحدث عن الله، يخاطب البيئة التي نشأ فيها، ويحدث اضطرابًا نفسيًّا في المجتمع اليمني. أعلم أنه أضعف من أن يخلخل عقائد الناس، فالرجل محدود جدا في وعيه بالقضايا التي يتحدث عنها. وعاجز عن تفكيك أبسط تعقيدات الوعي العام؛ لكنه يُثير تشويشًا لدى العوام، إرباكًا نفسيًا يتوجب حمايتهم منه.
أخيرًا: من الذي منح “البخيتي” اسمه، من الذي جعله كائنًا مرئيًا ذو كيان وشخصية. إنهم الناس الذين عاشرهم الرجل ونشأ فيهم وتبادل معهم الكلام. وبدون وجودهم كان الرجل سيكون حي وانًا في الفلاة، ولا يعي نفسه. لقد اكتسب تعريفه لنفسه من الأخرين، وعليه أن يتقبل الحد الأساسي من مبادئ الحياة معهم أو يعلن قبوله للقطيعة الشاملة مع المجتمع.
كان البخيتي يسترزق من مصائر الناس، يوالي جهات سياسية ويمارس تضليلًا على جرائم الأطراف. فقد الممول، فذهب يشتم الله ويهذي أمام العوام. حتى أنك لا تكاد تجد عقلًا محترمـا، يجد الحماسة لخوض جدالًا مشرفًا مع الرجل. إنه تائه، ويشعر بالضياع. يتساءل: من أنا، لماذا أجد نفسي هنا، وما الذي يتوجب عليّ فعله..؟ ولا يجد جوابًا يُطمئنه. ليس بحوزته سوى ما يردده العوام من تعبيرات سوقية، شتائمهم ضدّ بعضهم. حيلة ينفِّسون بها ضجرهم . فيلجأ إليها ليشتم الله. ويعتقد أنه بذلك يُحقق تفوقًا عقليًا على الأخرين. يُقال إن الإنسان يلجأ للألفاظ النابية كلما كانت ذاكرته التعبيرية فقيرة. تلك الحيلة البائسة تُفسر حالة الرجل. لم يحرز البخيتي أيّ مجد أخلاقي، وها هو يغدو عارا حتى على الإلحاد والملحدين أنفسهم، وسينتهي به الحال مكتئبًا أو فاقدا لوعيه، عدوا للجميع بما في ذلك نفسه.
يلعن أبوها مهرة.
الكاتب/محمد دبوان المياحي – صفحة منتدى الجالية اليمتية – ديترويت وهمترامك