وَجَع في قلب أمريكا

✍️ أحمد محارم/ نيويورك

لم تكن هذه هي المرة الأولى ونتمنى أن تكون الأخيرة، والتي كانت الشرارة للانتفاضة الشعبية بسبب العنصرية والتعامل باستخدام القوة المفرطة من قِبَل أفراد الشرطة الأمريكية خاصة مع المواطنين من ذوي الأصول الأفريقية.

الدقائق التسع إلا قليلاً هي الفترة الزمنية التي جعلت الأنفاس محبوسة في صدور من شاهدوا تسجيل الفيديو الذي كان سبباً في كل الأحداث التي هزت أمريكا والعالم اجمع بسبب التعامل غير الإنساني من قبل الشرطة مع المواطن جورج فلويد مما تسبب في وفاته.

ولأن معظم النار من مستصغر الشرر، فلَم يكن يتوقع أحد هذه النهاية لفصول هذه القصة التي بدأت من هذا المتجر لصاحبه الفلسطيني الذي دخل إليه جورج فلويد لشراء علبة سجاير مقدماً ورقة مالية بعشرين دولار. رفض موظف الكاشير أن يقبلها إعتقاداً منه بانها مزيفة واتصل مباشرة ودون تفكير بالشرطة. ودون تأخير، حضرت الشرطة وألقت القبض على جورج وأخرجته خارج المحل وحدث ما حدث على مرأى ومسمع ومتابعة من ملايين من خلال البث الحي الذي قام به أحد المارة في هذا الوقت.

واندلعت المظاهرات بمدينة مينيابوليس – مكان الواقعة بولاية مينيسوتا – وانتشرت في معظم المدن والولايات الأمريكية بشكل فاق كل ما سبقها من انتفاضات. وظلت الإدارة الأمريكية في حيرة وهي تحاول فهم ما حدث والسيطرة على الموقف.

وكلنا يعلم أن الإعلام الأمريكي ليس على وفاق مع الرئيس دونالد ترامب. فكانت هذه فرصة له أن يهاجم موقفه وينقل صور التظاهرات بشكل مكثف. وقد تزامن ذلك مع الكبت والضيق الإقتصادي والاجتماعي الذي عانى منه ملايين المواطنين لأكثر من شهرين بسبب جائحة كورونا الذي تسبب في إصابة ما يقارب من ٢ مليون مواطن أمريكي وأن يصل عدد الوفيات إلى أكثر من ١٠٠ الف شخص. ذلك جعل أمريكا تحتل المرتبة الأولى عالمياً في إعداد المصابين أو الوفيات.

بشكل عام، فإن الحزب الديمقراطي – على مستوى القيادات وعلى مستوى الشارع الأمريكي – أعلن صراحةً أنه ليس راضياً عن آداء ترامب. ومن ثم، فلقد تجمعت أسباب متنوعة جعلت البعض يأمل ويعمل على إسقاط ترامب في الانتخابات المقبلة في شهر نوفمبر. هذا بالإضافة إلى ظهور طرف ثالث أو “اللهو الخفي” الذي يُفْتَرَض جدلاً أنه الصين وروسيا وإيران وفنزويلا عن طريق استخدام وسائل التواصل الإجتماعي في إشعال نار الفتنة واستغلال مجمل هذه الظروف لإفشال مساعي ترامب في الترشح لفترة ثانية.

وعلى مدار أسابيع ثلاثة، كانت أحداث العنف في الشارع الأمريكي محل اهتمام العالم أجمع، حتى إن الاهتمام العالمي بجائحة كورونا قد توارى بعض الشيء. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: “وماذا بعد في حالة فوز ترامب بفترة رئاسية ثانية”؟ هل سوف يواجه بملفات صعبة والاقتصاد أولها؟ وماذا عن التعافي من جائحة كورونا؟ وماذا عن التعامل مع المتربصين به من الصين وروسيا؟ والمواقف المتعددة في أوربا والشرق الأوسط والمنظمات الدولية التي انسحبت منها أمريكا.

شعار “أمريكا أولا” الذي أطلقه ترامب عندما وضع قدميه في البيت الأبيض، فضلاً عن الكثير من وعوده الانتخابية التي حقق منها الكثير، أرضى ناخبيه وظلت لديه رؤية أو استراتيجية دافع عنها وهى أنه راجع كل الإتفاقيات التي جرت في عهد رؤساء سابقين سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وكانت لديه الشجاعة أن يتخلى عن كل ما هو ليس في صالح أمريكا إقتصادياً مثل تقليص دعمه المادي للأمم لمتحدة معتبراً إياها نادياً للسياسيين يتناولون القهوة فيه؛ ووقفه دعم بلاده لليونسكو، ولمنظمة الصحة العالمية، ولمنظمة الأونروا.

الواقع أن الإدارة الأمريكية تواجه حالياً تحديات كثيرة داخلياً وخارجياً، ولكن الوجع الذي أصاب الإقتصاد من جراء جائحة كورونا، فضلاً عن النهب والحرائق والتدمير للممتلكات العامة والخاصة تسبب في مزيد من الضغوط الاجتماعية؛ بالإضافة إلى التباعد الذي فرض نفسه على حياة المواطن الأمريكي مما حرم الكثيرين من أسلوب الرفاهية الذي اعتادوا عليه. لذلك فإننا نأمل ألا يستمر هذا الوجع والذي اعتقد البعض أن نهاية أمريكا قد اقتربت. ولكن الواقع أكد أن الحقيقة هي أن هذا البلد قد اجتاز الكثير من المحن وهو قادر على أن يظل أقوى اقتصاد واقوى قوة عسكرية في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى