حكايات مع لصوص الشرعية يكتبها: منير الماوري (2) وزير شؤون المغتربين

✍️ منير الماوري
استكمالا للقصة التي تضمنتها الحلقة الأولى من هذه السلسلة، قررت بعد مشادتي مع مدير مكتب الرئيس تجاوزه والوصول للرئيس ذاته، وإذا استدعى الأمر تصعيد المسألة إلى أعلى سلطة في هرم الشرعية وهي سلطة نائب الرئيس الفريق علي محسن الذي يطلق عليه مؤيدوه تسمية “رئيس الرئيس”، بينما يسميه شانؤوه “حرم السفير”.
بدأت أولا بالرئيس عن طريق التواصل مع أحد أقاربه ممن تربطني بهم علاقة صداقة واحترام، فوعدني خيرا لكنه للأسف لم يذهب بالموضوع إلى الرئيس وإنما إلى الشخص ذاته المشتكى به وهو مدير مكتب الرئيس عبدالله العليمي.
وبعد حوالي أسبوع تلقيت اتصالا من رقم خاص وإذا به الصديق المشار إليه يبلغني برواية مختلفة وجديدة تأكد لي لاحقا أنها من اختراع عبدالله العليمي ذاته.
يتضمن الرد الجديد القول بأني لم استلم راتبي طوال السنوات الماضية لأن القانون لا يسمح بالازدواج الوظيفي، وأن الرئاسة اكتشفت أني أشغل وظيفة حكومية أخرى أتقاضى منها راتبا شهريا أعلى وهي وظيفة مستشار وزير المغتربين لشؤون الجاليات اليمنية في أميركا وكندا.
لمست من صوت صديقي نبرات الفرح وهو يبشرني بأن الوظيفة الأخرى راتبها أكثر من الضعف وأن المدة المحسوبة لي ستكون من تاريخ التعيين حتى يومنا هذا وبالتالي فإن الشرعية مدينة لي برواتب خمس سنوات. بمعنى سأتقاضى بأثر رجعي رواتب 60 شهرا مضروبا في 4500 دولار بإجمالي قدره 270 ألف دولار أميركي قد لا تساوي شيئا في موازنات الدول ولكن قيمتها كبيرة جدا بالنسبة للأفراد.
انتابتني نوبة من الضحك اضطرتني لمصارحة صاحب البشارة بأن هذا المبلغ المهول لا يهمني ولا أريده لأنه على الأقل لا يزال محفوظا في الخزينة العامة ولم يستلمه أحد نيابة عني حسب ما كنت أعتقد فضلا عن أني لم أمارس أي عمل استحق عليه هذا المبلغ حتى وإن كان القانون في صفي استنادا إلى قرار التعيين واستنادا إلى حقيقة أن نشوب الحرب لا يد لي فيها وأنها لا تعفي صاحب العمل أي الحكومة من دفع مستحقات الموظف طوال مدة الحرب.
أحرجني صديقي بالقول: إذا كان الأمر كذلك فلماذا تصر على استلام المبلغ الآخر من عبدالله العليمي؟ أجبته موضحا أن إصراري نابع من أن المبلغ قد تم صرفه ولم يعد في خزينة الدولة بل أصبح بيد شخص آخر ليس من حقه استلامه فضلا عن أن العضوية في الهيئة الوطنية العليا هي مهمة سياسية شبيهة بعضوية مجلس النواب أو مجلس الشورى وهما المجلسان اللذان يدفعان رواتب الأعضاء بالعملة الصعبة رغم عدم أداء الأعضاء أي عمل فيهما وحسب علمي أن جميع أعضاء الهيئة الوطنية تسلموا مستحقاتهم بمن فيهم عبدالوهاب الآنسي رغم أن لديه وظيفة أخرى يتقاضى منها راتبا كمستشار لرئيس الجمهورية.
وعلى ما يبدو فإن قريب الرئيس لم يقتنع بمبرراتي الساذجة من وجهة نظره التي تدفعني لترك المطالبة بالمبلغ الأكبر من أجل مبلغ أقل، إذ أنه بعث لي بعد يومين رسالة مستعجلة عبر الواتس يطلب مني الاتصال به على ذات الرقم، وعندما هاتفته باشرني بالقول إن العليمي مصر على أن حل مشكلتي هو بيد وزير المغتربين ولم يعد الأمر بيده.
وبعد اتصالات ومحادثات متعددة مع وزير المغتربين علوي بافقيه المقيم في القاهرة ومع زميله وزير الإعلام المقيم في الرياض معمر الإرياني (كوسيط) ومع قريب الرئيس هادي الذي استأذنته بإيراد اسمه في سياق القصة في حال قررت نشرها فثارت ثائرته ثم تحولت ثورته إلى رجاء بعدم ذكر اسمه مهما كانت الظروف لأن هناك صراعات داخل الأسرة وداخل مكتب الرئاسة، وبين الرئاسة ورئاسة الوزراء وبالتالي فإن الكشف عن اسمه سوف يلحق به الضرر بصورة مؤكدة حسب اعتقاده.
وقبل إكمال كتابة هذه المقالة وصلتني عبر الصديق ذاته معلومات كان وقعها علي صادما صادما صادما، وهي أن مبلغ الـ 270 ألف دولار التي يفترض أنه إجمالي رواتبي في وزارة شؤون المغتربين عن السنين الماضية لم يكن يورد للمالية وإنما كان يصرف بنظر الوزير المختص ويحول على شكل دفع ثلاث إلى أربع مرات في السنة إلى حساب يتصرف فيه الوزير لا يدري المصدر هل هو حساب شخصي أم حساب تابع للوزارة.
وكنت قد التقيت الوزير المختص صدفة في منزل الشيخ سلطان البركاني في القاهرة في شهر رمضان الماضي وعادت بي الذاكرة إلى حديثي معه حول وضعي الوظيفي دون أن أذكر الراتب من قريب أو بعيد فإذا به يكرر في حديثه معي عدة مرات بأنه الوزير الوحيد في الشرعية الذي يرفض صرف رواتب إلا لمن يداوم في الوزارة أو في أي ملحقية من ملحقيات شؤون المغتربين في أي سفارة من سفارات بلادنا في الخارج. ومن باب التهكم قلت له يا معالي الوزير قل لنا أنت بربك أين تداوم أنت وما هو العمل الذي تقوم به في القاهرة وتتقاضى عليه عشرة آلاف دولار شهريا إضافة إلى موازنة تشغيلية ونثريات وبدل سكن وبدلات سفر واتصالات وبدل مظهر وأنت لم تظهر إطلاقا منذ أن توليت الوزارة بترشيح من صديقك خالد بحاح؟!
كان الوزير مهذبا معي ولم يبدو عليه أي غضب من كلامي لكني لم أكن أتصور أنه هو الآخر يسرق راتبي، ولذلك فإني بعد أن اكتشفت ضياع الراتب وعدم توريده لوزارة المالية، بعثت إليه خطيا أطالبه واطالب هيئة مكافحة الفساد بالكشف عن مصير الراتب وبأي حق يستلمه نيابة عني دون توكيل مني.
هذه المطالبة أوصلتها بطريقتي الخاصة إلى مكتب نائب الرئيس الفريق علي محسن فجاءني الرد: أعد كتابة الطلب موجها للرئيس وللنائب في وقت واحد، ليس من مصلحتك أن تتجاهل الرئيس. وعملت بموجب النصيحة ولكن لا حياة لمن تنادي.
يتبع
في الحلقة المقبلة: تجارة المناصب في حكومة الشرعية