السياسة .. فن الممكن ..!!

✍إبراهيم ناصر الجرفي ..

 

 

السياسة لها تعاريف كثيرة ومتعددة ، لكن التعريف الأكثر تداولاً ، والمتعارف عليه ، هو تعريفها بأنها ( فن الممكن ) ، وهذا التعريف هو المعنى الحقيقي للدهاء والذكاء السياسي ، وبُعد النظر ، والقراءة السليمة للأحداث والواقع والمتغيرات السياسية على كل المستويات الداخلية والإقليمية والدولية ، والقدرة على اختيار افضل الحلول الممكنة والمتاحة ، في ظل المعطيات القائمة ، وهذا التعريف هو عكس غير الممكن ، والفهم الضيق ، والرؤية القاصرة ، الناتجة عن الغباء والحماقة والتصلب والتشدد ، وسوء الفهم ، والقراءة الخاطئة للمعطيات المتاحة .!!

لكن ….
من يلاحظ القائمين على السلطة في اليمن ، وهم يخوضون غمار المعترك السياسي ، وغمار الأزمة الطاحنة التي يمر بها الوطن اليوم ، بسبب الحرب ، سوف يتبين له على الفور بأن تصرفاتهم ، وأداؤهم السياسي ، وتحركاتهم السياسية ، توحي بأنهم يفهمون معنى السياسة ، بشكل مختلف تماماً عن معناها الحقيقي ، فالسياسة من وجهة نظرهم ، هي ( فن المستحيل ) أو ( فن غير الممكن ) ..!!

لأن من يتابع تحركات وتصرفات هؤلاء الساسة ، سواء خلال جولات المفاوضات ، أو خلال إدارتهم لشئون الحكم ، أو خلال تعاطيهم مع المبادرات المطروحة لحل الأزمة اليمنية ، سوف يصاب بالاحباط واليأس ، لأن كل مفاوضاتهم وحواراتهم تدور في حلقة مفرغة ، وكأن كل طرف منهم ، يستخدم قدراته ومهاراته السياسية ، من أجل صناعة كل العقبات الكفيلة بإيصال المساعي والمبادرات المطروحة ، إلى طريق مسدود ، وكأنهم في مباراة ، الفائز فيها هو الذي يصنع المزيد من العقبات والعراقيل ، الفائز فيها هو الذي يقود تلك المساعي والمبادرات إلى الفشل ..!!

ومن شدة حرص هذه الأطراف على صناعة العراقيل والعقبات ، أمام أي فرصة لحل الأزمة ، أصبحت فرص حل الأزمة اليمنية ، شبه معدومة نتيجة تعنت هذه الأطراف ، ومساعيها الحثيثة لإفشال كل الحلول والمبادرات السلمية ، وكأن هذه الأطراف السياسية ، تتفاوض وتتحاور على أمور ذات علاقة بشعب مترف وفي غاية الرفاهية ، وهم يتفاوضون ويتنافسون فيما بينهم ، على تقديم المزيد من الرفاهية والترف لهذا الشعب ، والحقيقة عكس ذلك تماماً ، فهذه الأطراف تتفاوض وتتحاور على مصير شعب محطم ، وفي غاية الإنهاك والفقر ، شعب بات الخوف والموت والقتل والجوع يحاصره من كل مكان ، وبات شبح كارثة إنسانية تحيط به من كل جانب ..!!

وكأن هذه الأطراف قد فهمت السياسة ، بأنها فن المستحيل وفن غير الممكن ، ولم تفهمها بأنها فن الممكن ، وهناك فرق شاسع بين الممكن ، وبين غير الممكن ، بين الممكن والمستحيل ، ونتيجة الفهم الخاطئ لمعنى السياسة ، من الأطراف السياسية اليمنية الحاكمة ، ها هم قد أوصلوا الشعب اليمني ، إلى أوضاع ومآسي وظروف ، من غير الممكن تحملها والصبر عليها ، وأوصلوا الأزمة اليمنية إلى مراحل معقدة جداً ، بات من الصعوبة بمكان حلها ، والخروج منها بالطرق السلمية والتفاوضية ..!!

لكنهم ….
لو فهموا السياسة على حقيقتها ، وأنها فن الممكن ، لما أوصلوا الشعب إلى هذه المآسي ، ولما وصلوا بالأزمة اليمنية إلى هذه المراحل المعقدة ، ولكانوا بحثوا عن الحلول الممكنة للأزمة ، منذ بداياتها ، وقبلوا بتلك الحلول ، وإن لم تكن جميعها تحقق أهدافهم الكاملة ، وابتعدوا عن اشتراط الحلول المستحيلة ، التي تحقق أهدافهم السياسية والشخصية ، وأطماعهم السلطوية ..!!

طبعاً …..
الحلول الممكنة ، هي الحلول التي تهتم بالمصالح العليا للوطن ، وتهتم بمعاناة الشعب ، أما الحلول المستحيلة فهي الحلول التي تهتم بالمصالح الشخصية والحزبية والسلطوية والمناطقية ، لهذا الطرف أو ذاك ..!!

وطالما …..
أن حلول الأزمة اليمنية ، قد أصبحت صعبة ومعقدة ، ولم يتم التوافق عليها ، فذلك يؤكد لنا بأن الأطراف السياسية المتفاوضة ، تهتم خلال المفاوضات بمصالحها الشخصية والحزبية والسلطوية ، أكثر من اهتمامها بالمصالح العليا للوطن ، لأن المصالح العليا للوطن ، واضحة وضوح الشمس والجميع يعرفها ، ولا خلاف حولها ، والخلاف دائماً يكون حول المصالح الشخصية ، والحزبية ، والسلطوية ..!!

ولو أن أطراف السلطة في اليمن ، قد فهموا معنى السياسة جيداً ، لعملوا على الخروج من الأزمة الراهنة ، بكل الطرق والوسائل الممكنة ، وبأقل الخسائر الممكنة ، وسعوا إلى إنقاذ الشعب اليمني من القتل والدمار والخراب ، حتى وٱن لم يحققوا جميع أهدافهم ومصالحهم الشخصية والحزبية والسلطوية ، منطلقين من معنى السياسة نفسها ، والمتمثل بأن ما هو اليوم غير ممكن ، قد يكون في المستقبل القريب ممكناً ، وما لم يحصلوا عليه اليوم ، قد نيحصلوا عليه غداً ، وما لم يحصلوا عليه بالحرب ، قد يحصلوا عليه بالسلام ، وعدو اليوم قد يكون صديق الغد ، وصديق اليوم قد يكون عدو الغد ، وهكذا ، لأن السياسة المادية لا ثوابت فيها ، فهي متبدلة ومتغيرة وفقاً للمتغيرات والمصالح ، وبتغير الزمان والمكان ..!!

ومن هذا المنطلق فإن المفاوضات بين الفرقاء اليمنيين لن تنجح ، إلا عندما يقدم المتحاورون المصالح العليا للوطن على مصالحهم الحزبية والشخصية ، وعندما يضعون أول أولوياتهم إنقاذ الشعب اليمني من القتل والجوع والمرض ، وإنقاذ الوطن من الدمار والخراب ، وعندما يجعلوا من أول أولوياتهم إخراج الوطن من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة ، وعندما يقبلوا بأقرب الحلول الممكنة والمتاحة ، وعندما يقدموا بعض التنازلات فيما يتعلق بمصالحهم الشخصية والحزبية والسلطوية ، وعندما يدرك المتحاورون أن ما هو اليوم غير ممكناً ، قد يكون قريباً ممكناً ، وما لم يحصلوا عليه اليوم ، قد يحصلوا عليه غداً ، وما لم يحصلوا عليه بالحرب ، قد يحصلوا عليه بالسلام …!!!!

لذلك ……
على أبناء الشعب اليمني أن يدركوا حقيقة مهمة جداً ، قد يكونوا غافلين عنها ، وهي أن فشل المتحاورون في الوصول الى حلول سلمية ، هو النتيجة المنطقية لتقديمهم مصالحهم الحزبية والشخصية على المصالح العليا للوطن ، وليس حرصاً منهم على الوطن ومصالح الوطن ، كما يحاولون أن يفهمونا ذلك من باب التضليل والخداع ، فمصالح الوطن واضحة ، ولا خلاف حولها ، وتتمثل في الوقف الفوري للحرب ، وتحقيق السلام ، وصولاً إلى شراكة وطنية حقيقية ، خلال فترة إنتقالية مزمنة ، تمهيداً للوصول إلى استحقاق انتخابي نزيه وحر ، يكون فيه الرأي للشعب اليمني لإختيار من يريده حاكماً له ، فالوطن ملك الجميع ، وليس ملكاً لهذا الطرف أو ذاك ، وليس حكراً على هذا الطرف أو ذاك ، والشعب هو صاحب السلطة ومصدرها ، يمنحها من يريد عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة ..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى