الحوثيون وذكرى سبتمبر خوف من الذاكرة الجمهورية

بقلم / هيثم جسار
تتجدد كل عام ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962، الثورة التي أسقطت الحكم الإمامي وأعلنت ميلاد الجمهورية في اليمن. هذه المناسبة لم تعد مجرد ذكرى تاريخية؛ بل غدت ميدانًا للصراع الرمزي والسياسي بين مشروعين متناقضين: مشروع الدولة الجمهورية، ومشروع الحوثيين الذين يرون في إحياء سبتمبر تحديًا لسلطتهم وهيمنتهم.
حملة اعتقالات واسعة
مع اقتراب الذكرى الأخيرة، شنت جماعة الحوثي المصنفة ارهاببة حملة مداهمات واعتقالات شملت المئات من المواطنين، ووفق مصادر حقوقية وإعلامية فإن عدد المختطفين تجاوز الألف شخص. استُهدف ناشطون، شباب رفعوا العلم الجمهوري، وحتى مواطنون عبّروا عن فرحتهم بالثورة على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الأرقام، مهما اختلفت دقتها، تكشف سياسة ممنهجة تقوم على قمع أي تعبير عن الهوية الجمهورية.
دلالات سياسية
خوف من الرمزية: الثورة ليست سلاحًا عسكريًا، لكنها رمز يذكّر اليمنيين بأن الجمهورية هي البديل الطبيعي للإمامة. وهذا ما تخشاه الجماعة أكثر من المعارك.
ضعف الثقة بالنفس: لو كان الحوثي واثقًا من سيطرته المجتمعية، لما احتاج إلى قمع أي صوت مختلف.
صراع على الشرعية: في وعي اليمنيين، الشرعية ليست مجرد اعتراف دولي، بل جذور ممتدة في الذاكرة الوطنية، وثورة سبتمبر واحدة من أبرز هذه الجذور.
التداعيات الداخلية
تنامي النقمة الشعبية: كلما ضيّقت الجماعة على الناس، زاد الاحتقان الداخلي.
تعميق الانقسام: بدلاً من كسب ولاءات جديدة، تصنع هذه الممارسات حالة من الاستقطاب الحاد بين مؤيدين بالقوة ورافضين بالصمت أو المقاومة.
التداعيات الخارجية
ملف حقوقي متضخم: الاعتقالات الجماعية تُضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي تضع الحوثيين تحت مجهر المنظمات الدولية.
ضغط على فرص التسوية: كيف يمكن التوصل إلى حل سياسي بينما الجماعة لا تسمح حتى باحتفال رمزي؟
انعكاس إعلامي سلبي: مشاهد القمع والاختطاف تضعف أي محاولة لتسويق الحوثيين كقوة سياسية طبيعية يمكن التعايش معها.
حملة اختطاف أكثر من ألف شخص ليست مجرد إجراء أمني؛ إنها بيان سياسي من الحوثيين بأنهم يخشون الذاكرة أكثر من السلاح. فالذاكرة الجمهورية تعني أن اليمنيين ما زالوا يحملون في وجدانهم إرث سبتمبر، وأن مشروع الإمامة، مهما تجمل بالشعارات، سيظل غريبًا في وعي شعب ذاق طعم الجمهورية.