الحرب الروسية الاوكرانية-هل أطلق الرئيس ترامب عليها رصاصة الرحمة؟

أ د / دحان النجار
بالرغم من الهالة الإعلامية التي يثيرها الرئيس دونالد ترامب حول استخدام التفوق الأمريكي في العالم والعصاء الغليظة التي يلوح بها في وجه الجميع من اجل تحقيق برنامجه الانتخابي “جعل أمريكا عظيمة مرة اخرى” عن طريق فرض القوة بمختلف مكوناتها وتهديداته جنوبا وشمالا وشرقا وغربا إلا انه في الاخير يريد تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية باقل الخسائر وسوف يخمد حروبا مستعصية ويفرض السلام في البؤر المتوترة بالضغط السياسي والعقوبات الاقتصادية والتهديد بالقوة.
ليستا أوكرانيا وروسيا من يبحثا عن مخرج من هذه الحرب المدمرة التي اصبحت مستنقعا عميقا تعثر فيه البلدان وقتل فيها الملايين من العسكريين والمدنيين وأهدرت الامكانيات المادية وتدمرت مدن ومنشآت اقتصادية وخدمية بل وفرضت حُزم من العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية في ظاهرة لا سابق لها ،بل امريكا وأوروبا ايضا بحاجة إلى منقذ من هذا المستنقع الذي استنفد أسلحتهم وذخائرهم وخزائنهم وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على التنمية والحياة المعيشية للشعوب.
ايضاً الرئيس ترامب يريد اغلاق ملف الحرب الروسية الاوكرانية التي تسببت في تمتين تحالف روسيا والصين بدرجه رئيسية ومعهما ايران من اجل تفكيك او اضعاف تحالفهم هذا وتحييد مواقف الصين وروسيا من ملف ايران النووي تمهيدا لضربها او إجبارها على توقيع اتفاق نووي مريح للولايات المتحدة وكذلك ابعاد روسيا عن حلفاء ايران في المنطقة العربية وأفريقيا وهي خطوة ذكية قد تتجاوب معها روسيا من اجل الخروج من مأزقها في أوكرانيا ومن مستنقع العقوبات الشاملة والحفاظ على مكاسبها في شرق البلاد.
وهناك احتمالات بان روسيا قدمت تنازلات في سوريا من اجل المقايضة في الملف الاوكراني .
الرئيس الاميركي دونالد ترامب يرجح لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السعودية من اجل صنع السلام في أوكرانيا لان السعودية تحتل مكانة ذات ثقل عالمي وصديق مقرب للجمهوريين وحليف قوي وواعدة بشراء منتجات مدنية وعسكرية وخدمية من الولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ تريليون دولار كما صرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ولذلك تشكل اهمية قصوى للرئيس ترامب ومن ناحية ثانية السعودية تتمتع بعلاقات جيده مع كل من روسيا واوكرانيا بالإضافة إلى انها غير مًقعه على ميثاق محكمة العدل الدولية التي أصدرت امراً باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، لقاء كهذا يعني تغيير كبير في الوضع العالمي والاقليمي. من المحتمل انه سيعمل على تضييق الخناق على ايران من اجل ان تستسلم في الملف النووي وسيتم لجم اسرائيل من التهور في المواجهة العسكرية معها وستكون روسيا عامل مساعد بذلك مقابل ما تجنيه في الملف الاوكراني.
من الواضح ان الرئيس ترامب لا يحب أعمال سلفه بايدن في قضايا كثيرة داخلية وخارجية ومنها دعم الًولايات المتحدة اللامحدود لأوكرانيا في حربها مع روسيا، فهو يؤكد دائما انه لوكان في البيت الأبيض حينها لما حصل الهجوم الروسي على أوكرانيا كيف كان سيمنع ذلك من الحدوث لا توجد أجابه معينة هل عن طريق التلويح بالقوة ؟ هل عن طريق استغلال علاقاته الشخصية مع الرئيس بوتين؟ لا توجد اجابة محددة لكنه من الواضح سيضع حدا لها وسيقدم الطرفان تنازلات جوهرية من اجل ايقافها ومطالبته لأوكرانيا تسديد الاموال التي أنفقتها الولايات المتحدة على حربها مع روسيا وهي تقدر ب ٣٠٠ مليار دولار يمكن تحصيلها عن طريق الحصول على المعادن النادرة منها هي ورقة ضغط جدية من اجل ان تقبل بوقف هذه الحرب وتقديم التنازلات.
ومن الواضح ان الرئيس دونالد ترامب (في اكثر من تصريح لوسائل الاعلام ) ووزير دفاعه ( في اجتماع حلف الناتو في بروكسل ١٣ فبراير) أشاروا إلى التنازلات الاوكرانية ومن اهمها عدم امكانية العودة إلى حدود ما قبل ٢٠١٤، لكن لم تصدر منهما اي اشارة حول التنازلات التي سوف تقدمها روسيا لأوكرانيا إلا انه يُفهم من إشارتهما الى حدود ٢٠١٤ ان الولايات المتحدة ربما تطلب من بوتين الانسحاب من الأراضي التي احتلها منذ بداية الحرب الحالية في فبراير ٢٠٢٢.
بالنسبة لجزيرة القرم الامر محسوم فهي تابعة لروسيا ولكن هناك مشكلة اجزاء اقاليم الدونباس -لوجانسك ودونيتسك الذين اعلنا استقلالهما عن كييف عام ٢٠١٤ على مساحات محدودة من اراضي الاقليمين، فاحتمال ان تكون ضمن الصفقة التي سوف يقترحها الجانب الأمريكي اي تبقى تحت السيادة الروسية ،اما الأجزاء التي احتلتها روسيا في الحرب الحالية من الإقليمين بالإضافة إلى إقليمي زاباروجيه وخيرسون وهي ذات كثافة ملحوظة من الناطقين بالروسية قد تطرح مسالة الانسحاب منها كما أُشير انفاً لكن لا اعتقد ان موسكو سوف تتنازل عنها ومن المحتمل ان تنال حكما ذاتياموسعا في اطار اوكرانيا وإشراف روسي على سلامة الناطقين بالروسية في احسن الحالات.
الرئيس ترامب يعمل على اخراج امريكا من المستنقع الاوكراني لكن بمظهر القوي الفاعل الذي يحافظ على هيبة بلاده كقائد للنظام العالمي القائم ويبدو ان الولايات المتحدة الأمريكية قد شكلت فريقها لقيادة المفاوضات بين روسيا واوكرانيا وهو ما اشار اليه وزير الدفاع بأن وزير الخارجية ومستشار مجلس الامن القومي ومسؤل المخابرات هم من سيقود المفاوضات في هذه القضية.
قد يكون الرئيس ترامب يريد ممارسة سياسة الاحتواء تجاه روسيا وابعاد ها عن الصين تمهيدا للمواجهة الاستراتيجية معها كونها القوة الاقتصادية الناهضة التي تشكل منافس فعلي للولايات المتحدة الأمريكية في قيادة العالم مستقبلا لان الصين تعتبر المنافس الفعلي الصاعد اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وعلميا .
المواجهة الحقيقية سوف تكون مع الصين وهذا ما اكده وزير الدفاع الأمريكي في اجتماع الناتو في بروكسل اليوم الخميس ١٣فبراير انه يجب الاستعداد لمواجهة الصين الشيوعية والتركيز على الردع في المحيط الهادىء الذي تتحمل مسؤليته بدرجة رئيسية الولايات المتحدة .
وطالب وزير الدفاع الأمريكي من اعضاء الناتو رفع الانفاق على ميزانياتهم الدفاعية إلى ٥٪ من ميزانيتها من اجل تعزيز الدفاع الجماعي والذاتيّ للأمن الأوروبي حيث هناك فقط دولة وحيده هي بولندا تنفق ٥٪ وان على أروبا حماية امنها. والأوروبيون الان في موقف محرج فيما يخص الحرب في أوكرانيا فاما الاستمرار في دعمها منفردين او الانسجام مع الموقف الأمريكي واكيد انهم سيختارون التوافق مع الموقف الأمريكي الداعي إلى إيقاف الحرب لان استمرار الحرب في أوكرانيا بدون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية لن تحقق نصرا على روسيا .
أوكرانيا تحتل اراضي في اقليم كورسك وسوف تستخدمها للمقايضة في المحادثات القادمة إذا لم تتمكن القوات الروسية من استعادتها قبل الاعلان عن وقف اطلاق النار المحتمل .
هناك وفد أمريكي يتجه إلى ميونخ لحضور مؤتمر الامن الاوروبي والذي سوف ينعقد غدا ١٤ فبراير ويستمر إلى ١٦ وسوف يناقش الحرب الروسية الاوكرانية من اجل التهيئة لوقف اطلاق النار قبل لقاء الرئيسين ترامب وبوتين .
الخلاصة الحرب الروسية الاوكرانية اوشكت على التوقف من دون حل جذري للمشكلة وروسيا سوف تخرج رافعة راية الانتصار حتى وان كانت تئن من وقع العقوبات الشاملة عليها وكذلك حاجتها إلى اعادة بناء جيشها الذي اظهر ركاكة في هذه الحرب والرئيس دونالد ترامب يظهر صاحب الفضل في ايقافها ، اما أوكرانيا فسوف تدفع الثمن بجزء من أراضيها وإمكانياتها المادية كتعويض للحلفاء مع ضمانات امنية محدودة بعيدا عن تحقيق هدفها المؤكد عليه دستوريا قبل هذه الحرب في الانضمام إلى عضوية الناتو التي تبخرت على الاقل في مرحلة رئاسة ترامب.
اوروبا هي الأخرى الخاسرة في هذه الحرب لانها لم تظم أوكرانيا اليها ولم تستطيع مساعدتها على استعادة أراضيها المحتلة وهزيمة روسيا بالاضافة إلى خسارتها مصالحها الاقتصادية مع روسيا التي كانت توفر لها الطاقة بأسعار تفضيلية.
متانت التحالف الروسي الصيني الكوري الإيراني ستكون تحت علامة استفهام بعد التقارب الأمريكي الروسي وكما كانت أوكرانيا على وشك تفجير العالم بكاملة ها هي الان مصدر للمقايضات والتهدئة ولو الى حين حتى تعود جولة اخرى من الصراع على اراضيها مستقبلا.
د.دحان النجار ميتشجان ١٣ فبراير ٢٠٢٥