هذا هو ( عفاش ) ..؟!

 

✍️ طه العامري ..

عرف بالراقص على روؤس الثعابين ، واستطاع طيلة 33عاما من إدارة البلاد واخراجها من اتون أزمات واحترابات داخلية بين قبائل شمال الشمال وبين شطري الوطن ووكلايهما ..لعب مع محاور الشرق والغرب ، تحالف مع الريس العراقي الراحل الشهيد صدام حسين وارتبط بعلاقة ودية مع خصم البعث العراقي الريس السوري حافظ الاسد ، جعل اليمن عضوا في مجلس التعاون العربي الذي جمع كل من مصر والعراق والأردن واليمن ، واحتفظ بعلاقة متميزة مع مجلس التعاون الخليجي ..ارسل الوية عسكرية إلى العراق لتقاتل الى جانب الجيش العراقي في حربه مع ايران ولم يقطع علاقة اليمن بإيران ولم يخفظ مستوى التمثيل الدبلوماسي ..
كان حليفا لواشنطن وصديقا للاتحاد السوفيتي ..ارتبط بعلاقة وشراكة اقتصادية مع دول القرن الافريقي ونسج علاقة متميزة مع الصين ومع دول اوروبا ودول النمور في جنوب شرق اسيا ..سعى لإنجاز مشروع الوحدة اليمنية وسيطرت على مفاصل السلطة بطريقة مثيرة وتراجيدية لكن سرعان ما وقف أمام تحديات جسام أبرزها الغزو العراقي للكويت بعد اقل من اشهر من إعلان الجمهورية اليمنية انقسم الوطن ونخبه وانقسمت الأمة على اثر ذلك الحدث فوجد علي عبد الله صالح نفسه متهما خليجيا بمساندة العراق وشكل موقف اليمن في مجلس الأمن الدولي إدانة للسياسة الخارجية للرئيس صالح الذي وجد نفسه يواجه استحقاق الأزمة العراقية _ الكويتية.والخلافات العربية في الداخل اليمني بصورة أزمة تصاعدت بين شركاء دولة الوحدة وهي الأزمة التي انتهت بحرب صيف 1994م تلك الحرب التي انتصر فيها الشرعية على دعاة الانفصال ولكنه كان الانتصار المجبول بسلسلة من الازمات الداخلية التي غذتها اطراف خارجية وخليجية تحديدا دون أن تخلوا من رعاية بريطانية _ أمريكية اتساقا مع مصالح وحسابات الدولتين ..!!
ظلت علاقات صالح الخارجية عرضة للشد والجذب خليجيا وقوميا ودوليا .. فيما شراكته مع واشنطن لمكافحة الإرهاب بعد احداث 2001 عرضة ايظا للتساؤلات والشكوك المتبادل ..ضغوطات واجهها صالح من أطراف إقليمية ودولية كانت دافعا لتشجيع خصومه السياسيين في الداخل للتمرد عليه والاتساع في خصومته مستغلين إيحاءات الخارج وحساباتهم من رجل لقب امريكيا ب ( الثعلب ) وسعوديا ( بالمراوغ ) غير المامون جوانبه ..كان الاقتصاد هو المدية التي وضعت في خاصرة صالح ونظامه ..وكانت انتخابات العام 2006م هي مفترق الطرق بالنسبة له وبينه وبين محاور إقليمية. دولية ..ومع رحيل حليفه التقليدي ومهندس علاقته بالقطاعات القبلية الشيخ عبد الله الاحمر برزت الخلافات في مفاصل نظامه مما جعله عرضة للاختراق ..غياب الشيخ الأحمر جعل صالح يفتقد اهم ركيزة اجتماعية كانت له بمثابة العكاز الذي يستند إليه والحايط الذي يحمي ظهره من غدر اللاعبين في الداخل ..ساءات علاقة صالح مع واشنطن في عهد ( بوش الابن ) وخاصة في فترة بوش الثانية على خلفية العلاقة الوطيدة التي جمعت صالح بنظام الرئيس الشهيد صدام حسين ومواقف صالح ايظا من القضية الفلسطينية وهو الذي كانت الكثير من طروحاته تحرج بعض الأنظمة العربية الفاعلة والمقربة من واشنطن ..تكالبت على الرجل الضغوطات الخارجية اقليميا ودوليا مع نمؤ واتساع نطاق معارضيه وخطابهم التاثيري الذي استغلوا فيه الوضع الاقتصاد ورغبة واشنطن في جعل اليمن جزءا منها اطلق عليه ب ( ثورة الربيع العربي ) بعد أن ادركت واشنطن أن صالح لم يعد هو الحليف الذي يمكن الوثوق به خاصة بعد رفضه التوقيع على منح واشنطن قاعدة عسكرية في سقطرى التي جعل منها محمية طبيعية ..!!
كما أن تقترب صالح من روسيا الاتحادية والصين كل هذه العوامل دفعت واشنطن إلى تحريك حلفائها في الخليج لتبني خصوم صالح ودعمهم تحت شعار ( الثورة ) وهذا ما حدث في العام 2011م غير أن تهور خصوم صالح بالخصومة وترتيبهم لجريمة جامع الرئاسة دفع بالملك عبد الله الى التدخل المباشر في الشان اليمني إدراكا منه لتبعات الأزمة اليمنية وخطورتها على أمن واستقرار المملكة التي كان ملكها عبد الله اكثر من يدرك خطورة اتساع أزمة اليمن وهو الرأي الذي عارضه الكثيرون في مفاصل نظام ال سعود لكن معارضي الملك عبد الله لم يكن لمعارضتهم تأثيرا على قناعات الملك وخياراته ..غير أن رحيل الملك عبد الله وبالطريقة الدرامية التي رحل بها أعطى الفرصة لخصوم صالح داخل مفاصل السلطة في صنعاء والرياض للتحرك والبدء في التخلص منه ومن تأثيره وعلى مختلف المستويات ..وكان انصار الله الذين هرولوا من جبال مران الى حرف سفيان ثم الى عمران حتى وصلوا العاصمة جزءا من لعبة سعودية _ أمريكية وتنفيذا لي اتفاق مع ( هادي) ابرمه خلال زيارته لواشنطن ..وفي هذا يقول ناطق انصار الله عن قصة دخول صنعاء حرفيا ( لقد دخلنا صنعاء بالتفاهم مع كل السفارات والبعثات الدبلوماسية وبتوافق مع اطراف خارجية ) وكان محمد عبد السلام يقصد تحديدا سفارتي واشنطن والمملكة ..فيما كان قبله ( هادي ) قد نزل لمحافظة عمران عقب سيطرة انصار الله عليها ومقتل القشيبي وقال في خطابه أمام السلطة المحلية في عمران وهي التي نصبها الحوثة ما يلي ( لقد عادت عمران اليوم لحظن الدولة ) ..!!
كان اتفاق السلم والشراكة هو ثمن الصفقة التي ابرمها الحوثة مع ( هادي ) للتخلص من صالح وبرعاية داخلية وخارجية غير أن مكرهم جميعا قوبل بمكر ادهى من صالح الذي يجيد ليس فن الرقص على روؤس الثعابين بل وترويض الثعابين ايظا ..اذ استغل صالح هرولة الحوثة مباشرة بعد اتفاق السلم والشراكة فتقدموا وبكثير من الغباء على اقتحام المعسكرات والمؤسسات والسيطرة عليها وحين وصل انصار الله الى معسكر صباحة عند المدخل الغربي للعاصمة بهدف السيطرة حدثت اشتباكات عنيفة استمرت طيلة الليل بين أفراد معسكر اللواء الثالث حرس جمهوري ومسلحين ينتمون لانصار الله ليضطر السيد عبد الملك الحوثي وفي اليوم التالي على القاء خطاب يعتذر فيه عما حصل ويؤكد شراكته مع المؤتمر ..كانت تلك الواقعة بداية تحول اذ اتجه انصار الله الى تقيد حركة وانشطة الرئيس هادي ومحاولتهم الاحتفاظ به كواجهة دستورية وتمرير القرارات من خلاله اتساقا مع توجهاتهم غير أن ( هادي ) اضطر تحت وقع الضغط عليه من قبل انصار الله ومطالب حلفائه في الخارج إضافة إلى الصخرة الهائلة التي يقف أمامها وتحول دون قدرته على إنجاز المهام المطلوبة منه ولم تكن هذه الصخرة سوى ( عفاش ) ..الذي توغل في مكونات انصار الله وايضا فتح قنوات للتواصل مع المحاور الخارجية وخاصة روسيا والصين وبداء يستعيد زمام المبادرة والسيطرة والتحكم وكان له ما اراد ..حاول صالح في البدء اقناع انصار الله بقبول استقالة هادي ولم يستوعبوا اللعبة بل توهموا أن قبولهم استقالة هادي يعني عودة السلطة إلى عفاش عن طريق مجلس النواب ورئيسه بحسب النص الدستوري لذالك حاولوا ابقاء هادي تحت سيطرتهم في لحظة كانت واشنطن والغرب يبرمون مع ايران الاتفاق النووي وهو الانفاق الذي يعطي ايران مكانة متقدمة وفاعلة داخل الإقليم وعلى الخارطة الدولية وهو ما لم تكون تريده الرياض ولا تقبل به ..على اثر هذه التداعيات الدرامية غادر هادي صنعاء الى عدن بواسطة عملاء المخابرات الأمريكية والسعودية وبتواطو ايظا من قيادات كبيرة في جماعة أنصار الله ..وصل هادي عدن والمتبقى من مهلة استقالة يوما واحدة ليحرر بها رسالة لرئيس مجلس النواب يبلغه فيها تراجعه عن استقالته وهذا ما كان مطلوب سعوديا بعد تاكد الرياض أن تفاهم طهران واشنطن حقيقي وان واشنطن تخلت عن الرياض في قضية النووي الايراني وفيما يتصل بسورية ..وكانت الرياض قد أقنعت واشنطن فيما يتصل بسورية بضرورة أن تدخل واشنطن الحرب لإسقاط الرئيس بشار الأسد وكذلك بريطانيا واعلن الرييس الامريكي باراك أوباما استعداد واشنطن لعملية عسكرية في سورية ومثله اعلن كاميرون في لندن في المقابل تحركت أساطيل وغواصات روسيا إلى البحر المتوسط وكذلك فعلت الصين وايران واعلنت طهران أن أي هجوم امريكي على سورية سيواجه بضرب كافة المصالح الغربية في المنطقة وفي المقدمة المصالح البريطانية ..هناء ربما وبايعاز من واشنطن تحرك السلطان قابوس الى طهران وهناك وجد تصميما إيرانيا صادقا ولا تراجع فيه وهو أن أي هجوم على سورية على غرار ما حدث بالعراق سيواجه بحريق المنطقة فأبلغ السلطان قابوس لندن وواشنطن وقد أخذت لندن كلام السلطان مأخذ الجد فقرر رئيس الحكومة عرض الامر على البرلمان فجاء تصويت البرلمان البريطاني برفض فكرة المشاركة بالحرب ضد سورية فأصيب الأمريكيين بخيبة أمل وكذلك السعودية التي قررت وفق كل هذه المعطيات عدم السماح لطهران لتحقيق مكاسب اخرى في المنطقة على حسابها فاستغلت اقدام الحوثة على توقيع الاتفاق الغبية مع طهران حول رحلات الطيران لتشن هجومها ضد اليمن في ذات الوقت الذي بارك فيه الغرب هذا الهجوم خشية من اقدام الرياض على القيام به ضد سورية لان هذا كان يعني حرب عالمية ثالثة فتركوا اليمن تباد وتقتل على يد السعودية ليحققوا مصالح مركبة منها بيع الأسلحة السعودية ودول الخليج ومنها اشغال الرياض باليمن وابعادها عن سورية لخطورة وحساسية الوضع هناك ..كان صالح وفق كل هذا هو الرابح الذي استطاع إعادة ترتيب أوراقه وعلى مختلف الأصعدة والمجالات الداخلية والخارجية السياسية والعسكرية كانت الحرب في مساراتها الأولية قد فرضت خياراتها الإجبارية على الجميع عسكريا ولم ينتظر الجيش قرارات سياسية بل وجه عفاش ومنذ اللحظة الأولى قوات الحرس والقوات الموالية له بما في المجاميع القبلية الى التصدي للعدوان والاصطفاف في وجهه ومقاومته وخلال السنة الأولى من العدوان كانت هناك حوارات ولقاءات غير مثمرة بين المؤتمر والحوثة بل ذهب الحوثة بعيدا في تصرفاتهم فلم يجد صالح الا أن وجه اتباعه بضبط النفس والتفرغ لمواجهة العدو الا أن برزت قضية حوارات ظهران الجنوب والاتفاقات والتفاهمات بين أنصار الله وال سعود وهي الاتفاقات التي تخلى عنها ال سعود قبل أن يجف حبرها هناء اضطر الانصار للعودة إلى كنف الزعيم عفاش والتفاهم معه حول توحيد الجهود السياسية والشراكة وهذا ما قادنا الى تشكيل المجلس السياسي بعد اكثر من عام ونصف من بدء العدوان ..
اليوم النظرة لعفاش داخليا وخارجيا تختلف عما كانت عليه خلال العامين الماضيين محليا هو لاعب اساسي ورئيس في إعادة تطبيع العلاقات السياسية وهو جزء من الحل وليس جزءا من المشكلة وخارجيا ينظر إليه كرقم صعب في المعادلة السياسية وفي اي اتفاقيات دولية كانت أو إقليمية سيكون عفاش جزء منها وليس خارجها بل أن العدوان أعاد عفاش إلى واجهة الاحداث ولم يعد ذالك المخلوع الا بخطاب الاخوان واتباعهم لكنه على المستوى الدولي رحل وقائد له حظور وتاثير وجمهور وولاء جماهيري وبالتالي يصعب تجاوزه خاصة بعد الصمود الاسطوري الرجل خلال فترة العدوان وهو الذي تلقى عروضا مغرية لمغادرة البلاد إلى ملاذات امنه لكنه رفض كل تلك العروضات والمغريات وهذا ما زاد من احترام العالم الخارجي له وزاد من شعبيته الجماهيرية في الداخل فليس ثمة وجه للمقارنة بين عفاش الذي صمد ورابط بين ابناء جلدته وواجه العدوان مع شعبه وبيت اخرين خانوا وجلبوا العدوان وقدموا له كل التسهيلات ليضرب شعبهم ويدمر قدراتهم ..
نعم سيبقى عفاش رقما صعبا في اي معادلة سياسية قادمة وهو جزءا من الحل وليس من المشكلة بعد العدوان تحديدا ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى