أمريكا تؤجل صراعها مع إيران وتجمد صراع اليمن والحوثي يتبختر في البحر الأحمر

✍️ عبد القادر الجنيد
٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
السؤال الذي يشغل اليمنيين هذه الأيام، هو هل ستضرب أمريكا الحوثيين داخل اليمن أم ستكتفي بإسقاط طائراتهم المسيرة وصواريخهم فوق البحر الأحمر؟
وفي الحقيقة فإن هذا السؤال هو على رأس قائمة وزارة الدفاع الأمريكية وكل نشرات الأخبار
سنبدأ بالوقائع والأعمال.
ثم سنطرح أسئلة محيرة هامة.
ثم سنحاول فهم دوافع وأغراض المتسببين بالوقائع والأعمال.
ثم سنختم الموضوع عن حالنا وحال اليمن
**
أولا: الحقائق المؤكدة
**
١- يوم أمس، أسقطت البوارج الغربية ١٤ طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون فوق البحر الأحمر.
بوارج بريطانيا وفرنسا وأمريكا، مستنفرة لإسقاط المسيرات والصواريخ الحوثية التي تنطلق من داخل اليمن نحو اسرائيل أو لمنع السفن التي لها علاقة بها من المرور في البحر الأحمر مساندة للفلسطينيين في حرب غزة.
الأدلة على وجود أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة والصواريخ مع الحوثيين، واضحة
٢- الصواريخ والمسيرات التي يطلقها الحوثيون من داخل اليمن، هي إيرانية التكنولوجيا والصناعة.
٣- أمريكا، منغمسة- الآن- مباشرة وعلنا بالسلاح والمال والتجسس في مساندة اسرائيل في حربها في غزة.
سمعة اسرائيل في العالم متدهورة بسبب قتلها لعشرين ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين.
وتخسر أمريكا الكثير من السمعة والإحترام والمكانة في المنطقة وفي كل أنحاء العالم.
وأمريكا، مصممة على منع “توسيع” الحرب بحيث لا تشمل حزب الله في لبنان ولا حشد وكتائب الشيعة في العراق ولا الحوثيين في اليمن ولا الحرس الثوري في إيران.
ويبدو أنه قد تعثرت جهود وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين، لإنشاء تحالف عسكري بحري يشمل السعودية ومصر، لمواجهة الحوثيين.
غزة والبحر الأحمر
*
اسرائيل، تمارس البشاعة ضد الفلسطينيين مثل الوحش الأعمى المجروح الذي يدمر ويقتل في كل إتجاه.
وقد وضعت اسرائيل لنفسها هدفا فوق طاقتها وقدرتها وهو القضاء على حركة حماس.
حركة حماس، استبسلت وقدمت ابتكارات مذهلة في حربها مع اسرائيل.
بقاء أي حركة مقاومة أمام عدو سفاح يرتكب أبشع المجازر، هو انتصار.
وسيتبختر الحوثي بأنه شريك في المعركة المقدسة وأنه شريك في صناعة الانتصار.
وسيحصد الحوثي من كل هذا تشديد قبضته ومخالبه على اليمن وعلى اليمنيين.
٤- في يوم ٢٧ نوفمبر الماضي، حلقت طائرة مسيرة إيرانية للتجسس فوق حاملة الطائرات الأمريكية ايزنهاور في الخليج، وبلع الأمريكيون هذه الإهانة والتحرش- على غير المعتاد- بدون أي رد.
هي إهانة لأمريكا بكل تأكيد ولكن الرئيس بايدن قرر بأن الأمر لم يكن مهينا إلى درجة تستدعي التصعيد.
ضبط النفس الأمريكي هذا مع بلع الإهانة الإيرانية، غير مسبوق.
٥- أمريكا، منغمسة- الآن- في حرب أوكرانيا ضد روسيا وتخسر الكثير من المال والعتاد.
وانقسام الكونجرس حول الاستمرار بمساعدة أوكرانيا، يسبب كابوسا مستمرا للرئيس الأمريكي بايدن.
أمريكا، هي أعظم دولة في العالم بالتأكيد ولكنها مهزوزة وتتراجع مصداقيتها في الداخل والخارج.
٦- أمريكا، تعتبر نفسها في صراع مؤجل وربما يكون حتميا في المستقبل ضد الصين وكوريا الشمالية وإيران.
ويحاول الرئيس بايدن بكل جهده مواجهة هذه الدول بالعقوبات التجارية، وبالطرق الدبلوماسية. وبإقامة تحالفات محلية اقتصادية وعسكرية معادية من جيران هذه الدول الثلاث.
٦- أمريكا، خرجت من هزيمتين مدويتين في أفغانستان والعراق.
خسرت ستة تريليون دولار وخمسة آلاف قتيل في الحربين.
وسلمت أفغانستان لعدوتها طالبان.
وسلمت العراق لعدوتها إيران.
ولا تريد أن تنغمس في أي حروب في الشرق الأوسط.
وعلى هذا لن “توسع” أمريكا حرب غزة ولن تضرب الحوثيين ولن تضرب إيران.
**
ثانيا: أسئلة محيرة هامة
**
السؤال الأول:
كيف أوصل الإيرانيون كل هذه الأسلحة والطائرات المسيرة والصواريخ إلى الحوثيين داخل اليمن؟
أمريكا، ترصد كل ما يخرج من إيران من سفن وأسلحة لتفرغها في عرض البحر إلى زوارق صغيرة تذهب إلى شواطئ الحوثيين.
ويتم التفتيش عن السلاح في كل السفن الداخلة للحوثيين في چيبوتي قبل أن تدخل إلى ميناء الحوثيين في الحديدة.
الحوثيون، يحاربون منذ ٢٠١٥ ولا يبدو أن عندهم نقصا في الذخيرة والسلاح والعتاد والسيارات والطائرات المسيرة والصواريخ.
السؤال الثاني:
هل يعرف أي أحد، على وجه اليقين، ماذا تريد أمريكا فعلا من الحوثيين؟
المؤكد هو أن الرئيس الأمريكي بايدن نفسه، لا يعرف ماذا يريد من الحوثيين ولا ماذا يريد لليمن.
لكن أمريكا، لها تأثير كبير على مجريات أحداث اليمن وتطورها، والغالب أن كل عواقب تدخلات أمريكا في اليمن سلبية وسيئة.
أمريكا، هي التي رفعت قدر الحوثيين من حركة تمرد ضد الشرعية إلى طرف من أطراف النزاع في اليمن.
أمريكا، هي التي صنفت الحوثية جماعة إرهابية ثم عادت وأزاحت عنها هذه الوصمة وأغدقت عليها بالميزات وتوسلت لها بالوسطاء والوساطات.
أمريكا، هي التي وضعت الخمائر والعصائر والتفاعلات التي أدت في النهاية إلى شرذمة اليمن إلى خمسة كانتونات بقيادة لوردات حرب مرتبطون بالخارج بالتسليح والميزانيات.
أمريكا، هي المقرر الأول لما يحدث لليمن وما يحدث داخل اليمن؛
وهي تمارس هذا بنفسها مباشرة،
أو بالنيابة عن أمريكا عن طريق وساطة سلطنة عمان مع الإيرانيين والحوثيين مقابل تنازلات كبرى من قبل الشرعية اليمنية،
أو بالتأثير على خطط دولة الإمارات،
أو بإقناع المملكة العربية السعودية.
**
ثالثا: مكر ودهاء إيران
**
١- إيران، وحروبها بالنيابة.
*
إيران، تقول أنه لا علاقة لها بنشأة الحوثيين ولا بقرارات الحوثيين، ولا بحروبهم مع اليمنيين في الثلاثين السنة الماضية، ولا بهجماتهم السابقة على السعودية بالمسيرات والصواريخ وباختراق الحدود، ولا بهجماتهم الحالية على البحر الأحمر.
الغريب في هذا الإدعاء الإيراني، هو أن أمريكا تسايرها عندما تريد وعندما ترغب في ترويض اليمنيين العاديين وحتى السعوديين، لقبول الحوثيين.
ثم تعود أمريكا وتتهم الإيرانيين بأنهم يستعملون الحوثيين كأداة رخيصة للمهمات الاستفزازية التي لا يريد الحرس الثوري الإيراني أن يضبط متلبسا بها.
٢- إيران، وجرعة الضربة
*
إيران، تضرب أمريكا ضربات حذرة صغيرة متتالية.
ضربات محسوبة بحيث تجرح أمريكا ولكنها ليست كافية لتقوم أمريكا بالتصعيد.
ويمكن إدراج القصف الحوثي في البحر الأحمر بالطائرات المسيرة الإيرانية للسفن المرتبطة بعلاقات مع اسرائيل تحت هذا المفهوم من الضرب المحسوب الذي يجرح اسرائيل ويهين أمريكا ولكن لا يستدعي الرد المؤلم من قبل أمريكا.
وإن كان البحث عن الرد المناسب لهجمات الحوثي في البحر الأحمر، مازال هو على رأس قائمة المسؤولين داخل البيت الأبيض في واشنطن وفي مبنى البنتاجون لوزارة الدفاع الأميركية.
وبالمقابل فإنه عندما تنضرب إيران من قبل أمريكا ضربة مؤلمة، فإنها تلعق جراحها بصمت، أو مع بعض الأنين، أو بالصراخ والوعيد والتهديد الفارغ كما حدث عندما قتل الرئيس الأميركي السابق ترامب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.
المحصلة الإجمالية والنتيجة النهائية لجرعات الضربات المتبادلة بين إيران وأمريكا، هي لصالح الحرس الثوري الإيراني.
إيران، قد بسطت نفوذها على أربعة دول عربية ومازالت تحلم بالمزيد.
**
ثالثا: إيران، وتغيير المعادلات
**
١- إيران، غيرت معادلات السعودية
*
المعلوم أن السعودية:
هي المتصدي الرئيسي للانقلاب الحوثي في اليمن في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤.
هي قائدة عاصفة الحزم في ٢٦ مارس ٢٠١٥.
هي المتصدية لتغلغل النفوذ الإيراني في اليمن.
هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتشارك مع اليمنيين بالإحساس بالخطر الحوثي والخطر الإيراني على الجمهورية اليمنية وعلى المملكة السعودية وعلى الشعب اليمني وعلى الشعب السعودي.
كانت السعودية والشرعية اليمنية، آسرة لقلوب وعقول اليمنيين.
كانت السعودية والشرعية اليمنية، الأمل الوحيد لليمنيين.
ولكن المؤكد أن كل هذا قد تغير الآن.
*قد خرجت السعودية من حرب اليمن ولن تعود أبدا للإنغماس بسلاحها الجوي في حرب اليمن.
*وتحتاج كل من السعودية والشرعية اليمنية لعمل الكثير، لكسب عقول وقلوب اليمنيين.
الذي غير موقف السعودية وجعلها تخرج من حرب اليمن، هو:
١- تغيير إيران للمعادلة بضرب منشآت النفط السعودية بالطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية سواء بيدها مباشرة أو بواسطة الحوثيين من داخل اليمن.
٢- ارتباك السعودية وقيادة الشرعية اليمنية في تسيير أمور اليمن وفي انعدام وجود قيادة عسكرية مشتركة.
٣- اختلاف أهداف السعودية عن أهداف الإمارات بشأن التدخل في اليمن وبشأن مصير الشرعية وبشأن بقاء اليمن كدولة موحدة.
٤- انكشاف عدم رغبة أمريكا في حماية السعودية من العدوان الإيراني المباشر والغير مباشر عن طريق وكلائها، بموجب الفهم المشترك للعلاقة القائمة بينهما خلال ثمانين سنة على المصالح المشتركة والخدمات المتبادلة وتناغم سياسات البلدين.
٢- إيران، غيرت معادلات أمريكا
*
إيران، جعلت أمريكا تشعر بأن حروب الشرق الأوسط، مكلفة، وعبثية، وشيعية-سنية، ولا تخدم مصالحها.
وأوهمت إيران الأمريكيين بأنهم حلفاء طبيعيون لهم ومفيدون ضد أتباع المذهب السني.
وتحول باراك أوباما- بسبب إيران- إلى التسليم بأن إيران سليلة إمبراطورية فارس، وبأن التراث الثقافي الفارسي أعظم من التراث العربي وأن العرب يجب أن يسلموا لها بالنفوذ والتأثير داخل بلدانهم وعلى كل المنطقة، وقدم المحللون الأمريكيون التبريرات لإيران باستعمال الأقليات المحلية المشحونة بالضغائن الإجتماعية أو المناطقية أو المذهبية العقائدية ضد شعوبهم وضد أوطانهم ولصالح إيران.
**
رابعا: اليمن بين أمريكا وإيران
**
إيران، تنسج خيوط العنكبوت والسجاجيد حول اليمن.
حلفاء اليمن، يتخلون عن اليمن.
أمريكا، قوة عالمية عظمى تؤثر في اليمن لكنها خرقاء ومحبوطة العمل.
نحن اليمنيون، نشعر أننا لم نستطع أن نقوم بما علينا كما يجب في التصدي للحوثيين، سواء بسبب:
قصورنا وعيوبنا نحن،
أو بسبب قصور وعيوب حلفائنا،
أو بسبب قصور وعيوب أمريكا.
نحن اليمنيون، نشعر بأن هذا الوضع المزري سيتجمد لسنين طويلة.
نحن اليمنيون، نشعر بأننا تحت الخطر.
نحن اليمنيون، نشعر بأن اليمن في خطر.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك