بين عدن والمخا.. التمويل واحد والفرق واضح جداً

 

بقلم / محمد الخامري

منذ العام 2017 حين أعلن عيدروس الزبيدي تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، أُتيحت له فرصة تاريخية للانطلاق من مدينة عدن التي وُصفت يوماً بأنها درة الجزيرة العربية، المدينة التي كانت ذات يوم ميناء عالمي ومركز تجاري وثقافي مزدهر.
إلى جانب عدن، كان الدعم الإماراتي مفتوح، ماليا ولوجستيا وتسليحا، وتم إنشاء الاحزمة والنخب وغيرها من المسميات الكثيرة للأجهزة المسلحة التي أنشأها الانتقالي للهيمنة والبلطجة، وليس لأمن وسكينة المجتمع، وبناء النظام والقانون ونواة الدولة..
كان الدعم الإماراتي كبيرا؛ بما يكفي ليجعل من هذه المدينة نموذج إقليمي للمدينة الذكية، لكن الواقع بعد ثماني سنوات من إدارة الانتقالي جاء صادماً ومخيباً للآمال، إذ تحولت عدن من درة الجزيرة العربية إلى مدينة مستباحة للنهب، مرهقة ومتهالكة، بالكاد تؤدي خدماتها الأساسية، فالكهرباء منقطعة لساعات طويلة، والمياه شحيحة، والشوارع متآكلة وغارقة في الحفر والمخلفات والمستنقعات الآسنة وطفح المجاري، والمستشفيات عاجزة عن القيام بواجبها، فضلاً عن الانفلات الأمني وتدهور مؤسسات الدولة..

📌 المجلس الانتقالي الجنوبي، بدل أن يستثمر الفرصة التاريخية والدعم السخي، غرق في توزيع المناصب والمكاسب على أسرة الزبيدي وأصهاره وأبناء قريته والقرى المجاورة لها، فيما تُركت عدن لمصيرها المجهول، وهكذا انكمش مشروع الانتقالي من حلم واسع بدولة جنوبية مزدهرة إلى سلطة أمر واقع ضيقة الأفق، عاجزة عن إدارة مدينة واحدة..!!
عدن التي كانت تضاهي أجمل مدن الشرق الأوسط، بل وتقارن بمدن وموانئ دولية صارت اليوم أشبه بقرية كبيرة بلا خدمات، ضحية الفساد وسوء الإدارة..!!

📌 في الجهة المقابلة، تأتي المخا، ويأتي حراس الجمهورية، ويأتي الساحل الغربي بقائده العميد طارق محمد عبدالله صالح.. بنفس التمويل ونفس الدولة الراعية، لكن الاختلاف واضح على الأرض، والفرق شاسع..
بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017، خرج العميد طارق محمد عبدالله صالح من صنعاء بلا سلطة ولا قاعدة ولا مدينة جاهزة. لم يكن أمامه سوى البحث عن مكان يتموضع فيه، ليبدأ نضاله ضد من غدروا به وبعمه الزعيم وأسرته..
توجه إلى الساحل الغربي، إحدى أفقر المناطق في اليمن وأكثرها تخلفاً من حيث البنية التحتية والخدمات، ومع ذلك، انطلق من الصفر تقريباً، وبنى قوة عسكرية منظمة استطاعت أن تحجز لنفسها موقعاً مؤثراً في المعادلة الوطنية، والقوى المسلحة، لكنه لم يكتف بالجانب العسكري فقط، بل عمل على إصلاح البيئة التي حوله، فشق الطرقات والخطوط الطويلة التي ربطته بالمناطق المجاورة، وأقام المشاريع الخدمية والتنموية، بل وأنشأ مطاراً من العدم، وحوّل المخا من قرية منسية إلى مدينة صاعدة تنافس عدن في بعض المجالات، وستتعداها يوما ما إذا ظلت أسيرة عقلية القرية الضيقة..

📌 من الإنصاف القول إنني رغم اختلافي مع العميد طارق محمد عبدالله صالح في التمويل وبعض الممارسات والتفاصيل الصغيرة التي لا أتفق معه فيها، وقد يكون معه مبررات، إلا أن بصماته في المخا واضحة للعيان، وماتحقق هناك لم يكن ليتحقق لولا عقلية إدارية ترى أبعد من حدود القرية والمحيط الضيق..
الفرق بينه وبين عيدروس الزبيدي أن الأول بدأ من العدم فبنىٰ شيئاً ملموساً، وحوّل المخا من قرية مهمشة إلى مدينة ناشئة، بينما الثاني تسلّم مدينة كاملة بكل إمكانياتها وشهرتها العالمية وحوّلها إلى مجرد أطلال.. وبضدها تتميز الأشياء..

📌 لا أتحدث عن الوحدة والانفصال، ولا عن الشمال والجنوب، فهذه المصطلحات لم ترد في مقالي، ولا تعنيني في سياق هذه المقارنة، ما أتحدث عنه ببساطة هو قيادات فاشلة وفاسدة وغبية، تكدس الأموال وتستنزف الدعم القادم من الخارج، وتنشغل ببناء إمبراطوريات إعلامية وصناعة مسرحيات وصور ترويجية للقائد “الملهم” في مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن تقدم لشعبها أي إنجاز ملموس، لا في مجال فرض ممارسات الدولة ولا حتى في إعلان الانفصال الذي يطنطنون به ليل نهار..
وفي المقابل، هناك قائد ناجح فرض نموذج دولة مصغرة على الأرض، يمارس ممارسات الدولة الحقيقية عبر المشاريع الخدمية وبناء الوحدات العسكرية وتشييد البنية التحتية، دون النظر إلى ان هذا شمالي وذاك جنوبي، بل بمنطق أن القيادة تقاس بالمنجزات لا بالشعارات.

📌 الدولة تعرف رجالها وقياداتها من خلال مايقدمونه لشعوبهم ومدنهم، ومن الواضح أن عدن التي كانت يوماً درة الجزيرة العربية تدفع اليوم ثمن القيادة الرديئة وفساد القائمين عليها، فيما المخا، المدينة الصغيرة التي كانت على الهامش، تصعد اليوم بفضل مشروع إداري وتنموي مختلف..
الفارق بين القائدين لم يكن في الدعم ولا في الجهة الممولة، فكلاهما مدعوم من نفس المصدر.. الفارق في القيادة، في التفكير، في الرؤية والإرادة، وهنا يُصنع الفرق الحقيقي.. قيادة لاترى أبعد من حدود قريتها، وقيادة تفكر بمشروع وطني، قادر على البناء حتى من تحت الركام.

#عدن_تحتضر
#الانتقالي_مشروع_فاشل
#لا_دولة_ولا_رجال

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى