الغزو والارهاب صناعة امبريالية ( 2 )

✍️ عبدالجبار الحاج

حيثما خطا الاوروبيون مشى الموت في ركابهم الى اهل البلاد التي يجتاحونها … داروين

حروب الإبادة الجماعية

تنوعت حروب الابادة الجماعية ضد الهنود الحمر بما في ذلك واكثرها توحشا حروب نقل الاوبئة بوسائل مختلفة وأمراض لاحصر لها في إطار الحرب الجرثومية ضد سكان أمريكا الاصليين ؛ من الجدري والطاعون والخانق والملاريا وغيرها فضلا من حروب الأسلحة المتفوقة في مقابل بدائية أدوات الدفاع البدائية لسكان امريكا بعد غزوات كولمبوس .

حتى انهم ينسبون هذه الابادة بالأوبئة بوصفها في نظرهم نعمة الله فتجد مئات النصوص المتكررة من مثل :
( ان هذه الاوبئة نعمة أرسلها الله لتطهير الارض التي اعطاها لشعبه ) .

ان داروين نفسه في رحلته الاسطورية على متن السفينة ( بيجل ) الى كثير من بقاع أمريكا وعدد من الجزر والمجاهل التي سبقته اليها سفن الغزاة لاحظ هذا التلازم بين ظهور العامل الطبيعي والاحتياجات الاوروبية وكتب في مذكرات رحلته ملاحظة لاتقل اهمية عن نظريته في ( الانتخاب الطبيعي ) فقال انه :

( حيثما خطا الاوروبيون مشى الموت في ركابهم الى اهل البلاد .. ) التي يجتاحونها ..

لاحظ سيمبسون في مقدمة كتابة عن دور الأمراض في التاريخ الامريكي ان الانكليز لم يجتاحوا امريكا بفضل عبقريتهم العسكرية او دوافعهم الدينية او طموحاتهم او وحشيتهم بل بسبب حربهم الجرثومية التي لم يعرف لها تاريخ الانسانية ..

لك ان تقس فضاعة القانون الدولي بمقياسهم لا بمقياس العدالة التي تتخيل فهذا نموذج من نماذج العدالة الامبريالية والنص لأحد مؤسسي القانون الدولي ؛ ( الامريكي ) هوغو غروتيوس يعتبر :

( اكثر الحروب عدالة هي الحرب ضد الحيوانات المتوحشة ثم الحرب ضد الناس الذين هم على شاكلتها .) !!

المتوحشة = يقصد بها سكان امريكا الاصليين ( الهنود الحمر ) والتوحش صفة تطلق على كل من يقاوم الغزاة ويرفض استيلاء الغير على ارضه وثروته مهما كانت أدوات مقاومته بدائية .

( كتب جورج واشنطن عام 1783 ان التوسع في مستوطناتنا سيجعل المتوحشون يتراجعون تدريجيا وكذلك الذئاب فكلاهما طرائد للصيد مع انهم مختلفون شكلا )ص 40

والمتوحشون = (هي ذاتها الصفة التي تتكرر هنا في خطاب كل المؤسسين في السياسة والقانون وحتى علماء الاجتماع إذ كان الغزاة الاروبيون يطلقونها على سكان امريكا الأصليين

( واعتبر واشنطن وهو اول رئيس للولايات المتحدة 1789 / 1797 شراء اراضي الهنود بالتهديد والاحتيال دائما اقل كلفة من العنف )ص 40

اما توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة والكاتب الرئيسي للدستور اذ كان وزيرا للخارجية ثم نائبا لجون آدامز الرئيس الثاني للولايات المتحدة .. وهو والد جون كوينسي آدامز الرئيس السادس لامريكا يقول :

( ان القبائل المتوحشة على الحدود سوف تتردى في البؤس والبربربة وتتناقص عددا بسبب الحروب والفاقة وسنكون مضطرين لسوقهم الى الجبال الصخرية مع وحوش الغابات )

وسينطبق الامر على كندا بعد غزوها الذي تخيله ( بينما تتم إزاحة السود الى افريقيا او الكاريبي بحيث تبقى البلاد بدون اختلاط او شوائب )
ص 40

كان الزعيم الهندي تشيسكباك يتولى المفاوضات وقد دشنها الانجليز بدعوته هو وأسرته وحاشيته لشرب الانخاب تعبيرا عن الصداقة الخالدة وكانت انخاب الصداقة كالعادة مسمومة طرحت الزعيم ارضا تحت اقدام الانكليز ..

تأكيدا على ما ذهبنا اليه في حقيقة الارقام عن ابادة السكان الاصلين مطلع المقال تتفق كثير من الدراسات والابحاث ومنها احد المراكز الامريكية العلمية الرسمية التي أنشئت مؤخرا ففي نتائج البحث الذي اعتمدت فيه معايير أثرية علمية فان عدد السكان الاصليين في امريكا الشمالية وحدها اي ( الولايات المتحدة الامريكية ) إبان الغزوات الأوربية في القرنين السادس والسابع عشر كان يتفاوت ما بين 55000،000 الى 6000،000 / مليون اذا كان هذا الرقم هو عدد السكان قبل الغزو فان عددهم اليوم وفق ادنى نسبة نمو سيبلغ 250 مليون نسمة .. لم يبقى منهم اليوم الا خمسة ملايين فقط .

وقبل ان اواصل تناول جرائم الامبريالية العالمية وفي مقدمتها جرائم الولايات المتحدة في حق السكان الاصليين وإبادتها في امريكا الشمالية الولايات المتحدة الامريكية وكندا وفي الجنوبية (اللاتينية )
وفي الحلقة الثالثة ساتناول واحدة من جرائم الاتجار بالبشر وهي تجارة العبيد على ان تجارة البشر هنا لها مجالاتها المتعددة ومنها تجارة الجنس وتجارة الاعضاء وكلها جرائم ضد الانسانية كلها من ابتكار الانظمة الامبريالية …..

…………

أكمل هذه الحلقة بتعليق سريع حول ما حدث في امريكا عام 2020 .

وتعليقي باقتضاب شديد هو :

واهم من يحاول ان يرسم مسار ومظاهر غضب الشعب الامريكي وهو نفسه المثقل بمظالم الامبريالية الرأسمالية المتوحشة وعنصرية الطبقة الحاكمة واهم من يحاول ان يرسم المسار الى حيث يريد بحيث لا يتجاوز مد الشعب الغاضب حدود نهاية كل سباق الانتخابي بين منظومة الحكم بشعاريها الحمار والفيل وحزبيها الديمقراطي والجمهوري حيث يريده مسارا لا يتجاوز حدود النتائج التي قررها المجمع الانتخابي او قل مجالس صناعة القرار خلف مزعوم صندوق الديقراطية الامريكية

ولن يفلح من يحاول تحويل الحدث عن مساره الى توظيف يحاول تسطيح الازمة الفتاكة بنظام امريكت في مجرد بطاقات اقتراع تعيد انتاج الرأسمالية .. اذا لم يكن في القريب العاجل فالزمن في عمر التحولات التاريخية له تقديره الخاص بها .

……….

……

***) المرجع = الفقرات المستشهد بها في المقال وموضوعة بين قوسين ورقم الصفحة في المصدر من كتاب ( امريكا وحروب الابادات الجماعية ) للكاتب منير العكش .

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى