الحرب الروسية الاوكرانية- مؤشراتها في تصاعد وبصيص أمل يتشكل

 

أ د / دحان النجار

كما أشير في مقال سابق ان الحسابات الاستراتيجية تتغلب على العواطف في العلاقات الدولية وإن كان للعواطف والعلاقات الشخصية بين زعماء الدول والقادة تاثيراً ملحوظا وهاما احيانا.

عندما يتعلق الأمر بعدم الثقة بين الأطراف الفاعلة في اي نزاعا دوليا وبالذات بين دول من الوزن الثقيل لها طموحاتها ومصالحها فإن اي تحركات عاطفية او متهورة تصطدم بالواقع العميق لها وتعود الأوضاع إلى مربع المصالح الاستراتيجية لان التفريط بها يعني اضعاف إختياري وخدمة مجانية للخصوم والمنافسين على حدا سواء.
وعلاقة الرئيسين ترامب وبوتين لن تخرج عن هذا السياق حتى وان كانت المجاملات احيانا تبدو بانها السائدة، الرئيس بوتين لم يستطيع التخلي عن هدفه في استكمال السيطرة على اقليم الدونباس قبل الدخول في مفاوضات جدية مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب حول وقف إطلاق النار في أوكرانيا وقبل ان يتلقى إشارات ايجابية من الدول الأوروربية حول قبولها بما يقترحه الرئيس ترامب وهي الدول التي قاومت بشدة هرولته للسلام مع بوتين وارسلت الوفود لاقناعه بعدم التسرع وساندة الرئيس الاوكراني زيلينسكي في صموده امام المقترحات والضغط الأمريكي عليه من اجل القبول بالامر الواقع على الارض وتوقيع اتفاق سلام مع روسيا على اساس الحدود الجديدة التي رسمتها الحرب.
الرئيس الأمريكي ترامب مدفوعا باجهزة الدولة العميقة ومن اجل الحفاظ على التحالفات والتوازنات الدولية وتفوق بلاده في قيادة العالم خضع لبعض اراء حلفائه الأوروبيون القاضية بتشديد الضغط على الرئيس بوتين وعدم تركه ينفذ من ورطة أوكرانيا منتصرا مشكلا تهديدا استراتيجيا لاوروبا اولا والعالم ثانيا كما يدعون.
الرئيس ترامب مهما كان اعجابه الشخصي بالرئيس الروسي بوتين وأمله في ان يصبح بطل وقف الحرب في أوكرانيا التي خلفها له الديمقراطيون حسب راية لا يستطيع المضي قدما بحسن نية نحو وقفها لانه يقود دولة عظمى ومبدأه تحقيق السلام من خلال القوة اتجه إلى الضغط على نظيرة الروسي من خلال دعوته للدول الأوروبية للتخلي عن النفط والغاز الروسيين وتشديد العقوبات على روسيا وصولا إلى امداد أوكرانيا باسلحة نوعية كان آخرها صواريخ توماهوك الفعالة والدقيقة والتي يبلغ مداها ١٦٠٠ كم والتي تهدد العمق الروسي.
أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة بدأت تركز على ضرب المرتكزات الاقتصادية الروسية في العمق الروسي وبالذات مناطق انتاج النفط والغاز في سيبيريا البعيدة المرتكز الرئيسي للاقتصاد الروسي في البلاد وبالذات في غرب سيبيريا حيث وصلت الضربات الى المجمع النفطي في مدينة “تيومن عاصمة النفط والغاز الروسية” او عاصمة الصناعات النفطية والغازية الروسية ، وتيومين تقع غرب سيبيريا وتبعد عن الحدود الاوكرانية حوالي الفي كيلو متر ( ٢٠٠٠كم) وتتركز فيها صناعات ضخمة تتعلق باستخراج ومعالجة المنتجات البترولية وفيها جامعات متخصصة في تدريب الكوادر في القطاع النفطي ،وغرب سيبيريا هي منطقة الإنتاج الرئيسية للنفط الخام والمكثفات في روسيا ،وبالتأكيد ان بنك الاهداف لدي اوكرانيا يتوسع ووسائل الوصول اليه تتطور يوما عن يوم إما بالحصول على الأسلحة النوعية من أمريكا وأوروبا او بتطوير إنتاجها محليا وهو ما يبدو واضحا للعيان منذ استعادتها انفاسها بعد صدمة الحرب الاولى وبدأت بدعم من حلفائها تطوير انتاج الأسلحة والذخائر محليا.
رسائل الضغط النفسية الروسية على أوروبا من خلال ارسال المسيرات والتلويح بالسلاح الاستراتيجي يهدف إلى اقلاق أوروبا وتخفيف دعمها لأوكرانيا الغير محدود والذي قاد الى صمودها امام الزحف الروسي بالرغم من الضغط الذي وجهه الرئيس ترامب في البداية على القيادة الاوكرانية من اجل وقف الحرب والقبول بالأمر الواقع الجديد الذي تشكل.
وبالرغم من الضغط الأمريكي على روسيا المتمثل في تصدير السلاح الدقيق والفتاك الى أوكرانيا بعد مماطلة الرئيس بوتين في التجاوب مع مقترحاته الرئيس ترامب لازال يامل بان يكون هو بطل وقف هذه الحرب المدمرة والتي تجاوزت عامها الثالث ومثله يأمل الرئيس بوتين بايجاد مخرج منها بعد ان اصبح الداخل الروسي معرض للصواريخ والمسيرات الاوكرانية والحرب اصبحت استنزافية بلا افق لأحسم العسكري وقد ربما تحصل اختراقات اشبه او أشد من اختراقات العملية العنكبوتية التي تم تنفيذها بالعمق الاستراتيجي الروسي وتم تدمير بعض مكونات القوة الجوية الروسية الاستراتيجية الهجومية وهو ما شكل علامة ضعف واضحة كسرت هيبة الدولة والاستخبارات الروسية.
اكيد ان قنوات التواصل ضلت مفتوحة بين الرئيسين ترامب وبوتين والدبلوماسية الخفية لم تنقطع بحثا عن مخرج من حالة الانسداد الظاهري التي وصلت اليها علاقة البلدين بعد قمة ألاسكا وها هما يستعدان لعقد قمة جديده في العاصمة المجرية بودابست في الايام القادمة من اجل التوصل إلى حل للازمة الاوكرانية.
الرئيس ترامب لم يتنازل عن سياسته الحازمة في “تحقيق السلام من خلال القوة ” والرئيس الروسي بوتين يدرك بان الأمر يصبح اكثر تعقيدا كلما طال امد الحرب وان أوكرانيا سوف تتلقى اسلحة نوعية بعيدة المدى ودقيقة قادرة على الحاق اذاً كبيراً ببلاده ومن اجل ذلك لابد للطرفان من التوصل إلى تفاهمات تقود إلى وقف هذه الحرب.
هناك بعض المؤشرات التي تدل على ان الادارة الأمريكية الى جانب ضغطها على روسيا بتقديم السلاح النوعي بعيد المدى إلى أوكرانيا والدعوة إلى تشديد العقوبات عليهافانها تقدم الجزرة إلى روسيا من خلال النافذة السورية، حيث اكدت بعض المصادر ان الولايات المتحدة أعطت تطمينات لبوتين باستمرار عمل قواعده العسكرية في سوريا وهي قاعدتي ” حميميم “و”طرطوس” مقابل قبوله بوقف الحرب في أوكرانيا وهذا ما تجلى في زيارة الرئيس السوري احمد الشرع الى موسكو والتي لا يمكن ان تحدث لولا الضوء الاخضر الأمريكي المتحكم الأكبر بالمشهد السوري.
وللتذكير بان الملفين السوري والأوكراني مترابطان منذ بداية الأزمة في البلدين وحولهما حيث ان الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين والإقليميين في السابق حاولوا مد خطوط انابيب الغاز القطري عبر سوريا إلى أوروبا وخنق روسيا من مورد مالي كبير كونها المصدر الاول للغاز والنفط عبر الأنابيب إلى أوروبا الامر الذي دفع بروسيا إلى التدخل العسكري ضد الثورة السورية المدعومة اوروبيا وأمريكا ومن بعض الدول العربية ، هذا التدخل الروسي في سوريا قاد إلى فتح جبهة مؤلمة في خاصرتها في أوكرانيا منذ العام ٢٠١٤م فمن سوريا بدأت الأزمة بين البلدين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وقد تنتهي بينهم هناك.
العامل السوري هو أحد العوامل الأخرى التي قد تقود الى وقف الحرب وليس هو الوحيد فإلى جانبه ياتي الموقف الأوروبي الحازم تجاه روسيا وصمود أوكرانيا لأكثر من ثلاث سنوات وحصولها على أنواع اسلحة متطورة ومعلومات استخباراتية دقيقة تمكنها من الحاق الاذى بروسيا ، ايضا قلق كل الأطراف من تعقد المشهد الذي قد يقود إلى تفجير الوضع بشكل اشمل بما يضر بالجميع، واما الاقتصاد فالكل يعاني إما بسبب العقوبات او الاستنزاف المستمر للاقتصاديات الوطنية على حساب معيشة الشعوب ورفاهيتها.
من المتوقع ان تكون قمة بودابست محطة مهمة على طريق وقف الحرب الروسية الاوكرانية وربما نتفاجأ باجراءات تشبه ما حصل في غزة يرغب فيها الرئيس ترامب
لكن الصراع الدولي حول تعدد القطبية لن يتوقف لان مصالح الدول الاستراتيجية هي المحرك الرئيسي للاحداث العالمية سلما او حربا.
د/دحان النجار القاهرة ١٧ اكتوبر ٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى