حرب إسرائيل على غزة ولبنان – كيف سيعيد حزب الله تموضعه؟

أ د / دحان النجار

الهجوم الاسرائيلي على قوات حزب الله ولبنان كان من العنف والتدمير اقوى بكثير من اي هجوم سابق ليس فقط من حيث القدرة التدميرية بل من حيث التقنية واستخدام الأسلحة الذكية وكذلك العمل الاستخباراتي الدقيق الغير مسبوقا، على الارض أبدت صمودا غير مسبوقا جعل احد اكبر جيوش العالم يتعثر لمدة ٥٧ يوما في شريط حدودي ضيق واستنفد معظم ذخائره الاستراتيجية بالرغم من المدد المتواصل من الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء الغربيين الآخرين ، فقط الولايات المتحدة الأمريكية خصصت مساعدات بقيمة ١٨ مليار دولار .

اكيد ان حزب الله تلقى ضربات موجعة ومؤثرة في قياداته العلياء وهياكله التنظيمية العسكرية وتدمير غير مسبوق لمناطق حواضنه الشعبية وهو الأمر الذي اثر على مستوى ادائه السياسي والعسكري بالرغم من انه هدد العمق الإسرائيلي وهو الأمر الذي لم يقوم به أي جيش عربي في السابق بل ان إسرائيل في حرب حزيران ١٩٦٧ تمكنت من تدمير الجيوش العربية واحتلت قطاع غزه وسينا والضفة الغربية ومرتفعات الجولان خلال ٦ ايام وبأقل الخسائر. وفي العام ١٩٨٢ وصل الجيش الإسرائيلي إلى العاصمة بيروت خلال ايام معدودة ولم ينكسر بعد ذلك إلا مع مقاومة حزب الله التي أدت إلى القضاء على دويلة حداد في الشريط الحدودي وانسحاب الجيش الاسرائيلي وتعثر دخوله مرة أخرى إلى لبنان في حرب ٢٠٠٦ وفي الحرب الحالية.
لكن الفارق في التسليح وبالذات في سلاح الجو والوسائل التدميرية العالية التأثير كل ذلك عرض الحزب وحواضنه الى ضربات شديدة والتهديد بتوسعت الهجوم على كل لبنان وبنيته التحتية والضغط الدولي بشان تنفيذ القرار ١٧٠١ كل ذلك شكل ضغطا عليه الأمر الذي جعله ينكفىء الى الداخل ويقبل بتسوية عكست ميزان القوى على الارض لم يكن يتوقعها. اتفاق وقف إطلاق النار الحالي انطلق من محتوى القرار ١٧٠١ الصادر عقب حرب ٢٠٠٦ والذي نص على عودة حزب الله إلى شمال الليطاني وتسليم السلاح بحيث تكون الدولة هي المالك الحصري للسلاح واستخدامة واستيراده وتصنيعه وتفكيك المليشيات. حينها حزب الله قبل بالقرار وملحقاته لكن التنفيذ لم يتم بسبب ان الجانب الاسرائيلي لم ينفذ التزاماته كاملة حسب القرار وظلت هذه الحالة تراوح مكانها حتى اللحظة حيث اعيدت المطالبة بتنفيذ القرار وملحقاته بل وتمت اضافة بعض الشروط اليه مثل تدمير التحصينات ووضع رقابة شديدة ودقيقة على التنفيذ وتوسيع منطقة التخلي إلى بعض القرى في شمال الليطاني .
في الوقت الراهن الحزب لم يكن يقود حرب واحدة في الجنوب اللبناني بل يقود ايضا حرب في سوريا منذ اندلاع الحرب الاهلية في البلد عام ٢٠١١ الذي يشكل له خلفية جيوسياسية لا يمكن التحرك بدونها. قدم الحزب الكثير من التضحيات البشرية والمادية في سوريا من اجل دعم نظام الرئيس الاسد وتمكن من تحقيق تقدمات ملموسة حافظة على النظام من السقوط اولا وثانيا استعادة الكثير من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة بما في ذلك محافظة حلب الاستراتيجية المهمة.
وبسبب حاجة حزب الله إلى استعادة مقاتليه إلى الداخل لمواجهة الهجوم الإسرائيلي ضُعفت الجبهة الداخلية السورية وهو الأمر الذي رصدته المخابرات الأجنبية وتم تحفيز المعارضة السورية على استغلال فرصة الضعف الذي اعترى الجيش السوري والفراغ الذي تركوه مقاتلي الحزب وذلك من اجل إعادة احتلال حلب وهو الأمر الذي تحقق يوم امس ال ٢٩ من نوفمبر حيث وصلت قوات المعارضة إلى مركز المدين واحتمال إعلان اكتمال السيطرة عليها خلال الساعات القادمة ان لم يتمكن الجيش السوري من صد الهجوم الذي قد يتسع الى محافظة الرقة وغيرها من المناطق. وربما حزب الله سيعود ليوجه جزء من مقاتليه إلى الجبهة السورية كي لايفقد حاضنته الجيوسياسية في سوريا. ضعف حزب الله يقود إلى اضعاف سوريا وايران حيث ان المعركة التي كان يقوم بها نيابة عنهم انتقلت وسوف تستمر في الانتقال إلى عقر دارهم كما هو مخطط لها.
الجناح العسكري للحزب في لبنان امام خيارات صعبة واستحقاقات غير مسبوقة متمثلة بتخليه عن سلاحه ومواقعه في الجنوب وعن استيراد السلاح وتصنيعه فاما ان يسلم بالآمر وينتهي دوره كمقاومة مسلحة واكبر الخاسرين سوريا وايران واما ان يقاوم هذا الامر ويصطدم مع الداخل اللبناني والدفع الدولي بهذا الاتجاه وهو الامر الذي قد يقود إلى حرب لبنانية أهلية بينه وبين الجيش وبين الفصائل الاخرى. بعد حزب الله ستكون الاهداف القادمة سوريا واليمن والعراق والضفة الغربية وفي نهاية المطاف ايران نفسها وهي المطلوب رقم واحد.
لا أتوقع ان حزب الله سوف يسلم سلاحه ويحل اجهزته العسكرية بكل سهولة إلا إذا تم دمجهم بالجيش اللبناني وبوضعية خاصة تضمن وجود الحزب في المعادلة الوطنية الامنية والسياسية. لكن لا اعتقد ان ايران وسوريا سوف يدعمان خطوة كهذه إلا إذا كانت هناك صفقة سرية بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية تضمن فيها الأخيرة عدم مهاجمة ايران وبرنامجها النووي أو ان الضعف قد بلغ منتهاه عند ايران ولم تعد هناك من حيله لمواجهة الأمر الواقع ، اما لو كان الامر غير ذلك فسيكون وقف اطلاق النار مع اسرائيل بداية لدوامة جديدة من الصراع في لبنان.
د. دحان النجار
القاهرة ٢٠٢٤/١١/٣٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى