من عنبر 12 في بيروت إلى ناقلة النفط صافر في اليمن

✍️ عبد الحميد صيام

وأنا أتابع انفجار ميناء بيروت المروع يوم الرابع من الشهر الحالي، تذكرت عددا من الانفجارات الأخرى التي جاءت نتيجة أخطاء إنسانية أو تقنية أو بسبب الإهمال والتصدع. وأذكر كيف اهتزت الولايات المتحدة بكاملها عندما حدث انفجار في المعمل النووي في “جزيرة الأميال الثلاثة” في ولاية بنسلفانيا عام 1979 والذي أدى إلى إخلاء مئات الألوف من السكان وترك آثارا خطيرة استمرت أعمال التنظيف للتخلص منها حتى عام 1993. أما انفجار معمل شرنوبل في جنوب أوكرانيا عام 1986 والذي اعتبر أكبر كارثة نووية ناتجة عن خطأ بشري في التصميمات وتجارب التشغيل، فقد أدى إلى كوارث متعددة في عدة بلدان بما في ذلك الموت وارتفاع نسبة السرطان وتدمير مساحات زراعية وتلويث المياه لسنوات طويلة لاحقة. والكارثة الثالثة التي تذكرتها هي تسرب البترول من ناقلة إكسون فالديز التي اصطدمت بالشعاب المرجانية عند منتصف الليل في خليج “برنس وليامز” في ولاية ألاسكا عام 1989 حيث تسرب نحو 260000 برميل لتغطي مسافة تصل إلى 1200 ميل ودائرة يصل قطرها إلى 320 ميلا وأدت إلى كوارث بيئية لا تقدر بثمن وتعتبر من أكبر كوارث تسريب النفط في تاريخ الولايات المتحدة. وهنا تذكرت اليمن والناقلة “صافر” التي ترسو لنحو ست سنوات في ميناء رأس عيسى القريب من مدينة الحديدة في اليمن والذي تسيطر عليه جماعة “أنصار الله” الحوثية.

حكاية ناقلة صافر

قامت جماعة الحوثي باحتجاز ناقلة النفط العملاقة “صافر” على بعد 7 كيلومترات قبالة ميناء رأس عيسى شمال مدينة الحديدة منذ عام 2014. توقفت الناقلة بحمولتها التي تصل إلى 1.1 مليون برميل من النفط، أي ما يزيد أربع مرات تقريباً عن كمية النفط التي تسربت في كارثة إكسون فالديز. كما أن استمرار الحرب بين التحالف الحوثي وعلي عبد الله صالح ودول التحالف منذ عام 2015 أخضع الناقلة للمعادلات السياسية وأصبح التفاوض على صيانتها أو سحبها إلى الميناء يخضع للمفاوضات والمساومات والشروط المتبادلة. وظلت متوقفة بدون صيانة طوال السنوات الست الماضية لدرجة أن الصدأ بدأ ينتشر على أجزاء مهمة منها. وقد حاولت الأمم المتحدة مرارا وتكرارا أن تفصل موضوع صيانة الناقلة عن قضايا الحرب لما في ذلك من مصلحة للجميع. وكان الحوثيون يصرون على وضع شروط إضافية مثل فك الحصار عن ميناء الحديدة وبيع كمية النفط لصالحهم. وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، إن الحوثيين عادوا وتراجعوا عن نشر فريق أممي للتقييم وعلى وصول معدات من جيبوتي قبالة الساحل اليمني في آب/أغسطس 2019 بناء على اتفاق مسبق معهم. وقال “أشعر بخيبة أمل لأن التقييم الذي تم التخطيط له منذ فترة طويلة لناقلة النفط صافر، لم يحدث. لقد عملنا بجد للتغلب على اعتراضات الحوثيين، لكن عندما أصبح من الواضح أن التقدم كان غير مرجح للغاية، كان علينا فقط إعادة الفريق إلى منازلهم”.

في يوم 27 أيار/مايو الماضي بدأت المياه تتسرب إلى غرفة المحركات في الناقلة ما أرسل إنذارا باحتمال حدوث تلف كبير في الناقلة. أبدى الحوثيون استعدادا لقبول دخول الفريق الفني الذي كان يتنظر في جيبوتي. وقبل سفرهم بساعات غيروا رأيهم، وخاصة بعد أن تمكن الغواصون من شركة صافر نفسها من إيقاف التسرب. لكن الأمم المتحدة حذرت من أن صمود السفينة لا يمكن أن يستمر لمدة طويلة.

عاد الحوثيون في الأسبوع الأول من شهر تموز/يوليو ووافقوا على استقبال الفريق الفني بدون شروط، وأعلن مارك لوكوك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، بأنه تسلم ردا مكتوبا من الحوثيين بقبول الفريق الفني للقدوم من جيبوتي خلال أسبوعين أو ثلاثة وقال إن المهمة تنقسم إلى قسمين: تقييم الأضرار أولا ثم إحضار الخبراء الفنيين للترميم. ولغاية كتابة هذا المقال لم يحصل أي تقدم يذكر.




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى