حرب اسرائيل على غزة ولبنان-مبادرة الرئيس ترامب والاعتراف بالدولة الفلسطينية:

أ د / دحان النجار
اعتقد بان الوضع وصل إلى طريق مسدود واستمرار الحرب على قطاع غزة على ضوء الضغط الدولي والشعبي على اسرائيل اصبح غير محتملا ويمكن ان يتسبب في تغييرات داخلية في الدول الغربية الامر الذي يقود إلى عدم الاستمرار في دعم اسرائيل بالطرق التقليدية على ضوء العزلة الدولية التي تعانيها ، والمجتمعات الغربية منقسمة الى حد بعيد بسبب حرب غزة والمشكلة الفلسطينية .
اسرائيل تحقق انتصارات عسكرية في غزة والفلسطينيون صامدون في ارضهم رافضين الترحيل والجيش الاسرائيلي حتى اللحظة لم يتمكن من حسم المعركة نهائيا ولذلك إسرائيل اصبحت دولة منبوذة كما صرحت وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة “ستيبي ليفني” وتخسر اخلاقيا على المستوى الدولي وكلما طالت الحرب كلما تعمق الرأي العام العالمي وبالتحديد الغربي ضدها وضد حكوماته المؤيدة لها بلا حدود.
اسرائيل اصبحت عبئا ثقيلا على حلفائها الغربيين وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي تركت لها العنان لتعمل ما تريد في الشرق الأوسط كاملا بل وقُدم لها كل الدعم المادي والمعنوي لكن الإفراط في استخدام القوة ضد المدنيين في غزة أدى الى صحوة ضمير شعبية عالمية وضعت الحكومات المؤيدة لها في مواجهة مع شعوبها الامر الذي سيقود إلى اضطرابات داخلية لا يمكن تحملها وعليه كان لابد من اتخاذ بعض الخطوات للحفاظ على استقرارها السياسي والاجتماعي من خلال تبني بعض المواقف ضد اسرائيل مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
والاعتراف بالدولة الفلسطينية دون اتخاذ خطوات عقابية ملموسة لا يعني شيئا، وسوف يذهب ادراج الرياح كما ذهبت من قبله اتفاقيات مدريد وأوسلو وغيرها.
الولايات المتحدة وحلفاؤها لديهم معركة اهم في مواجهة الصين وروسيا ومن يقف معهما ولذلك ليس من الحكمة ان تستمر معركة غزة تعرقل الاستعداد لما هو اهم، حيث ان الشرق الأوسط قد تم وضع اليد عليه بعد ضرب واضعاف القوى المعادية للغرب واسرائيل مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة وإسقاط نظام الاسد في سوريا وضرب ايران والحد من برنامجها النووي كل ذلك تحقق ولابد من الانتقال الى ما هو اهم.
مبادرة الرئيس ترامب الحالية تمثل نقطة تحول فعلية في الحرب على غزة وقد حملت في طياتها تحقيق معظم الشروط الاسرائيلية مثل استعادة الاسرى وتجريد حماس من السلاح واخراجها من السلطة وتدمير الانفاق وتحقيق بعض الاهداف التي طرحها الرئيس ترامب نفسه حول تحويل غزة الى منطقة اقتصادية عالمية مزدهرة ووضعها تحت ادارة دولية، والمبادرة لا تشير إلى حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين وهذا مؤشر سلبي يطرحها تحت علامة استفهام هل تنسفها وتلغيها؟
من الواضح ان المبادرة سوف تمتص جزء من الغضب الدولي ضد إسرائيل وسوف تُسلّط الأضواء عليها بدلا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين على الاقل في الوقت الراهن وسوف تفلت اسرائيل من بعض مظاهر الحصار الدولي عليها ، لكن التصالح مع محيطها والتطبيع معه لن يتم بدون حل الدولتين.
هذه المبادرة ان لم تنسفها اسرائيل تعتبر انجازا كبيرا في وقف الحرب التدميرية للأرض والإنسان في القطاع ووقف ترحيل السكان الى خارجه، وحماس لم يكن لديها كثير من الخيارات غير القبول بالمبادرة، وبالتأكيد ان اسرائيل سوف تضع الكثير من العقبات وسوف تستمر في خرق وقف اطلاق النارومتابعة اعضاء حماس وبالذات القياديين منهم.
دول عربية وإسلامية ضغطت على حماس من اجل الاستسلام وكان ذلك بالاتفاق مع الرئيس ترامب عند لقا ئه قادة تلك الدول في نيويورك نهاية الشهر الفايت، والجدير بالذكر ان محور هذه الدول لا يؤمن بالصراع المسلح كطريق لتحرير الأراضي المحتلة لما لديه من قناعة في خلل التوازن العسكري المريع في هذا الجانب لصالح اسرائيل مدعومة بالغرب ،والإصرار الأمريكي على عدم السماح لاي جهة في المنطقة من تحقيق نصر عسكري على إسرائيل، والولايات المتحدة تفرض التوجه سلميا لحل مشاكل المنطقة بالشراكة معها اي انها اللاعب الاكبر وصاحب القرار النهائي تنفيذا لفكرة الرئيس ترامب “فرض السلام من خلال القوة”.
لا اعتقد ان الخطة تم اطلاقها بدون التشاور مع اسرائيل ولو حتى في الحد الادنى مثلها مثل اتفاقية وقف إطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله في لبنان وخطة وقف الحرب على ايران، حيث اتضح ان التنسيق كان قائما بين الجانبين.
من جانبه نتانياهو اصبح جاهزا لوقف اطلاق النار بعد ان نفذ الجزء الأكبر من شروطة ويده اصبحت مطلقة في الشرق الاوسط الامر الذي يظهره كبطل قومي وزعيم صارم حقق لإسرائيل من الامن ما لم يحققه اسلافه وبذلك في حالة دخوله الانتخابات القادمة سيكون هو بطلها واصبح لا يخشى على حكومته الحالية بشكل كبير ولكنه بحاجة إلى راي أمريكي داعم حتى وان كان يبدوا اوامريا.
د. دحان النجار القاهرة ٤ اكتوبر ٢٠٢٥.ه