التنمر وضحايا الإنتحار والإنترنت

كتبت | سحر علوان ..

التنمر كما عرفه علماء النفس هو سلوك عدواني ( جسماني مادي/ أو معنوي نفسي) وهو استخدام القوة أو التخويف من أجل فرض الهيمنة والسيطرة على الآخرين ويمكن لأي سلوك عدواني أن يصنف بأنه تنمر عندما تحكمه ثلاثة معايير ( أن يكون الاعتداء متعمد، ومتكرر، وأن يكون هناك تفاوت بين المعتدي والضحية في القوة المادية ( الجسمانية) أو المعنوية النفسية. انتشرت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في المدارس وبين الطلاب لفترات متفاوتة وتحديدا في 2008 قدرت نسبة هذه الظاهرة بين الطلاب في المدارس السعودية بمعدل 31,5%. الانترنت والفضاء الإلكتروني قوتان مذهلتان وبلا شك تغيرت طريقة التواصل كثيراً في العقود الأخيرة ولهذا كان لهذه الظاهرة اهتمام ملحوظ وبحثنا فيه وأدركنا أن هذه هي البداية فقط! وأن شيئاً ما قد بدأ يحدث.. عندما بدأنا نتعرف على الطبيعة الكاملة لهذا التغير التقني والثقافي سرعان ما أدركنا أننا ربما كنا غير مستعدين أو ربما ساذجين! إذا كنا نرفض السلوك خارج الانترنت فكيف لنا بتقبله داخل الانترنت؟! في المرحلة الابتدائية أو الاعدادية لابد وان أحدنا صادفنا تنمر من أحدا ما لكننا على الأقل واجهنا ذلك وجها لوجه ونعرف تماما ميول وشخصية الذي جعل منا ضحايا تنمر وكان الجاني بدوره يشعر بالشجاعة .. معظم الصغار لا يتحدثون مع عائلاتهم إن واجهوا تنمر او مضايقة من أي صنف أو جهة او شخص سواء كان صديق أو قريب أو شخص مجهول، وهذا بدوره يضاعف من أزمة هذه الظاهرة وقد يؤدي إلى الانتحار في كثير من الحالات التي سجلتها مراكز الشرطة وعملت على التحقق من الأسباب والخيوط النفسية التي أدت لإنهاء حياة بعض المراهقين والشباب نتيجة تعرضهم لتنمر ما، وكان الانتحار طريقهم الأخير. بحسب دراسة حديثة يعرف 15% من الآباء والأمهات ما واجهه أطفالهم وابنائهم من تنمر سواء في نطاق المدارس أو عبر شبكات الانترنت ووسائل التواصل الحديثة. ظهر التنمر عبر الانترنت بداية بالبريد الإلكتروني والرسائل الفورية وغرف الدردشة والمدونات ووسائل التواصل مثل فيس بوك Facebook وماي سبيس MySpace، وما زالت في تطور وتسارع ملحوظ .. للتنمر الجسدي آثار قد تشفى بسرعة كالكدمات والرضوض والجروح، لكن التنمر النفسي قد ينتج هموماً وتشوه عميق يحمله الشخص على المدى البعيد الإكتئاب والتوتر والقلق ظواهر عالية ترافق الشخص الضحية والجاني بآن واحد على المدى الطويل التنمر عبر الانترنت يتم بنشر رسائل مهينه عن الضحية بالرغم من أن المضايقة عبر الانترنت تحدث على مسافة بعيده من ( الجاني المتنمر) والضحية ولا يمكنها إحداث ضرر جسدي ولكن أدواتها كثيرة ومتزايدة. وللتنمر عبر الانترنت نمط خاص به وبحسب الدراسات هذه الأنماط تتوسع بشكل كبير ومن خلال البيانات تم اكتشاف الكيفية المتكررة ومع نقص النضوج إن ضحية اليوم ستتعرض للمضايقة مراراً وتكراراً ودون توقف . عندما يتعرض الاشخاص للتنمر فعادة ما يميلون للرفض نفسياً وعاطفياً وأكاديمياً ويعانون مشاكل في السلوك وحينها علينا التدخل كمجتمع واعي للتقبل ودراسة الظاهرة وعلاجها بأقل الأضرار النفسية للوصول إلى التوازن النفسي. من السهل جداً التنمر عبر الإنترنت سواء للأشخاص أو القضايا الاجتماعية كون وسائل التواصل أصبحت متاحه للجميع ودون أي قيود او قوانين أخلاقية رادعه وكون الأجهزة والتطبيقات متاحه للجميع صغاراً وكباراً مراهقين وشباب ومسنين كذلك، اشخاص واعيين وغير ذلك مثقفين وغير ذلك .. تشير الدراسات للدور الكبير للمتفرجين القابعين وراء الشاشات بصمت أو من يساهمون في هذه المضايقات كونهم متفرجين، يملك المتفرجون القدرة على الوصول لمئات الآلاف والمتفرجون عادة ما يتحولون هم أنفسهم إلى متنمرين وبدورهم قد تزيد رسالة التنمر المليئة بالكراهية او يتبنونها بدون وعي وادراك منهم سواء أنهم متفرجون صامتين وناقلين للرسالة المليئة بالتنمر. في العالم المادي قد يقول لك أحدهم (أنت أحمق) يقولها في وجهك ويمكنك أن ترد، لكن في عالم الانترنت قد يكون الأشخاص مجهولين مثل هذه العبارة لا تعتبر رسالة واحده موجهه للضحية وإنما تعتبر رسالة موجهه لمئات الضحايا الذين يتعرضون بشكل تلقائي لها ومتكرر وبكل سهولة. العالم الافتراضي الأقرب للواقع حديثاً هو ما شجع الناس قول وفعل اشياء قد لا يتمكنون من قولها وفعلها للشخص وجها لوجه وهذا ما فتح الباب للتنمر عبر الانترنت. شبكات ووسائل التواصل قد تمكن في بعض الأحيان انتهاج سلوك لا يمكن تقبله خارج الانترنت، وكذلك تمنح الأشخاص الشجاعة خلف لوحة المفاتيح وتمكنهم من ارتكاب اشياء لا يستطيعون قولها بطريقة أخرى الا عبر التنمر في منصات الإنترنت المتعددة. ومثل هذه الشجاعة الزائفة أدت إلى جرح المشاعر واختلال السلوك العاطفي المتوازن لدى الأشخاص أو المجتمعات في الأوساط الواقعية وكما قالت توني ما ير يمكن للنتائج أن تكون أكثر خطورة مستقبلاً. قال أحد الباحثين هناك شخصيات تمتلك كل مقومات النجاح والحياة المتوازنة ولكن هذه الشخصيات قد تتعرض للتنمر بطريقة ما، ولبعض النشاطات المعادية( سوآءا الجسدية أو النفسية عبر الكلمات المسيئة) وهذا سيء جداً وهذه مشكلة كبرى من عدة زوايا تؤدي بدورها للانتحار بشكل ملحوظ،. تأملنا قليلاً لماذا لا توجد مؤسسات في المجتمع سواء في المدرسة او دور العبادة او في أي مكان آخر لمراقبة سلوكيات المجتمع ولدعم من يحتاج الدعم النفسي والمعنوي والتواجد لخدمة الناس بحيث تتمكن هذه الشخصيات ( الضحايا) من معرفة أنهم اشخاص محبوبين ولا يتأثرون بكلمات معاديه لهم تصلهم عبر الأنترنت ما وجدناه في الدراسات أنهم يشعرون بالوحدة والحاجة للانتباه والتأثير والثقة بالنفس لذا هم ينجذبون للإنترنت لعمل صداقات أو إنجاز مهام يصعب عليهم توازنها على أرض الواقع. وهم بحاجة لمن يقول لهم أنهم بخير ومحبوبين وهذا الذي قد يفتقدوه الكثير من عائلاتهم ومحيطهم الذي يفتقر للاهتمام بهم واشيائهم وعواطفهم والمشاكل التي يوجهونها والتي قد تكون صغيرة ولكن كونهم وحيدين يرون بأنها أكبر من قدراتهم. تقول (دونا رايس هوغز) خبيرة الحماية عبر الانترنت: 43% من الأشخاص في الانترنت يتعرضون للتنمر أو شاركوا فيه بطريقة ما يقول( تشاك فانس) عميل خاص سابق في المخابرات: لا أعتقد أن الأمر سيتحسن قط، أعتقد أنه سيسوء أكثر في المستقبل قبل أن يتوصل أحدهم إلى حل ما ووضع نهاية لها الأمر(التنمر). لطالما كانت المدارس والجامعات بنيه خصبة للتنمر وهذا الأمر ينطبق الآن على الأنترنت قد يسأل البعض كيف يمكن مواجهة هذا ؟ هل التنمر عبر الإنترنت موضوع جدي؟ قد يقول البعض أن التنمر قد يكون السبب الرئيس في انتحار الكثير من المراهقين والشباب خاصة في الدول الغربية كون ( استقلال الشباب يبدأ من سن 18 وهذا الذي يجعلهم بعيدين عن الجو العائلي والاحتواء) اكثر من الدول العربية يقول صامويل رودويفر مدير مدرسة ثانوية التنمر عدو من الأعداء الجدد، وأكثر ما أخشاه أن الطلاب يقتنعون بأننا لا نستمع إليهم. كون تعرضهم للتنمر اصبح يحدث خارج اسوار المدرسة، وإنما في غرفهم المغلقة عبر الانترنت. إن هذا الأمر اصبح شائعاً ومعروفاً وناقشناه، ولأننا لا نجد حلولاً حتى الآن لهذا نحن بحاجة ماسه لتدخل الأهالي واحتوائهم لأبنائهم ومراقبتهم لما يتعرضون له عبر الانترنت .. وأن ثقة الأشخاص وعدم اهتزاز ثقتهم بأنفسهم يبدأ من ثقة العائلة وتنشئة الأطفال بأنهم أكبر من الكلمات الموجهة لهم في حال تعرضوا لتنمر ما، وهذا ما سيقلل من انتشار هذه الظاهرة وحصرها في قوسين ( سلوك وأخلاق)

11|7|2020م صنعاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى