حرب إسرائيل على سوريا ولبنان-هل حان الوقت لوقف إطلاق نار حقيقي ؟

✍️ أ د / دحان النجار
المتابعين لتطورات المعارك في قطاع غزة وجنوب لبنان منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على لبنان والمقاومة الإسلامية المتمثلة بحزب الله وحلفائه في نهاية الشهر الفائت يستطيعون وضع مقارنة سريعة بين سقف الاهداف الاسرائيلية المرتفع جدا من هذه الحرب اقصاه تفكيك حزب الله وتدمير غزة واعادة الاستيطان فيها و ترتيب المنطقة العربية امنيا بما يتناسب واسرائيل الكبرى القائدة فيها بدون منافس او منازع وفي ادنى حد القضاء على حماس وتفكيكها سياسيا وعسكريا واستقطاع اجزاء من القطاع باسم مناطق عازلة وخلق سلطة فلسطينية مسلوبة الارادة والقرار كما هو الحال في الضفة الغربية.
في قطاع غزة اكثر من عام من التدمير الشامل والإبادة الجماعية والتجويع والتنكيل ولا زالت المقاومة تصارع وتلحق ضربات موجعه بالقوات الاسرائيلية بل وتطلق بعض الرشقات الصاروخية باتجاه الداخل الاسرائيلي بما فيه تل أبيب نفسها ولم تقبل باتفاق تبادل أسرى ومعتقلين مذل ان لم يكن هناك وقف شامل لإطلاق النار على الاقل في المرحلة الاولى الأمر الذي دفع بقوات الاحتلال الاسرائيلي إلى تشديد ضرباتها وهجماتها على شمال غزة وابادة كل ما يتحرك على الارض من بشر ومركبات وحيوانات من اجل كسر الروح الوطنية بهدف تهجير السكان منه وجعله منطقة خالية من السكان الفلسطينيين كخطوة اولى لإكمال تهجير من تبقى على قيد الحياة من سكان القطاع على طريق التهجير الشامل لكل سكان الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م في الضفة والقطاع.
على مستوى جبهة الشمال التي حققت فيها اسرائيل نقاط جدية لصالحها باغتيال قيادات حزب الله العسكرية والسياسية والروحية وأولى هذه القيادات الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله الشخصية الأسطورية الملهمة لكثير من قيادات وجماهير محور المقاومة وهناك توقعات بان خليفته السيد هشام صفي الدين قد لقي حتفه هو الاخر بهجمة شرسة اكثر من تلك التي أغتيل فيها سلفه وتمثلت نقاط التفوق في استخدام أمثل للتقنية في المعركة المفتوحة مع الحزب مثل تفجير البيجرات واجهزة الاتصال اللاسلكي وكذا الاغتيالات الدقيقة وضرب المخابىء المحصنة والحاضنة الشعبية والمؤسسات المدنية ذات الصلة بالحزب. هذه الضربات القاتلة دفعت بنتانياهو إلى رفع مستوى مطالبه بتغيير المنطقة وليس فقط تفكيك حزب الله بل والوصول الى مركز قيادة محور المقاومة في ايران .
حزب الله بدوره في بنيته التنظيمية المقاومة المرنة والجهادية لديه هياكل قيادية وعملياتية بديلة على مختلف المستويات الأمر الذي قاد الى صموده امام الهجمات المؤلمة جوا وبرا وبحرا وتقنيا وهو الأمر الذي اجبر وسيجبر إسرائيل إلى خفض مستوى اهدافها المطروحة والمتوقعة من هذه الحرب وبدعم أمريكي لا يقبل الالتباس.
يوم امس الخميس ٢٤ اكتوبر وزير الدفاع الاسرائيلي جالانت يلمح الى بما معناه انه من الممكن الحوار حول وقف اطلاق النار طالما وقد تم القضاء على قيادات حزب الله وتدمير معظم امكانياته وتلميح مثل هذا سببه ليس رغبة إسرائيل في وقف اطلاق النار والسلام بل الصمود غير المتوقع لمقاتلي حزب الله على الارض. بالرغم من الفارق الكبير في نوعية السلاح المستخدم في المعركة وقوته التدميرية إلا ان الحزب تمكن من فرض سياسة الرعب على الشمال الإسرائيلي بكل قراه ومدنه وقواعده العسكرية وتشريد الكثير من سكانه وجعل الملاجىء موطن سكن لمن تبقى منهم آخذا بثار المدنيين في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وقطاع غزة. وقد امتدّت الى الوسط ولا يستبعد ان تشمل كل مساحة فلسطين المحتلة.
اسرائيل هاجمت الشريط الحدودي اللبناني وهي على ثقة بانها ستصل إلى الليطاني في وقت قياسي كون قوة حزب الله العسكرية المرابطة على الحدود قد أوهنتها الحرب الحالية التي تمكنت فيها اسرائيل من اغتيال قيادة قوات الرضوان المعنية بدرجة اولى في حماية الجنوب ومن تفجير وتدمير مخازن الأسلحة وقواعد اطلاق الصواريخ وقطع خطوط الامداد بين لبنان وسوريا وبين البقاع والضاحية والجنوب. في حربها على لبنان اسرائيل نالت كل الدعم الأمريكي والغربي بشكل صريح وواضح مع مطالبتها بإنجاز المهمة ونالت دعم مبطن من بعض الأنظمة العربية التي ترى في حزب الله الشيعي الموالي لايران خطرا وجوديا عليها على خلاف ما حصل في غزه من محاولة التنصل باستحياء من دعمها بشكل مطلق وعليه فان الحرب في لبنان هي حرب مباشره بين حلفاء إسرائيل وحلفاء ايران بغض النظر عن عدالة قضية الطرف المدافع وعليه فان التدخل الأمريكي الأوروبي الداعم لإسرائيل في اكمال المهمة سوف يستمر وبقوة عسكريا وسياسيا وماديا وهو ما يريده نتانياهو وحكومته المتطرفة بل ويسعى الى ابتزاز الادارة الأمريكية بتوسيع قائمة اهدافه الاستراتيجية في المنطقة التي تشمل ضرب ايران.
مع تزايد الخسائر البشرية الاسرائيلية في جنوب لبنان بدأت الدبلوماسية الغربية بتحريك المبادرات السياسية بما فيها المخادعة من اجل تسهيل مهمة اسرائيل في انجاز الحرب او اخراجها من مستنقع الحرب اللبنانية في الوقت المناسب . صمود حزب الله في جنوب لبنان له تاثير مباشر على الهجوم الإسرائيلي على ايران من حيث الوقت والاعداد والمستوى. طبعا الهجوم على ايران معناه بداية حرب شاملة في المنطقة وسوف ترد عليه ايران بقوة وكذلك اذرع محور المقاومة لكنه يعني دخول أمريكا في الحرب مباشرة ايضا وربما الصين التي تربطها بايران معاهدة دفاع امنية مدتها خمسون عاما وروسيا وكوريا الشمالية لن يكونا بمنأى عن هذه الحرب التي تعتبر حرب بين قطب بدأ يتولد وقطب آخر لا يريد له ان يولد وتعتبر احد بدايات الحرب العالمية الثالثة.
وبالعودة إلى المعارك في لبنان التي على ضوئها سوف تتحدد الخطوات القادمة على طريق الحرب او السلام في المنطقة، فاذا صمد ت قوات حزب الله طويلا في المعركة وطورت من أسلوب ادائها المؤلم لإسرائيل بالتاكيد ان الاخيره ستذهب إلى محادثات وقف اطلاق النار وتخفض من سقف اهدافها في لبنان والمنطقة تبعا لميزان القوى العسكري العملياتي على الارض وهذا الامر ينطبق على قطاع غزة ايضا ولكنني لا ارى ذلك عمليا في الوقت الراهن لان إسرائيل لازالت تراهن على التقدم داخل الأراضي اللبنانية وفرض شروطها في تعديل القرار الأممي ١٧٠١ وخاصة انها حققت اختراقات حدودية بسيطة نحو بعض البلدات والمواقع اللبنانية والأمر يتوقف على اداء حزب الله وقواته العسكرية فاما ان توقف التقدم او انها لن تستطيع الصمود لوقت طويل وبذلك تصل اسرائيل إلى تحقيق اهدافها الاستراتيجية.
لا اتوقع ان تقف ايران وسوريا ومحور المقاومة مكتوفي الأيدي تجاه حزب الله في حرب مصيرية تهم المحور بكاملة وتشكل حرب وجودية بالنسبة لهم.
اسرائيل سوف تشدد من ضرباتها المؤلمة للمدنيين والعسكريين والمؤسسات الصحية والتعليمية والاقتصادية في لبنان والقطاع بغرض ايجاد حالة رعب وكرد فعل هستيري على خسائرها في الجبهات وهي مدعومة ومسنودة من الولايات المتحدة والغرب وغير قادرة على التراجع عما أعلنته من اهداف مسبقة للحرب وقد تقوم بمغامرة مهاجمة ايران من اجل خلط الأوراق في المنطقة وكما اكدنا دائمآ جر اطراف دولية واقليمية للحرب نيابة عنها وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي تمر في مرحلة انتقالية صعبة سببها قرب الانتخابات والتركيز على الداخل وتأثيراته على موقفها من الحرب الحالية. دخول الولايات المتحدة في الحرب ان حصل لن يستطيع أحد التكهن بنتائجه كونها قوة عظمى ولديها قوة تدميرية قصوى قد تقلب المعادلة العسكرية والسياسية راساً على عقب ضد محور المقامة ومع ذلك المفاجاة في الحروب امر محتمل ويصبح فارق القوة المفرطة سلاح غير ذي جدوى امام سلاح الارادة وعدالة القضية. لا ارى افق حقيقي لوقف اطلاق النار في الوقت الراهن والحوار الجاد وان تكررت الدعوات إليهما والايام القادمة وميزان القوى العسكري على الارض هي من سيفرض ذلك ويجعله امراً واقعا.
د. دحان النجار ولاية تنسي ٢٥ اكتوبر ٢٠٢٤م.