حرب إسرائيل على غزه-تسير الرياح بما لا تشتهيه السفن:

أ د / دحان النجار

حكومات نتانياهو المتعاقبه بما فيها الحالية وتحالفاتها المتطرفه كان هدفها واضح وهو ان حل الدولتين مستحيل والاستيطان مستمر في الضفة الغربية والمتطرفين اليهود جاهزين للانقضاض على الأقصى ولمهاجمة الفلسطينيين بالسلاح في القرى والمدن بهدف تضييق الخناق عليهم والاستيلاء على ارضهم ومن ثم الترحيل وكذلك محاصرة قطاع غزه والانقضاض على السلطة هناك وبسط يد اسرائيل على البر والبحر بكل ثرواتهما المكتشفة والكامنة وربما تسهيل انشاء قناة مائية جديده بديله لقناة السويس وباختصار القضاء على القضية الفلسطينية وحل الدولتين وفرض الأمر الواقع.

بعد احداث ٧ اكتوبر ٢٠٢٣م والتي أظهرت نقاط ضعف الجيش والمخابرات الاسرائيلية وضعت حكومة نتانياهو مدعومة بحلفائها الدوليين هدف القضاء النهائي على حماس سياسيا وعسكريا واعادة احتلال غزه والاستيطان فيها وترحيل سكانها في معركة قد لا تتجاوز الشهرين.
المعركة إلى الان في نهاية شهرها السادس والمقاومة المسلحة لا زالت تهاجم وتقود حرب عصابات فعالة الأمر الذي اقنع اطراف مؤيده لإسرائيل على المستوى الدولي وقطاعات واسعه فيها بان القضاء على المقاومة امر مستحيل مهما كانت أساليب الاباده الجماعية مرعبه ومهما فُرض التجويع والحصار .
محاولات حكومة نتانياهو اخراج المعركة إلى المستوى الاقليمي لم يجد تجاوب أمريكي بل على ما يبدو انً هناك تفاهمات من وراء الكواليس بين الولايات المتحدة وايران ومحور المقاومة لتجنب تلك الحرب التي ستكلف امريكاء والمنطقة الكثير من النتائج السلبية وخاصة في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتغيير في الرأي العام الغربي بما فيه الأمريكي المناهض لتصرفات اسرائيل المفرطة والموغلة بحق الفلسطينيين والتي تناقض كل الأعراف والقوانين الإنسانية الدولية التي تجاهلتها إسرائيل واستهانت بها الأمر الذي قاد الى تشويه صورتها وصورة حلفائها دوليا وامام الرأي العام فيها.
الهجوم الإسرائيلي على قوافل الاغاثة الإنسانية المتكرره وبالذات قتل المتعمد الذي طال عمال الاغاثة التابعين للمطبخ الدولي الإنساني والهجوم على قنصلية ايران في دمشق كل ذلك جعل حلفاء اسرائيل يشعرون بانها تجرهم إلى مربعات من الصراع مكرهين ولا يرغبون بها الأمر الذي انعكس سلبا على حكومة نتانياهو ويقال بان هناك محادثات سريع بين ايران والولايات المتحدة بموجبه لا تقدم ايران على رد واسع كما هددت مقابل ان تفرض امريكاء وقف اطلاق النار في غزه وتحريك ملف الأسرى وعودة اللاجئين إلى وسط وشمال القطاع وعدم دخول محافظة رفح وادخال المساعدات الانسانية بشكل مكثف ومتواصل من المعابر البرية والبحرية. ايضاً عدم شن اسرائيل هجوم واسع ضد الاراضي اللبنانية .
إسرائيل نفسها لن تكون قادره على شن حرب اطول مما عملت في غزه وفي الشمال حيث ان ربع سكانها مشردين وانتاجها الزراعي والصناعي يعاني من انخفاظ كبير وكذلك سوق الاسهم وإفراغ المؤسسات من موظفيها من اجل اداء خدمة الاحتياط في الجيش كل ذلك له نتائج سلبية على الاقتصاد وهناك الضغط الشعبي من قبل اسر الأسرى والمختطفين وكما اشرنا في مقال الأمس ان الضفة الغربية وأراضي ٤٨ تقف على صفيح ساخن وانفجارها الشامل مرتقب ، أضف إلى ذلك جبهة البحر الأحمر والجبهة الشرقية التي تهاجم مصالح إسرائيل وأراضيها والحقت خسائر كبيره ليس فقط في الاقتصاد الإسرائيلي بل وفي الاقتصاد العالمي الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة إلى ان تاخذ زمام المبادره من يد حكومة نتانياهو جزئياوتعمل بشكل شبه مباشرة من اجل انجاح مفاوضات الاسرى والمختطفين ووقف اطلاق النار وادخال المساعدات ووقف عملية رفح وهو ما انعكس اليوم مباشره في تصريحات اعضاء حكومة ناتانياهو.
وكنتيجة للضغط نتانياهو اعطاء صلاحيات واسعه للوفد المفاوض في القاهره من اجل اطلاق سراح الاسرى والمختطفين ويصرح بان الهدف هو منع الحؤول دون مهاجمة حماس لاسرائيل ووزير دفاعه يصرح بسحب قواته العسكريه من خان يونس ولكنه لا زال يلوح بدخول رفح واعتقد بان ذلك تبرير للانسحاب الجزئي من غزه اي ان هدف اجتثاث حماس بكل قواها اصبح امر غير قابل للتطبيق ومن المتوقع ان تتم تنازلات اخرى في الهدف من اعادة احتلال القطاع وتنشيط الاستيطان فيه وادارته بشكل مباشر من اسرائيل وحلفائها المحتملين من الفلسطينيين.
اسرائيل داخليا هي اليوم اضعف من اي وقت مضى ونزيفها البشري والاقتصادي مستمر وتماسكها الداخلي لم يعد كما كان وصورتها الدولية تشوهت كثيرا تحت قيادة حكومة نتانياهو المتطرفه الأمر الذي سيضع حد للتطرف القائم والانتقال إلى وضع اكثر اعتدال يستطيع ترميم ما افسده نتانياهو وحلفائه المتشددين.
أسطورة القوة المفرطة لم تجدي في هذه المعركة والعقيده العسكرية الاسرائيلية المعتادة لم تكن فعاله لا في القضاء على المقاومة الفلسطينية ولا في المواجهة الاقليمية حيث ان عناصر المقاومة الحديثة من وراء الحدود اثبتت قدرتها على اختراق منظومات الدفاع المعروفه بالقبة الحديدية ومقلاع داوود وعليه لابد لإسرائيل من استعادة النفس في وقف الحرب كي يتسنى لها الأمر اعادة ترتيب وصياغة استراتيجيتها الدفاعيه والهجومية واعداد خطط جديده بمساعدة حلفائها الذين يتعهدون دائما بالحفاظ على امنها وتفوقها الاقليمي في آن واحد.
بالرغم من استخدام القوة المفرطة في غزه والضفة اسرائيل فقدت أسطورتها في فرض ما تريد بل انها عمليا انتقلت من الهجوم إلى الدفاع وهي اليوم محاطة بقوى مقاومة تستطيع ان تلحق فيها الاذى في ظاهرة لم تكن متوقعه لا منها ولا من حلفائها واصبحت اليوم على المحك والمطبعين معها في الاقليم على ألمحك ايضا حيث ان ما توقعوه من توفير الامن بواسطة التنسيق الامني والعسكري معها وكذلك انشاء الناتو الشرق الاوسطي لم يعد مصدر آمان لهم بل عبىء عليهم وتطورات الاحداث في الايام القادمة سوف توضح الكثير من مآلات الوضع في غزه وداخل اسرائيل وحولها ، لكن الثابت هو ان حكومة نتانياهو خاسرة بلا محالة فكل سهامها التي رمتها في غزة وفي الشمال عادت مصوبه اليها.
د. دحان النجار ميشجان ٨ أبريل ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى