هل تدرك السعودية ما تفعله في اليمن؟ وهل يعرف اليمنيون ما يريدونه من السعودية؟

 

✍️ عبدالقادر الجنيد

هذه محاولة- مع كل الود- لفهم السعودية ومحاولة أكثر جرأة- مع كل الاحترام- لتفهيم السعودية.

وهي في نفس الوقت محاولة- مع كل الحزن والأسى- لفهم وتفهم وحتى تفهيم اليمنيين مقدار السقطة التي قد وقعنا كلنا بها.

وهي محاولة لإقامة علاقة صحيحة وصحية بين اليمنيين والسعوديين، اللذين هم أصلا شيئا واحدا بحكم الجوار والتاريخ والجغرافيا منذ بداية التاريخ وسيظلون كذلك إلى آخر الزمان.

**
أولا: السعودية والحوثيين… في اليمن
**

*السعودية، لن توافق على تسليم اليمن لقمة مقشرة للحوثيين والإيرانيين.
وهذا شيئ جيد.

*السعودية، يمكن أن تقبل بوجود الحركة الحوثية كإحدى المكونات المتصارعة التي يمكن أن تستمر بالتصارع مع بقية اليمنيين إلى أبد الآبدين.
وهذا شيئ لن يتحقق لأن الحوثي يريد كل شيئ ويريد كل اليمن.
والغالب أن السعودية متأكدة من هذا ولكن تغمض عينيها.
وكل هذه أشياء غير جيدة.

*السعودية، لا تستطيع ولا تريد مواجهة الحوثيين والإيرانيين.
وهذا مفهوم، ويمكننا قبوله وحتى تشجيعه.
وعندئذ، يجب أن تغير تعاملها مع الشرعية اليمنية.

*الحوثيون، لن يتغيروا لأن المسألة عندهم مسألة حياة أو موت وسيتصلبون حتى النفس الأخير.
ويجب على السعودية أن تدرك هذا جيدا.
والغالب أنها تدرك كل هذا ولكن تغمض عينيها.

*إيران، لن تتخلى عن الحوثي أبدا وستستمر بالدعم العسكري والنفط وأشياء أخرى.
والقاصي والداني، متأكد من هذا.

**
ثانيا: السعودية وإيران.. في اليمن
**

*إيران، تمكنت من إبعاد السعودية وتخفيف دعمها للشرعية اليمنية بضربها بالمسيرات والصواريخ الحوثية والإيرانية.
*ولا تستطيع السعودية ضرب إيران بأي وسيلة عسكرية.

*يمكن للسعودية ملاعبة إيران بحيث تتصارع معها في اليمن بدون تعريض منشآتها للقصف الحوثي-الإيراني.
وسيصفها البعض- عندئذ- بأنها حربا بالوكالة أو بالنيابة.

*ما هية حرب اليمن؟
هل هي حرب عبثية، كما وصفها قرداحي وزير إعلام لبنان المتعاطف مع حسن نصر الله؟
أم حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، كما يقول الليبراليون الغربيون؟
أم حرب لوردات حرب كما تقول مجموعة الأزمات الدولية؟
أم حرب وجودية، كما يقول اليمنيون؟
سنكون نحن اليمنيون الضحايا في هذه الحرب، إذا كنا قد وقعنا بين أيدي لوردات حرب، أو إذا كانت حربا بالوكالة بالفعل، أو إذا كنا- كلنا- فعلا مجرد أذناب وعملاء لكل من السعودية وإيران.

ولكن إذا كان الحوثيون استعلائيون وعنصريون وطائفيون وطماعون بالسيطرة على اليمنيين، فإنها حربا وجودية.

وإذا كان اليمنيون لا يمكن أن يقبلوا بالخنوع والخضوع للسيطرة الحوثية العنصرية الاستعلائية المذهبية، فإنها حربا وجودية.

**
ثالثا: السعودية وأمريكا.. في اليمن
**

*أمريكا، تقول أنها ستحمي السعودية من إيران، ولكنها لا توافق أبدا على اشتعال أي حرب في اليمن.
إذا توقفت السعودية عن مساندة شرعية اليمن بالقصف الجوي، فلماذا ستهاجمها إيران، الآن؟
ولماذا ستحتاج السعودية حماية أمريكا، هذه الأيام؟

والسعودية- في نفس الوقت- لا تقبل بتسليم اليمن للحوثيين.

وربما ستضغط أمريكا على السعودية لتقديم تنازلات في اليمن لصالح الحوثيين وضد الشرعية وضد اليمن.

صحيح أن أمريكا لا تريد انتصارا كاملا للحوثيين والإيرانيين في اليمن، ولكن موقفها مائعا للغاية بحيث أنها مستعدة لقبول استمرار “حالة اللاشئ” الحالية لسنين طويلة.

أمريكا، لا يهمها حقا ما يريده اليمنيون.
أمريكا، لا يهمها أن يحدث أي شيئ على وجه التحديد في اليمن.

السعودية أقوى أمام أمريكا هذه الأيام
*
مسألة الضغط الأمريكي على السعودية في اليمن، يمكن أن تتخفف منها، كالآتي:

١- السعودية، يمكن أن تدعم الشرعية اليمنية بدون تدخل الطيران السعودي وهكذا تخلي مسؤوليتها أمام أمريكا.

٢- السعودية، يمكن أن تترك أمريكا لرئاسة الشرعية اليمنية التي لن تستطيع الضغط عليها إذا تيقنت من دعم السعودية.

٣- السعودية، تستطيع بسهولة أن تفهم أمريكا أن معها هي أيضا خطوطا حمراء مثلها بالنسبة للتوسعات الإيرانية والتهديدات الحوثية السياسية والعسكرية والمذهبية.

٤- السعودية، معها أوراق ضغط قوية هذه الأيام بعد حرب أوكرانيا وبعد رغبة أمريكا بالتفرغ للتصدي لروسيا والصين لكن بدون فقدان السعودية، كما كانت راضية من قبل أيام الرئيسين أوباما وترامب وحتى أول أيام الرئيس بايدن.

**
رابعا: السعودية والإمارات.. في اليمن
**

من أكبر المشتتين لقوى الشرعية والمفاتنين بين مكوناتها، هو دولة الإمارات.
إذا كان هذا برضى السعودية، فيجب أن تغير رضاها.
إذا كان هذا بتغافل السعودية، فيجب أن تخرج من غفلتها.
إذا كان هذا ليس بالشيئ المهم عند السعودية، فيجب أن تعرف أنه غاية في الأهمية.
السعودية، هي التي أحضرت الإمارات إلى اليمن.
والسعودية، هي الوحيدة التي تستطيع التعامل مع الإمارات في اليمن.

**
خامسا: اليمنيون واليمنيين.. في اليمن
**

١- اليمنيون ضد الحوثي
*
هذه هي المشكلة منذ ٢١ سبتمبر ٢٠١٤
اليمنيون، يواجهون الحوثيين في اليمن في معركة مصيرية من نوع: “أن نكون أو لا نكون”.
إذا انتصر الحوثيون، سيصبغون اليمن بألوان طائفية ومناطقية، وسيعممون الصرخة إيرانية، وسيكونون ركنا من أركان “محور الممانعة الإيراني”، وستنعزل اليمن عن محيطها العربي.

٢- اليمنيون ضد اليمنيين
*
هذه هي المشكلة التي تبلورت إليها حال اليمنيين بعد إتفاق ستوكهولم في ١٣ ديسمبر ٢٠١٨.
انتكسنا أمام الانقلاب الحوثي وانفرط عقد التحالف بعد إتفاق ستوكهولم، ونرجو إعفاءنا من ترديد الأسباب وإعادة التفاصيل والغرق بالتنابذ والإتهامات.

بعد إتفاق ستوكهولم، ابتدأنا بنهش بعضنا البعض.

اليمنيون، متفرقون ويتخالفون على كل شيئ.
وهذا ليس عيبا ولا شيئا فريدا ولكنه من طبيعة كل الأقوام وكل المجتمعات وكل الشعوب.
كل الشعوب، بداخلها تنوعات وتناقضات ويتصارعون على كل شيئ حتى داخل الحزب الواحد.

انظر إلى أمريكا، كيف يختلف الجمهوريون بينهم البين حول كل شيئ من إجهاض المرأة إلى حجم الدين والاقتراض الوطني إلى حرب أوكرانيا، قبل أن يبدؤوا حتى بالاختلاف مع الديموقراطيين على نفس الأشياء وأشياء أخرى.

ولكن إذا كانت اليمن في حرب، فلا بد أن تتوحد الصفوف.

**
سادسا: توحيد الصفوف اليمنية، مهمة السعودية
**

كل الشعوب التي تمكنت من توحيد الصف أثناء الحرب، إنما قامت بهذا تحت أحد هذين الوضعين:

*الوضع الأول: شعوب، كان معها “دولة” و “مؤسسات” و “جيش”، قادت الشعب في معركة كبرى.

مثلا ١: قام أدولف هتلر على رأس “دولة” ألمانيا النازية بهذا ضد فرنسا وبريطانيا وروسيا وكل أوروبا.

مثلا ٢: قام ونستون تشرشل على رأس “دولة” بريطانيا الإمبراطورية الاستعمارية بهذا ضد ألمانيا النازية.

مثلا ٣: قام چوزيف ستالين على رأس “دولة” روسيا السوڤييتية الشيوعية بهذا ضد ألمانيا النازية.

وهناك أمثلة أخرى كثيرة بلا عدد.

{{ هذا ليس مدحا ولا ذما في هتلر أو تشرشل أو ستالين،
ولكنه فقط للتنويه بأن الشرعية اليمنية لا توجد معها “دولة” يستطيع رئيس أو قائد يمني أن يقوم على رأسها بمعركة تاريخية كبرى لإنقاذ اليمن }}

*الوضع الثاني: شعوب، كان معها قائد استعمل الحديد والنار ضد المكونات الأخرى للشعب ثم قام باستعمال العنف المفرط ضد الخصم ثم الاستيلاء على السلطة والبقاء باستعمال القبضة الحديدية.

مثال ١: ماو تسي تونج في الصين، قضى على كل المكونات الصينية بالعنف وحشد مليون مقاتل زحف بهم إلى العاصمة بكين أو بيچينج للقضاء على شيانج كاي شيك الذي هرب إلى تايوان وبعدها أقام الدولة الشيوعية الصينية.

مثال ٢:
هو تشي منه في ڤييتنام، قضى على مكونات وأقليات ڤييتنامية بالعنف قبل أن يطرد اليابانيين ثم الفرنسيين ثم الأمريكيين، وبعدها حكم كل ڤييتنام.

مثال ٣:
فيدل كاسترو في كوبا، زحف من الجبال الجنوبية على العاصمة هاڤانا ليقضي على كل التنوعات والمكونات ليطرد فلوجينيكو باتيستا إلى الدومينيكان ثم إلى البرتغال.
وبعدها أقام كاسترو الدولة الشيوعية.

مثال ٤:
روح الله الخميني في إيران، أوقد النار في صدر ١٥٠,٠٠٠ مُعَمَّم من ملالي إيران وأشعل ثورة شيعية ثم سحق الطبقة المتوسطة وقتل مئات الألوف من الإيرانيين وسحق الأقليات وقضى على كل التنوعات والمكونات.
وبعدها أقام دولة الملالي الشيعية الدينية.
وها هو وريثه علي خامنئي يبسط الآن قبضته بالحديد والنار على شعب إيران بعد أن فتك بالمعارضين وبعد أن قام بتدجين وقهر الباقيين.

مثال ٥:
عبدالملك الحوثي في اليمن، قضى على كل المكونات في صعدة وعلى طول الطريق إلى العاصمة صنعاء، لينهي العملية السياسية الانتقالية ويفرض الإقامة الإجبارية على الرئيس هادي الذي هرب بعدها (ربما برشوة مالية سعودية للحوثي) إلى عدن وبعدها إلى الرياض.

وها هو الحوثي الآن يبسط قبضة بالحديد والنار على أهل صنعاء وعلى ما سقط تحت يده من اليمن بعد أن فتك بالمعارضين وبعد أن قام بتدجين وقهر الباقيين.
ولن يتخلى الحوثي عن هدفه بإقامة الدولة الطائفية المذهبية الدينية الحوثية في اليمن.

وهناك أمثلة أخرى كثيرة بلا عدد.

{{ هذا ليس مدحا ولا ذما بماو تسي تونج ولا بهو تشي منه ولا بفيدل كاسترو ولا بروح الله الخميني ولا بعبد الملك الحوثي،
ولكنه فقط للتنويه بأن الشرعية اليمنية لا يمكنها ولا تزغب بأن تسحق تنوعات اليمنيين، ولا أن تقضي على مكوناتهم، ولا أن تنهي خلافاتهم بحيث يستطيع رئيس أو قائد يمني أن يقوم على رأسهم بمعركة تاريخية كبرى لإنقاذ اليمن من الحوثيين والإيرانيين}}

وأنا أريد أن أؤكد على الآتي، في المرحلة الراهنة:
*
١- اليمنيون، يواجهون بعضهم البعض أكثر مما يواجهون الحوثيين.
٢- اليمنيون، لن يوحدوا صفوفهم بأنفسهم تلقائيا، أبدا.
٣- اليمنيون، لا يوجد معهم “دولة” تكون الماكينة الهادرة لإنقاذ اليمن من الحوثيين والإيرانيين.
٤- اليمنيون، لا يوجد بداخلهم الشخص الذي عنده القوة الكافية لسحق بقية اليمنيين سواء لمصلحته الخاصة أو ليحشد ويوحد كل الطاقات للتصدي للحوثيين والإيرانيين.
٥- اليمنيون، يحتاجون السعودية لتوحيد صفوفهم بالتعامل الحصري مع الدولة اليمنية فقط، وبالتدخل المباشر للحد من نفوذ لوردات الحرب، وبإبطال مفعول المفاتنات الخليجية بين اليمنيين.

**
سابعا: السعودية والشرعية.. في اليمن
**

بافتراض:
أن السعودية، بالتأكيد، تريد دعم الشرعية اليمنية،
وأن السعودية، بالتأكيد، لا تريد انتصار وسيطرة الحوثيين والإيرانيين على اليمن،
وأن الشرعية اليمنية، بالتأكيد، لا يمكن أن توحد نفسها بنفسها بسبب ضعف أو انعدام الدولة.
وأن الشرعية اليمنية، بالتأكيد، لا يمكن أن تروض مكوناتها بنفسها بالقبضة الحديدية.
وأن الشعب اليمني، بالتأكيد، يريد فعلا القضاء على الهجمة الحوثية الإيرانية؛

فإن هناك طريقا واحدا فقط للقيام بذلك، وهو:
دعم “إقامة الدولة اليمنية”.

وأن هذه “الدولة اليمنية”، لا يمكن أن تقوم إلا بجهد نشط وحقيقي من “الدولة السعودية”.

تخلص السعودية من الحليف الخصوصي
*
لا يجب على السعودية أن يكون معها حلفاء “خصوصي”.

الحليف “الخصوصي”، قد يكون وجاهة محلية مناطقية، أو شيخا قبليا، أو شيخا مذهبيا، أو لورد حرب بميليشيا خصوصية وتمويل خليجي.

الحليف “الخصوصي”، هو مجرد أجير بالقطعة.
الحليف “الخصوصي”، يريد فقط الفلوس السعودية ولا تهمه النتائج بعد الاستلام.

إذا أخفق الحليف “الخصوصي”، فإن الوضع لا يمكن تصحيحه ويهرب الحليف “الخصوصي” بالجَمَل بما حَمَل، ويعود الوضع إلى المربع الأول مع خسائر ونكبات وإحباطات وهزائم وسمعة سيئة للسعودية وللشرعية وللجيش وللمقاومة وللكرامة اليمنية.

يجب على السعودية أن تسند فقط “الدولة” اليمنية، وأن تتعامل فقط مع “الدولة” اليمنية،

يجب أن يكون حق “منح” المزايا بيد الدولة اليمنية فقط و “حجب” المزايا على يد الدولة اليمنية فقط.

وإذا أخفقت الدولة اليمنية- وهذا احتمال وارد بنفس درجة إحتمال إخفاق الدولة السعودية وبنفس احتمال إخفاق أي دولة في العالم- تكون هناك وسائل الإدارة والمراجعة والمساءلة والمحاسبة والتدقيق، لتصحيح الأوضاع.

ولا يهم إسم رأس ورئيس الدولة.
ولكنه أمر في غاية الأهمية أن يكون معنا رئيس فعلي “واحد” للدولة.

تحالف الدولة السعودية مع دولة الشرعية المسنودة من السعودية، هو الشيئ الوحيد الذي يمكن أن يعود بالنجاح لكل من السعودية واليمن.

مهما ساعدت السعودية اليمنيين في غياب “الدولة”، فلن تثمر المساعدة أي شيئ.
ويمكن للسعودية أن تتجنب الصراع مع إيران إذا كان معنا “الدولة” اليمنية الشرعية.

من صفحة الكاتب على الفيسبرك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى