شهدائنا بين الذكرى والقطيعة …

✍️ عبدالجبار الحاج
ظلت يوم 11 فبراير معروفة بيوم الشهداء بما هي ذكرى سنوية يحتفل بها شعبنا اليمني بهذه المناسبة منذ أعلنتها حكومة الثورة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يومآ وطنيآ للشهداء .
ليست مصادفة بل تيمنآ بهذا اليوم اختارت الجبهة الوطنية الديمقراطية هذا التاريخ يوم اعلان تأسيسها في 11 فبراير 76 .
بقيت يوم الشهداء من المناسبات الوطنية التي أحتفى بها اليمنيون في كل عام منذ اعلانها وعقب اعلان الاستقلال .
بعيدا عن اختلاف النظامين السياسين في شطري اليمن قبل الوحدة وبحكم تبعية نظام صنعاء للرياض فان يوم الشهداء 11 فبراير فكان يتعامل مع هذه اليوم كمناسبة سياسية محرمة لم يعترف بها ويُحتفى بها في عموم اليمن الا في ظل السنوات الاولى للوحدة حيث فرضت نفسها كمناسبة وطنية وواحدة من المناسبات الوطنية المحتفى بها ، الى أن كانت حرب 94 وما ترتب عليها من ضرب و تصفية طرف رئيس في اعلان الوحدة وطرف وازن في التطور الاقتصادي الاجتماعي وطرف وازن في توجيه السياسة الحافظة لجوهر الوحدة والسيادة والعدالة حيث كان لهذا الطرف خيار وموقف مبدائي في تبنيها . وعقب الحرب لاقت هذه المناسبة ما أصاب غيرها مما كان يمثل كل ما هو وطني وجميل في الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والفني وقد تعرض للالغاء والتصفية .
الاحتفاء بالشهداء ليس فعلآ ترفيآ بقدر ما يعكس دلالته في مكانة الشهداء في الوعي الجمعي وفي الذاكرة الوطنية الجامعة ومن سمو الهدف من افعال استرخاص الانفس في سبيل القضية الوطنية او في سبيل الدفاع عن قضايا الشعب عامة كون الشهادة اعلى مراتب التضحية والفداء في الدفاع عن كرامة شعب واستعادة حق وتحرير أرض في وجه اي عدوان اجنبي او إحتلال بغيض وهو ما تعرضت وتتعرض له اليمن بحكم موقعها الاستراتيجي على ( المخنق ) مضيق باب المندب وكذا من موقعها للاسف جوار وجنوب ممالك ومشيخات الشر و النفط الطارئة .
تظل هذه المناسبة حاملة معاني ودلالات افعال الاستشهاد في كل مرحلة على حدة وتبقى الذكرى حافظة الشهداء التي دونت وتدون التاريخ بالدم كقافلة واحدة على طريق الكرامة والتحرير .
مع ما للشهداء من حق علينا وما لأسرهم من واجب الرعاية
فاننا مدعوون في ذات الوقت ان نأخذ فورا بإعداد قوائم المفقودين والمخفين واعلانها فما اشد عذابات اهالي هؤلاء من جراء استمرار مصيرهم المجهول …
مع كل المظاهر التي نشاهدها إحتفاءً بهذه الذكرى لا يسعنا الا ان نشيد بالقائمين على المناسبة وان لانزر وازرة وزر اخرى ….
ومع ذلك كله ، حري بنا ان نبقى على هذه المناسبة ضمن تاريخها وسياقها الوطني خاصة اذا علمنا ان الاحتفال بهذه الذكري هو احتفال لكل اليمنيين وحامل في معناه تاريخ واحد وشعب واحد ووطن واحد و محطات واحدة من تاريخ الكفاح من اجل السيادة والتحرير والعدالة والوحدة والاستقلال .
اما ان يكون التقويم الهجري ذريعة للإنقطاع عن ذات المناسبة الوطنية واقامة مناسبة ذات لون خاص وتقويم خاص فأمر يضع شهداء القضايا الوطنية الواحدة وشهداء العدو الواحد امام خيارات التجزيئ بقطع المحطات عن بعضها قطعآتعسفيآوخطيرآ بأثاره على الذاكرة الجمعية لليمنيين .
فمن دلالات الالتزام بالوطنية اليمنية ومحطاتنا الوطنية والثورية ان نقف على مناسباتنا الوطنية واحدة لا ان يكون لكل فصيل سياسي مناسبته او مزاجه الخاص في تفصيل المناسبات كل على رغبته ووجهته الخاصة .
……….
……..
(( من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ))
هذه الاية تصدرت بيانات وصور شهداء حرب التحرير الوطنية ضد الاستعمار البريطاني ابان مرحلة الكفاح المسلح حتى نيل الاستقلال .
وبهذه الاية تتصدر اسماء وصور شهداؤنا اليوم في حرب التحالف العداوني الإحتلالي ضد اليمن في عامها العام السادس .
في تلكم صورة تعكس منبعنا الثقافي الإسلامي الواحد وهذه واحدة من العلامات الايجابيه في أحد اهم منابعنا الثقافية …
…….
……
كان الزامل هو اللون الشعري او الغنائي المواكب للاحداث الكبرى او الحروب ويرتبط تاريخه بتاريخ اليمن قبل الاسلام بحسب ما توصل اليه الفنان محمد مرشد ناجي في كتابه عن الاغنية اليمنية .
وفي تاريخ اليمن الحديث والمعاصر فان الاغاني والأناشيد الوطنية وقد واكبت تطور الالة الموسيقية
وعصرنة الاناشيد بقصائدها الملحمية في تبني القضايا الكبرى باصدق الكلمات المعبرة وفي بالغ تاثيرها التعبوي او التحريضي في مختلف مراحل الحرب أو البناء التي مرت بها اليمن على الاقل في غضون العقود الستة الاخيرة وما جرى فيها من مراحل حرب ومحطات بناء على قصر عمرها قياسا بطول عمر مراحل التبعية والحروب بنوعيها الداخلي او مع العدو الخارجي .
فلما محاولة ايجاد القطيعة بين الزامل والنشيد بعزل مفتعل ثم توجيه احدهما لغير وجهته الوطنية .
لا نرى في القطيعة الثقافية الفنية مع الاغنية ( الأناشيدالوطنية اليمنية )
الا موقفآ عدميآيتنافى وحقيقة ترابط الأحداث ووجهتها واهداف العدو الواحد تجاه وطننا الواحد في محطات تاريخية مختلفة
فمنذ الستينات تعيش اليمن احداثا وطنية يتماثل فيها العدو تماثلا من التشابه ما فيه من اطماع العدوان ومصادره يصل حد التطابق .
حيث كانت السعودية تتصدر مشهد الحرب ضد الثورة اليمنية المشتعلة
وكانت بريطانيا تخوض حربها العدوانية الاشرس ضد شعبنا اليمني وهو يقود كفاحه المسلح ضد المحتلين .
وكانت السعودية راس حربة وقلعة الرجعيات العربية والثورات المضادة ومهمتها وأد الثورة في الشمال ولم تكن بعيدة ..
مثال :
رددي ايتها الدنيا نشيدي
ردديه واعيدي واعيدي
واذكري في فرحتي كل شهيدِ
وامنحيه حللاً من ضوء عيدي
كم شهيد من ثرى قبر يُطلُ
ليرى ماقد سقى بالدم غرسه
ويرى جيلاً رشيداً لا يضل
للفداء الضخم قد هيّأ نفسه
ويرى الهامات منّا كيف تعلو
في ضحى اليوم الذي أطلع شمسه
يا بلادي.. …..
يابلادي نحن أبناءُ وأحفادُ رجالك
السنا نحن الأبناء والأحفاد …..
في هذا النشيد وغيره من الاناشيد الوطنية تجسيد حي للذاكرة الوطنية الجامعة والوعي الوطني الجمعي كما هي تجسيد لتطلعات وطموحات وطنية وشعبية .
ففي جُل الأناشيد الوطنية ل : الانسي / ايوب / السمه /المرشدي/ احمدقاسم/ عبدالباسط /
عطروش/ وفي الحان بن غوذل
وفي الملاحم الشعرية الفنية الوطنية ل : عبدالله عبدالوهاب / ومطهر الارياني/ وذي يزن / وصبرة/ ولطفي امان/ والمحضار /وعباس الديلمي/ وكثيرون هم على قدر من المكانة الرفيعة مما لا يتسع لذكرهم المقال ..
كما هو الامر في كثير من اعمال الشهيد لطف القحوم وفي اعمال الليث في الزوامل بصرف النظر اختلافنا هنا وهناك وفي الموجه الثقافي الخاص منه والعام
ففيما القطيعة مع منتج تلك القصيدة والأغنية الوطنية المجسدة باكثر وضوحا في حال الوطن والشعب وما يتعرض له من حرب واحتلال ولما مع هذا الارث الوطني الحامل لروح الفداء والتضحية .؟!!
الاهم أن في سيرة هؤلاء الشعراء والفنانون انهم لم يكونوا مجرد شعراء يتغنون بل كانوا المحاربين في جبهات القتال ضد الانجليز وضد حروب الرجعية السعودية وحلفائها في حرب الستينات وحرب اليوم .
فكانوا الواقفون على خطوط النار وكانوا المعتقلون السياسيون ومنهم من هدد ومنهم من سجن وعذب . ومنهم من أُخفيَ قسراً في عهد نظام العمالة والتبعية في صنعاء .. ومنهم من اغتيل في وضح النهار واخر من أستشهد بسبب قصيدة أو اغنية وطنية شاعرآ كان او فنان .




