نعيش الانتخابات الأغرب وربما الأخطر في تاريخ أمريكا

✍️ عبد الحميد صيام أستاذ دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية بجامعة رتغرز الأمريكية لـ “الصباح” .




يقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية من امتاره الاخيرة حيث يفترض ان يكون يوم الثلاثاء الاعظم 3 نوفمبرموعد الحسم لتحديد من سيكون بين المترشحين الرئيس المتخلي دونالد ترامب زعيم الجمهوريين ومنافسه الديموقراطي جو بايدن في البيت الابيض للسنوات الاربع القادمة…وهي انتخابات يبدو أن الغموض سيظل فيها سيد المشهد حتى نهاية السباق بالنظرالى تعقيدات المشهد وتواترالاحداث التي من شأنها أن تعززالتشويق حتى النهاية في موسم انتخابي غيرمسبوق في ظل تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية والصحية والاجتماعية والتي أدت الى وفاة اكثرمن مأتين وخمسين ألف ضحية في امريكا وهي القدوة الاولى التي تصدرت الخسائرفي العالم… وفي انتظار ما ستحمله الانتخابات الرئاسية الامريكية التقت الصباح الاستاذ عبد الحميد صيام أستاذ دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي، وخبير في شؤون الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للحديث حول الساعات المتبقية من سباق هذه الانتخابات .. وفيما يلي نص الحديث ..
حوار: آسيا العتروس

– مشهد انتخابي غير مسبوق في أمريكا.. كيف تقيم سباق الانتخابات والمناخ الذي يرافق هذا السباق ؟
-الحقيقة أننا نعيش الانتخابات الأغرب وربما الأخطر في تاريخ الولايات المتحدة حيث تمرالبلاد الآن في ظروف استثنائية تترك بصمتها على الانتخابات. فالمنافسة بين رئيس شعبوي، يلعب على عواطف الفئات الأقل وعيا وخاصة من أنصار سيادة العرق الأبيض والانجليكيين المتدينيين وأنصارإسرائيل الأشد تطرفا، ومن جهة أخرى هناك منافس له سيكون الرئيس الأكبر سنا في تاريخ الولايات المتحدة في حالة فوزه. اسمه ارتبط بالرئيس السابق باراك أوباما ويعتبر الكثيرون أنه يفتقد الكاريزما والحيوية وقد تسوء حالته الصحية أكثر في السنوات الأربع القادمة. ولهذا اختار جو بايدن نائبة له فيها ثلاث صفات إيجابية تعزز من حظوظ فوزه، كونها سيدة، وكونها صغيرة السن قياسا للرئيس وكونها سوداء من أب جامايكي وأم هندية. وجزء أساسي من النساء سيصوت لها كما ستحظى بتأييد كبيرمن لدن الأفارقة الأمريكيين والأقليات والمهاجرين.
-ردد ترامب اكثر من مرة أن فشله في الانتخابات يعني أن هناك تزويرا ما ورفض أن يقر بأنه سيخرج من البيت الأبيض بسهولة. هل تتوقع أن يخلق ترامب أزمة سياسية في الانتخابات إذا جاءت لغير صالحه؟ ثم هل يمكن تزويرالانتخابات الامريكية ؟
-ترامب يرفض لغاية الآن أن يقربأنه سيتقبل الهزيمة في حالة فوزمنافسه الديمقراطي ويثيرمسألة التزويرفي الانتخابات، ويلتف حوله جماعات من المتطرفين البيض والميلشيات المسلحة التي تعتبرنفسها رهن إشارته لتحرير أمريكا من الغرباء وإعادتها للعنصر الأبيض الذي، في رأيهم، من بنى هذه البلاد وجعلها القوة الأعظم في العالم.
استطلاعات الراي تقول إن الفارق بين المرشحين الآن على الأقل 8 في المائة لصالح بايدن، وترامب يعتبر أن كل هذه الاستطلاعات كاذبة ومؤامرة وأنه يعتبر أن انتصاره مؤكد على «جو النعسان» و»المتطرفة اليسارية» كمالا هاريس اللذين يريدان أن يفرضا نظاما اشتراكيا في البلاد.
في المرة الماضية كانت استطلاعات الرأي تعطي نفس الفارق لصالح المرشحة هيلاري كلينتون، لكن إطلاق العديد من الرسائل الألكترونية السرية قبل موعد الانتخابات بأيام، والتي قيل إن «روسيا كانت وراءها»، قلص الفارق بين الاثنين لعدة نقاط وفاز في المحصلة ترامب. عادت نظرية المؤامرة هذه الأيام تنتشر بسرعة وتشير إلى احتمال التدخل الروسي لصالح ترامب، إذ لا يخفى على أحد أن رجلا أرعن مثل ترامب يعزز الانشقاقات الداخلية ويعزل أمريكا عن حلفائها وأصدقائها ويورطها في أكثر من أزمة وصراع ويظهرها دولة مناهضة للقانون الدولي والعمل الجماعي، أفضل بكثير للاتحاد الروسي من إدارة واعية تعرف كيف ترمم الخراب الذي تركه ترامب داخليا وخارجيا. ولذا يجب ألاّ نعول على استطلاعات الرأي كثيرا وننتظر نتيجة الانتخابات فقد نخطئ جميعا ويفوز ترامب بدورة ثانية.

  • أين الجالية العربية والإسلامية في هذه الانتخابات وهل استفادت من التطورات الحاصلة لتفرض صوتها وموقعها ؟
    -حسب استطلاع أجراه المعهد العربي الأمريكي الذي يديره السيد جيمس زغبي، هناك نحو 3.5 مليون عربي في الولايات المتحدة وضعف هذا العدد من المسلمين. لكن العرب والمسلمين تاريخيا غير متحمسين للمشاركة في الانتخابات. والمرة الوحيدة التي شاركوا فيها بكثافة في انتخابات 2008 التي فاز فيها باراك أوباما. العرب مقتنعون أن لا فرق بين المرشحين بالنسبة للقضية الأساسية المرتبطة بالحقوق الفلسطينية من جهة والتطرف الإسلامي. لكن بايدن أرسل أكثر من إشارة للعرب والمسلمين أنه سيعيد الاعتبار للمسلمين وسيلغي قرار حظر دخول رعايا خمس دول إسلامية وسيعيد تمويل السلطة الفلسطينية ووكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). كما أن العرب والفلسطينيين خاصة يعولون على تباطؤ قطارالتطبيع مع إسرائيل في حال فوزبايدن بينما يعتقدون تماما أن فوز ترامب لدورة ثانية يعني أن قطارالتطبيع سيتوقف في أكثر من عاصمة ويحمل معه مطبعون جدد من مشارق الوطن العربي ومن مغاربه.
    وحسب استطلاع الرأي المذكور، فإن نسبة العرب المنتمين للحزب الجمهوري ارتفعت من 26 % عام 2016 إلى 33 % هذا العام، وهذا يعني أن نسبة الذين أثروا في عهد ترامب قد زادوا كثيرا. لكن مقارنة بين بادين وترامب فقد بين الاستطلاع أن نسبة الذين يؤيدون بايدين تقترب من الثلثين، وقد وصلت نسبة من لديهم صورة إيجابية عن بايدن نحو 74 % مقابل 25 % يحملون صورة سلبية بينما يحمل 48 % صورة إيجابية عن ترامب مقابل 51 % يحملون صورة سلبية عنه. ويقول الاستطلاع إن 60 % من المسلمين سيصوتون لبايدن بينما سيصوت لترامب 30 % وترتفع النسبة بين الشباب إلى ثلثين لصالح بايدن و25 % لصالح ترامب.
    أهمية أصوات العرب تكمن في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وفلوريدا وأوهايو حيث يشكلون ما بين 2 إلى 5 % من الناخبين. ويمكن لهذه النسبة أن تلعب دورا حاسما في ترجيح كفة أحد المرشحين فقد تكون نسبة النجاح بعدد قليل من الأصوات كما حدث في ولاية فلوريدا في الانتخابات الماضية.
    -وماذا عن تأثير جائحة الكورونا على الانتخابات؟
    -تجري هذه الانتخابات في ظل وباء شامل أصاب نحو تسعة ملايين مواطن توفي منهم أكثر من 227 ألف أمريكي وموجة الوباء الثانية في طريقها وقد تكون أخطر من الأولى كما حذرأنتوني فاوتشي، رئيس المعهد الوطني للأمراض المعدية. الحزب الديمقراطي يضع اللوم بشكل رئيسي على الرئيس ترامب الذي سخرمن الوباء وقلل من أهميته وشجع الناس أن يستمروا في حياتهم العادية. وعندما تبين له ولغيره أن الوباء أخطر بكثيرمما حاول أن يسوقه في بدايات الأزمة عاد وألقى باللوم على الصين واعتبرها مسؤولة عن هذه الجائحة واعتبرأن منظمة الصحة العالمية متآمرة مع الصين وهو أمر لم يقتنع به أحد خارج دوائر ترامب.
    فالتعامل مع جائحة كورونا تشكل موضوعا رئيسا في الحملة الانتخابية الحالية. فبينما يعد الرئيس بتوفيراللقاح مجانا للملايين إلا أن أحدا لا يصدق هذه البشائر، كما لم يصدقوا حكاية إصابته بالوباء وتعافيه فورا، والتي حاول توظيفها لتحسين وضعه الانتخابي.
    جائحة كورونا هي المحرك الأكبر لملايين الأمريكيين للتصويت عن طريق البريد وقد يصل العدد إلى نحو نصف عدد الناخبين قبل الثالث من نوفمبر. وهو ما أثار حنق الرئيس ترامب الذي يعتبر أن فرصة التزوير أعلى عن طريق التصويت بالبريد وظل يحض أنصاره على التصويت يوم الانتخابات في الثالث من نوفمبر.
    -وهل الأوضاع الاقتصادية المتعثرة في الولايات المتحدة ستلعب دورا في توجهات الناخبين؟
    -بالتأكيد، الأوضاع الاقتصادية تاريخيا هي العامل الأهم في الانتخابات الأمريكية. فبسبب جائحة كورونا تشهد البلاد تراجعا اقتصاديا ونسبة بطالة عالية وارتفاعا حادا في نسبة الوظائف المفقودة لم يكن لها مثيل منذ الانهيار الاقتصادي العظيم عام 1929. فبعد أن انخفضت نسبة البطالة إلى أقل من 4 في المائة في الشهور التي سبقت الجائحة، ما جعل ترامب يتبجح أن الاقتصاد الأمريكي لم يكن في حال أفضل مما هو عليه خلال إدارته، عادت وارتفعت النسبة لتصل إلى أكثر من 14 في المائة في شهري مارس وأبريل وهي أعلى نسبة منذ «الانهيار الاقتصادي العظيم». لكن بعد تخفيف الإجراءات، وبتشجيع من ترامب وأنصاره وخاصة في الولايات التي يحكمها الجمهوريون، انخفضت النسبة إلى نحو8 بالمائة. وقد حاول ترامب أن يغرق الأسواق بالمحفزات المالية والقروض الميسرة وخاصة للشركات ومضاعفة الامتيازات للعاطلين عن العمل وتمديد فترة تزويدهم بالرواتب والعلاوات لمدد طويلة كي يمتص النقمة.لكن تبقى الحقيقة أن الأسواق ما زالت شبه خالية والبطالة عالية وكثير من المحال التجارية والأعمال الصغيرة أقفلت أبوابها وإلى الأبد وخسرت سوق العملة نحو22 مليون وظيفة في ذروة الأزمة تمكن السوق من استرجاع نحو 40 في المائة منها لكن ليس بالضرورة نفس الوظائف. وحسب استطلاع لـ “PEW” في منصف أوت فواحد من كل أربعة تعثر في القيام بالتزاماته المالية وواحد من كل ثلاثة اضطر أن يسحب من مدخراته وواحد من كل ستة أشخاص استدان أموالا من أقارب أو أصدقاء. لكن بعض الصناعات ضاعفت أرباحها عدة مرات مثل التجارة الألكترونية وشركات التوزيع مثل “أمازون” الذي جمع مزيدا من المليارات. لقد ارتفعت نسبة التسوق الألكتروني للحاجات اليومية من طعام وشراب ومستحضرات غسيل وغيرها بنسبة 56 بالمائة. فالاقتصاد والبطالة وزيادة الفقر من جهة ومضاعفة ثروة الأغنياء موضوع أساسي في هذه الانتخابات.
  • وماذا عن تداعيات قضية العنصرية وانتفاضة السود التي جمعت شرائح عديدة من المجتمع الأمريكي؟ كيف ستؤثر حملة «حياة السود تعنيني» في الانتخابات؟
    -تجري هذه الانتخابات في ظل موجة واسعة لمناهضة العنصرية والتمييز ضد السود أساسا وضد الأقليات والمهاجرين بشكل عام. فانطلاق حملة “حياة السود تعنيني” ما زالت منتشرة على طول البلاد وعرضها وان اختفت حدة المواجهات إلا أن الحملة التي انطلقت على إثر مقتل جورج فلويد يوم 25 ماي في مدينة مينيابوليس هزت المجتمع من جذوره ووضعت الحركة اللوم أساسا على سياسات ترامب الذي يتعامل مع الحركات العنصرية وتجمعات البيض الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض بمنتهى البرود بل والحنان ويرفض إدانتهم علما أن حوادث الإرهاب المحلي والعنف والمذابح ازدهرت في عهد ترامب بشكل واضح تماما. وفي تقرير صادر بتاريخ 4 فيفري 2020 عن “رابطة أمهات بحاجة إلى عمل” لمناهضة امتلاك السلاح الفردي جاء فيه أن مائة ألف أمريكي قتلوا بالسلاح الفردي منذ بداية إدارة ترامب. كما تميزعهده بوقوع مجازر في لاس فيغاس، وتكساس وبنسلفانيا وكارولاينا وغيرها الكثير لا مجال لمراجعتها. وقد رفض مجلس الشيوخ المسيطرعليه من الجمهوريين التوقيع على قانون اعتمد في مجلس النواب يتطلب مراجعة خلفية من يريد أن يشتري السلاح. ولا نعجب من ذلك إذا عرفنا أن «الرابطة الوطنية للبنادق” وهي أقوى مجموعة ضغط في الولايات المتحدة، قدمت لحملة ترامب الانتخابية عام 2016 مبلغ 30 مليون دولار. لقد تهافت الأمريكيون على شراء السلاح الفردي بعد انتشار وباء كورونا ليصل مجموع القطع التي بيعت بعد مارس أكثر من ثلاثة ملايين قطعة.
    نعتقد أن الغالبية الساحقة من السود والمثليين ومؤيدي حقوق الإنسان والأقليات سيصوتون لبايدن. فقد وصف ترامب المهاجرين من المكسيك بأنهم مجرمون وتجار مخدرات. فالأقليات من أمريكا اللاتينية ما عدا الكوبيين سيصوتون في غالبيتهم للمرشح الديمقراطي.




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى