احتجاز الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة

نيويورك – هيثم جسار – الأمم المتحدة
أولًا: خلفيات التصعيد
يأتي احتجاز الحوثيين لـ 19 موظفًا أمميًا في صنعاء والحديدة بعد أيام فقط من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات الصف الأول للجماعة، بينهم رئيس وزرائهم أحمد الراعي. هذا التزامن يكشف أن الخطوة الحوثية ليست معزولة، بل رسالة سياسية موجهة للخارج أكثر من كونها إجراءً أمنيًا داخليًا. الحوثيون أرادوا أن يقولوا للعالم: “نحن طرف لا يمكن تجاوزه، والرد على استهدافنا سيكون في كل الساحات، حتى الإنسانية منها”.
ثانيًا: ورقة ضغط أم مقامرة سياسية؟
من الواضح أن الحوثيين يستخدمون موظفي الأمم المتحدة كورقة تفاوضية للضغط على المجتمع الدولي، سواء لإيقاف الضربات الإسرائيلية، أو لتخفيف أي مساعٍ أممية لتشديد الخناق عليهم. لكن هذه الورقة محفوفة بالمخاطر؛ فاستهداف المنظمات الدولية عادةً ما يقود إلى عزلة سياسية أكبر، ويعطي المبرر لأي تحرك عسكري أو عقوبات إضافية ضدهم.
ثالثًا: انعكاسات إنسانية خطيرة
القرار الحوثي يضرب في الصميم آخر ما تبقى من خطوط المساعدات الإنسانية لليمنيين. الأمم المتحدة كانت تمثل الجسر الوحيد لإيصال الغذاء والدواء لملايين الجوعى والمرضى، واحتجاز كوادرها يعني إدخال الأزمة في مرحلة “الاختناق الكامل”. وهذا ما يعزز من السخط الشعبي داخل مناطق سيطرة الحوثي، حيث تتزايد النقمة من سياسات الجماعة التي تعطي الأولوية للصراع السياسي والعسكري على حساب حياة الناس.
رابعًا: الرسائل الإقليمية والدولية
• إلى إسرائيل: الحوثيون يريدون القول إن استهداف قياداتهم لن يمر دون كلفة، حتى لو جاءت هذه الكلفة عبر تعطيل عمل الأمم المتحدة.
• إلى الأمم المتحدة: الجماعة تسعى لإجبار المنظمة الدولية على لعب دور “الوسيط المحايد” بدلًا من الانحياز لخطاب الإدانة فقط.
• إلى الداخل اليمني: أراد الحوثيون إظهار أن لديهم القدرة على تحدي المجتمع الدولي برمته، وأنهم لا يخشون أي عقوبة أو عزلة.
خامسًا: التقدير المستقبلي
من المرجح أن يفاقم هذا التصعيد عزلة الحوثيين دوليًا، وقد يفتح الباب أمام عقوبات أممية جديدة، أو حتى تفاهمات إقليمية لتعزيز ضرباتهم العسكرية. لكن في الوقت نفسه، قد يحقق لهم مكاسب مؤقتة إذا ما لجأت الأمم المتحدة للتفاوض معهم بغرض الإفراج عن موظفيها.
احتجاز موظفي الأمم المتحدة ليس مجرد خطوة أمنية عابرة، بل مقامرة سياسية قد تكلف الحوثيين الكثير. فهي تكشف هشاشة وضعهم بعد الضربات الأخيرة، وتعكس سعيهم للرد عبر أدوات “الابتزاز الإنساني”. لكن هذه الورقة، وإن منحتهم نفوذًا لحظيًا، فهي تهدد بإسقاط ما تبقى من صورة “الشرعية الدولية” لوجودهم، وتضعهم في خانة الجماعات التي تتعامل مع العمل الإنساني كرهينة للحرب.