حرب إسرائيل على غزه-سلوك اسرائيل يقوض الديمقراطيات الغربيه:

أ د / دحان النجار

عرف العالم حرية الكلمة في الغرب بانها مصانة في الدساتير وفي كل القوانين كحق من حقوق الانسان لا يُمس وهذا الأمر دفع كثير من شعوب العالم تفتن بحرية الكلمة والتعبير في الغرب وتحاول تقليده في مسيرتها الإصلاحية الدستورية والحقوقية من اجل تحقيق نوع من الاستقرار الداخلي واللحاق بالركب الغربي الديمقراطي والذي قاد إلى تسارع النمو الاقتصادي والبشري .

الديمقراطيات الغربية تمثلت في التبادل السلمي للسلطات وحق الشعب في اختيار ممثليه في البرلمانات وراس الدوله التنفيذي وفي حرية التعبير والحصول على المعلومة وغيرها من الحقوق ، وكان الكثيرون في الغرب يرون في اسرائيل دولة ديمقراطية تتمتع بكل هذه القيم الديمقراطية في وسط لا ديمقراطي ولذلك وجب دعم ديمقراطيتها متناسيين بذلك احتلالها للأراضي العربية واهمها الأراضي الفلسطينية وتأكيدها على يهودية دولتها وهو الأمر الذي يتناقض مع اسس الديمقراطية التي تعتبر التمييز العرقي ظاهره منافيه للديمقراطية بل ومدانة .
تعرضت الديمقراطيات الغربية لكثير من النقد بسبب تأييدها لدوله تقوم على اساس عنصري بحجة ان الوسط المحيط بها ليس ديمقراطي وفي الحقيقة ان الغرب الذي يشعر بالذنب تجاه تصرفاته السابقه والتمييز ضد اليهود في اوروبا بالذات وحيث اُرتكبت المحارق بحقهم يريد ان يغفر عن ذنبه بتأييد كل ما تقدم عليه اسرائيل من اجراءات في دولتها وفي محيطها .
في اطار الصراع العالمي على النفوذ والثروة ، هذا التاييد الغربي للسلوك الإسرائيلي في فلسطين وما حولها قد يكون مبرر الى حدا ما ولو انه وضع دعاة حقوق الانسان في الحكومات الغربية في موقع حرج نتيجة كيلهم بمكيالين تجاه قضايا حقوق الانسان والاحتلال والتمييز العنصري في الشرق الاوسط تحت علامة استفهام كبيره وما يبرر فرض ذلك فعليا هي القوة بكل مكوناتها وسلوكيات بعض الجماعات والحكومات اللاديمقراطية في المنطقة .
اثناء حرب إسرائيل على غزه وارتكابها اباده جماعيه بحق الفلسطينيين المدنيين العزل ادى هذا إلى صحوة ضمير لدى الكثير من شعوب العالم التي كان الإعلام يظللها في السابق وبالذات في الغرب ويعود الفضل في ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل الاخبار على طبيعتها بعيدا عن مقص الرقيب الاعلامي الرسمي الذي يتصرف بشكل مخالف لحرية الكلمة عندما يمس الأمر اسرائيل.
لم تكتفي وسائل الاعلام الرسمية بعدم نقل اخبار المجازر والاباده الجماعية والرد المفرط على احداث ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ م إلى شعوبها والسكوت عن الاحتلال الذي هو سبب المشكلة بل اتجهت بعض او معظم الحكومات الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية إلى حجب وسائل التواصل الاجتماعي والتضييق على الناشطين بطلب من إسرائيل خوفا من إظهار الحقيقة للشعوب .
تقييد حسابات الناشطين وحجب بعض المواقع الإعلامية في وسائل التواصل الاجتماعي وتجريم المظاهرات المؤيده للفلسطينيين وإجبار المؤسسات الاكاديمية على التضييق على منتسبيها وطلابها في ظاهره لا ديمقراطية لم يسبق لها مثيل في التضييق على حرية الرأي والكلمة والحصول على المعلومة والتعبير عن الموقف ولصق كل تصرف لا ديمقراطي بمعاداة السامية التي لم يكن للفلسطينيين فيها لا ناقة ولا جمل وكذلك شعوب الشرق الأوسط التي تنتمي الى السامية ايضا ولم تكن لديها اي مشكله مع اليهود بل كانت الملجاء الآمن لهم عند التمييز ضدهم في أوروبا .
التماهي مع الطلبات الاسرائيلية في التضييق على حرية الكلمة والرأي والحصول الحر على المعلومة يقود إلى تقويض الديمقراطيات الغربية التي كانت إلى الأمس القريب تمثل النموذج الأعلى لشعوب العالم الثالث المتعطشة الى الحرية والديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة وشكل لها صدمة ستقود الى عدم الثقة بدعوات الغرب حول احترام حقوق الإنسان فيها التي يطلقها دائما.
الاسواء من ذلك ان الشعوب الغربية نفسها اكتشفت من خلال هذا التضييق عليها وعلى انسياب المعلومة والتعبير عن الرأي ان ديمقراطيتها على المحك وان الكيل بمكيالين تجاه الاباده الجماعيه والتمييز العنصري وإدانتها ان صدرت من طرف معين وتبريرها ان كانت من حليف كاسرائيل كل ذلك جعل قطاعات واسعه منها في حالة عدم ثقه من حكوماتها التي لا تعير راي محكمة العدل الدوليه ولا الامم المتحده ومنظماتها الانسانية والمنظمات الحقوقية والإنسانية المدنية في العالم اي اهتمام .
ان لم تصحح الحكومات الغربية وبعض حكومات العالم الديمقراطية موقفها من المجازر والاباده الجماعيه والتجويع والترحيل للمدنيين الذي تمارسه اسرائيل بحق الفلسطينيين فان ذلك سيقود إلى انهيار قيمي في مجتمعاتها وعدم ثقه بين الحاكم والمحكوم بالإضافة إلى تعزيز مواقف الدكتاتوريات عالميا بعد ان ضعفت او تلاشت ثقة شعوب بلدان العالم الثالث بقيم الديمقراطيات الغربية ذات الوجهين.
والسؤال هنا هل ستتم عملية مراجعه شاملة للضرر الذي الحقه التماهي مع السلوك الاسرائيلي في الديمقراطيات الغربية؟ الجواب يظل مفتوح على كل الاحتمالات لكن الواضح هو ان الثقة في سلوكيات الحكومات الديمقراطية قد اهتزت.
د. دحان النجار ميشجان ٢٣ مارس ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى