الحرب الروسية الاوكرانية – بوتين لم يلتقط الفرصة تماما وزيلينسكي يستعيد انفاسة

أ د / دحان النجار
الرئيس ترامب كان جادا في ايقاف الحرب الروسية الاوكرانية وضغط بكل قوة على كييف ومن ورائها الدول الأوروبية الداعمة لها من اجل الوصول إلى وقف لاطلاق النار سريع لكن المتغيرات التي حصلت في منطقة الشرق الاوسط وبالذات سقوط نظام الاسد الحليف القوي لروسيا الغير متوقع وهزيمة حزب الله في لبنان الحليف الرئيسي لايران وهي المتحالفة مع روسيا والتي زودتها بالمسيرات في حربها مع أوكرانيا كل ذلك قاد الى تغيير تدريجي في موقف الرئيس ترامب تجاه وقف الحرب الروسية الاوكرانية أضف الى ذلك ان الولايات المتحدة حصلت على ما تريد في اتفاقياتها مع الجانب الاوكراني فيما يخص التعويضات والمعادن النادرة.
الولايات المتحدة تضغط بشدة على ايران من اجل الحد من برنامجها النووي الذي قد يقود الى وصولها إلى انتاج القنبلة النووية وهذا الضغط يتمثل بالتهديد العسكري المباشر وبما ان ايران على تحالف مع روسيا ولابد ان ترد الأخيرة الجميل مقابل خدماتها لها في حربها مع أوكرانيا ولان البلدان وقعا اتفاقية دفاع مشترك كان لابد من التروي و عدم الهرولة نحو فكرة الإيقاف السريع للحرب الروسية الاوكرانية كي تبقى روسيا مشغولة فيها وعدم قدرتها على تقديم الدعم العسكري والسياسي الكافي لايران امام الضغط الامريكي عليها واي مواجهة مسلحة محتملة معها.
روسياء ارادت تحقيق انتصارات سريعة على الارض قبل الدخول في مفاوضات وقف اطلاق النار وحاولت الاستيلاء على اراضي جديده في اقاليم خاركيف وسومي شمال شرق أوكرانيا بحجة ايجاد حزام امني يحمي أراضيها في اقليمي كورسك وبريانسك لكنها في نفس الوقت تعثرت في اكمال سيطرتها على باقي اراضي اقاليم لوغانسك ودونيتسك وزاباروجية في الدونباس الذين يعتبرون الهدف الرئيس للعملية العسكرية الحالية “كما يسونها الروس” بعد الهزيمة العسكرية التي تلقونها حول العاصمة كييف في بداية الحرب في فبراير ٢٠٢٢.
روسيا تعتمد على القوة المفرطة في حربها مع أوكرانيا مستخدمة قدراتها الصاروخية والجوية الهائلة والنوعية والتي عززتها باعداد هائلة من المسيرات التي زاد إنتاجها محليا بالإضافة الى سلاح الدروع على الارض وتقوم بضرب البنية التحتية الاوكرانية العسكرية والمدنية المرتبطة بها وخطوط الامداد ومخازن الأسلحة وهو أسلوب هجوم روسي معتاد منذ بداية الحرب لكن الجانب الاوكراني قد تعود عليه وابتكر وسائل دفاع وتخفي مناسبة وكما يبدو ان العمل الاستخباراتي الروسي داخل أوكرانيا لم يكن بذلك المستوى العميق المتوقع .
اما الجانب الاوكراني فقد اعتمد أسلوب الدفاع عن طريق مهاجمة العدو في خطوط الامداد وفي المراكز العسكرية والسياسية الحساسة مثل مهاجمة القواعد العسكرية الاستراتيجية في العمق الروسي ومهاجمة الكرملين نفسه وجناح الرئيس بوتين بالذات وكذلك القيام بعمليات اغتيال لشخصيات إعلامية وعسكرية وسياسية في العاصمة موسكو وفي مدينة بيترسبورغ على سبيل المثال ناهيك عن مهاجمة مراكز حيوية في الجنوب الروسي والقوقاز وفي العمق.
الرئيس ترامب ضغط كثيرا على نظيره الاوكراني من اجل وقف إطلاق النار وكان يتوقع تجاوبا روسيا سريعا ويكون هو بطل هذا الموقف وله من ورائه اهدافا سياسية استراتيجية لكن هذا لا يعني ان الولايات المتحدة سترفع يدها عن القضية الاوكرانية تماما لصالح الرئيس بوتين لان المسالة قضية اعتبارية لها ولحلف الناتو وانه لا يمكن اهداء الرئيس بوتين نصرا مطلقا يغير من موازين القوى الاستراتيجية في اوروبا والعالم .
أوكرانيا استمرت تقاوم حتى اثناء التراخي بل والضغط الامريكي وكانت الدول الأوروبية اعضاء الناتو اكثر دعما لها في هذه اللحظات العصيبة فوقفت معها بشدة كي تعوض ذلك التراخي الامريكي الذي ما لبث ان تضائل امام تلكؤ الرئيس بوتين في التجاوب السريع مع فكرة الرئيس ترامب حول ايقاف الحرب في اسرع وقت ممكن.
برغم خسارة أوكرانيا مؤخرا لبعض البلدات في اقاليم خاركيف وسومي وبعض قرى اقليم دونيتسك وبالرغم من الضربات الروسية المكثفة على العاصمة كييف وغيرها حيث وصلت إلى ٤٧٩ ضربه مسيرة وصاروخية يومنا هذا اليوم الاول من يونيو ٢٠٢٥ قبيل بدء محادثات السلام في تركيا يوم غد إلا انها استعادة انفاسها ونفذت عمليات نوعية في العمق الروسي مستخدمة ناقلات تسللت واطلقت المسيرات الإنتحارية عن قرب وهو دليل على توغل استخباراتي مهم وربما تم بمساعدة الأقمار الصناعية لحلف الناتو حيث كان اهمها الهجوم اليوم الاحد على اربعة مطارات عسكرية واهمها مطار عسكري في اقليم مورمانسك في أقصى الشمال الروسي بالقرب من الحدود الفنلندية تربض فيها القاذفات الإستراتيجية وادت حسب تصريحات المخابرات الاوكرانية إلى تدمير وتضرر ٤١ طائرة وهو ما يمثل اختراق نوعي خطير افقد روسيا فرحتها بالاستيلاء على بعض البلدات وتدمير بعض البناء التحتية ومخازن الأسلحة وغيرها في العمق الاوكراني، ترافق ذلك مع تفجير قطار الامداد في مدينة ميليتوبول وقطار آخر في اقليم بريانسك وهي عمليات نوعية تعزز موقف أوكرانيا التفاوضي في تركيا و مؤشر على عودة الدعم الأمريكي بشكل او بآخر اقلها في الجانب الاستخباراتي وخاصة بعد غضب الرئيس ترامب من تفاعل الرئيس بوتين البارد مع مقترحاته لوقف الحرب.
في الاسبوع الماضي تمكن الجانب الاوكراني من تهديد مروحية الرئيس الروسي بوتين نفسه لولا انه نجاء منها لكنها كانت ضربة استخباراتية نوعية قبل ان تكون عسكرية لان رصد حركته تعني اختراق امني خطير حققته المخابرات الاوكرانية بالتعاون مع مخابرات الحلفاء في الناتو وهي رسالة قويه للرئيس بوتين مفادها اننا نستطيع الوصول اليك عندما يقتضي الامر ذلك .
من المتوقع ان ترد روسيا بضربات قوية اليوم وغدا وفي الايام الاولى للمحادثات التي لا نعلم كم ستطول كي تعيد اعتبارها بعد اختراقات اليوم النوعية من قبل الجانب الاوكراني لكن قد تحصل عمليات خرق اخرى في العمق الروسي قبيل هذه المحادثات ايضا من اجل فرض توازن نسبي فيها، أوكرانيا الان في وضع افضل من وضعها في الايام الاولى لرئاسة ترامب الذي كان يضغط عليها بشدة لتقديم تنازلات من اجل وقف الحرب لانه قد تراجع عن ذلك الاندفاع بل وعبر عن عدم رضاه بما يقوم به الرئيس بوتين في هذا السياق بل وهدّد بفرض عقوبات جديده عليه حتى يقبل بوقف لإطلاق النار .
كما قيل في مقالات سابقة هذه الحرب هي حرب استنزافية للبلدين المنتصر فيها سبخرج مترنح سياسيا واقتصاديا وعسكريا والمهزوم سيبقى حيا وليس منفردا في الميدان وسوف يستمر الطرفان يعدان لجولات قادمة من الصراع والمواجهة.
د. دحان النجار ميشجان الاول من يونيو ٢٠٢٥.