الحوثيون والمراكز الصيفية: أدوات لتفخيخ الطفولة وتجنيد الأجيال

/هيثم جسار

 

✍️ هيثم جسار

في مشهدٍ يبعث على القلق، يواصل الحوثيون في اليمن دفع آلاف الأطفال إلى مراكزهم الصيفية، في عملية منظمة تستهدف ليس فقط تغييب البراءة، بل أيضاً إعداد جيل جديد مسلحٍ بعقيدة الموت والكراهية. هذه المراكز التي تُفتتح سنويًا تحت شعارات دينية ظاهرية، تخفي وراءها مشروعًا عسكريًا وثقافيًا خطيرًا، يحمل أبعادًا سياسية وأمنية تمتد إلى ما وراء حدود اليمن.

أبعاد التجنيد الإجباري

تتحول المراكز الصيفية الحوثية إلى معسكرات تدريبية مبكرة، حيث يُخضع الأطفال لدروس مكثفة في السلاح، والتعبئة الفكرية المستندة إلى “الملازم” الخاصة بجماعة الحوثي. في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه الصيف موسماً للترفيه والتعلم الآمن، يجد الأطفال أنفسهم أسرى غرف مغلقة يُلقنون فيها أفكار التطرف والطائفية، ويُدفعون إلى تدريبات عسكرية تجهزهم ليكونوا وقودًا لحروب الجماعة العبثية.

دوافع الحوثيين من وراء هذه السياسة

تعتمد الجماعة الحوثية على تجنيد الأطفال لتعويض خسائرها البشرية المتزايدة في جبهات القتال، خصوصًا مع تقلص الحاضنة الشعبية لها وتنامي الرفض المجتمعي لممارساتها. كما أن زرع الأفكار الطائفية في عقول الأجيال الصغيرة يهدف إلى بناء قاعدة شعبية مستقبلية تدين بالولاء المطلق للجماعة، ما يؤسس لاستمرارية مشروعها السلالي القائم على مبدأ “الحق الإلهي بالحكم”.

الأحداث على الأرض: أرقام ودلالات

تقارير حقوقية عديدة، من بينها تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات يمنية محلية، أكدت توثيق آلاف حالات تجنيد الأطفال على يد الحوثيين. وتشير الإحصاءات إلى أن المئات منهم لقوا حتفهم أثناء مشاركتهم القسرية في المعارك. ومن المثير للانتباه أن كثيراً من هؤلاء الأطفال تم تجنيدهم عبر المراكز الصيفية، التي باتت تُصنَّف دولياً كبيئات خصبة لتجنيد الأطفال ونشر خطاب الكراهية.

الارتباطات الخارجية: الدور الإيراني

لا يمكن فصل مشروع المراكز الصيفية الحوثية عن المشروع الإيراني في المنطقة. إذ تعتمد طهران على وكلائها المحليين، ومنهم الحوثيون، في تنفيذ استراتيجية نشر الفكر الطائفي وزعزعة استقرار الدول العربية. الدعم الإيراني يظهر بوضوح في المناهج والمواد التي تُدرّس للأطفال في هذه المراكز، وهي مقتبسة إلى حد بعيد من أدبيات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. هذه الارتباطات الخارجية تعزز من خطورة ما يجري، وتؤكد أن استهداف الطفولة اليمنية هو جزء من صراع إقليمي أوسع.

نحو كارثة مستقبلية

المراكز الصيفية الحوثية لا تهدد فقط حاضر اليمن، بل تقود إلى كارثة مستقبلية، حيث يُعدّ جيش كامل من الأطفال المعبئين بالأفكار المتطرفة لخوض معارك مستمرة، مما يعني إطالة أمد الصراع، وتعميق الانقسامات الاجتماعية، وتجريف النسيج الوطني لليمن لعقود قادمة.

 

إن صمت المجتمع الدولي إزاء ما يحدث في المراكز الصيفية الحوثية يعد بمثابة ضوء أخضر لاستمرار هذه الجريمة. ومن هنا، فإن حماية الأطفال اليمنيين من الوقوع ضحايا لمشاريع الموت والتطرف يجب أن تكون أولوية عاجلة لكل من يهتم بالسلام الإقليمي والإنساني. فاليمن لا يحتاج إلى المزيد من البنادق، بل يحتاج إلى مدارس وملاعب وحدائق، تعيد للطفولة اليمنية براءتها التي اغتالتها آلة الحرب الحوثية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى