“يوم خارج المألوف”

 

✍️بقلم :زعفران علي المهنا

لم نرتب للقاء، لكنه جاء كهدية من السماء.

في زحمة الحياة، عندما يكون كل شيء مرتبكا، تفاجئنا الصدفة بلحظة دفء تشبه حضنا نحتاجه بشدة. التقيتها من غير ميعاد، وقررت أن تخطفني من عالمي ليوم كامل. لم أقاوم. لوهلة، ارتبكت. أنا امرأة مشغولة، يطاردني الوقت وتنهكني المسؤوليات التي اصبحت عبء على قلبي . لكن ابتسامتها، والاسم الخاص لديها لي ، فقد اسمتني “زينة”، كسرا ترددي، كأنني كنت أنتظر هذا الخروج منذ زمن.

شربنا قهوتنا على مهل. فالقهوة، كما الحياة، لا ترتشف على عجل. فيها من الذكريات ما يشبه العمر الجميل الذي نشتاقه. اتفقنا أن نكسر المألوف، أن نعيش هذا اليوم بعيدا عن التكرار، عن الروتين، عن الثقل الذي يضغط على القلب.

صلينا الظهر في منزلها. هناك حيث الدفء، كان لديها إصرار على استضافة “أصغر زهراتي” – كما قالت وهي تضحك بحب، فهي حامل، وتحلم أن تترك لحفيدي بصمة من الفرح في قلب جدته قبل أن يأتي.

ابتسمت وقلبي امتلأ فرح حين تطرقت لحفيدي المنتظر . فعللت أنا أعرف عشقك لاحفادك من خلال إبتسامتك

ذهبنا للغداء. كانت ابنتي برفقتنا. نظرت إلي بدهشة وقالت: “ماما، لك كثير ما ضحكتي كذا!” أجبتها وأنا أنظر في وجه صديقتي: “ومن يجلس مع الدكتورة الجامعة ولا يتسلل الفرح إليه؟”

غنينا في السيارة على صوت أبو بكر سالم. ضحكنا على الذكريات القديمة، تلك التي رافقتنا مع صوته في اسفارنا من الحديدة إلى عدن، من إب إلى تعز كل أغنيةلابو بكر ابواصيل وشمس الأصيل حكايه لايمكن أن تمحى في ذاكرة الكون

لكن الحكاية لم تنتهِ عند الغداء والضحك.

كان الجزء الأجمل في المساء. حدثتني عن “نادي التنس اليمني”، وعن أصدقائها الأطفال، عن بطولتهم القادمة خارج اليمن، عن أحلامهم الصغيرة التي تتحدى الواقع الكبير.

كلما قالت “خارج اليمن”، سافرت روحي بعيدا، حتى أعادتني وهي تردد: “زينة، زينة، فين رحتي؟”

انتظرنا الساعة الثامنة كمن ينتظر الميلاد. وصلت إلى هناك، إلى حيث الضوء في ملعب صغير يشبه الوطن، وكان هناك طفلان توأم، موهوبان، يحملان الحلم كأنهما جناحا فراشة. والدهما خلفهما، يشجعهما، يزرع في خطواتهما ثقة رجل مؤمن بأن اليمن قادرة أن تنجب من ينافس العالم.

اقتربت من والدهم، صافحني وقال: “الدكتورة تقول زينة، وقلت سبحان الله… محمد متى كبرت محمد؟ متى تزوجت؟ متى صار لك أطفال؟”

قالها والحنين في صوته، وأنا أكتم دهشتي. الأم طبيبة أطفال، الأب صاحب رسالة، والطفلان حلمان صغيران في ميدان كبيرتعريف يحمل في طياته روايه

حدثوني عن تأهلهم في صنعاء، عن استعدادهم للبطولة، عن حلمهم أن يمثلوا اليمن. ثم بحزن خافت قالوا: “يومها طلعنا قبل ما يضرب الصاروخ قريب منا هناك …”
كم تمنيت في تلك اللحظة أن تمحى هذه الجملة من ذاكرة كل طفل يمني.

لا نريد لأطفال الغد أن يتحدثوا عن الخوف، عن الموت، عن القصف، عن النجاة.

نريدهم أن يتحدثوا عن الأمل، عن التدريب، عن الميداليات، عن السفر، عن الحياة.

خاتمة:

في زمن يتكسر فيه الفرح تحت أقدام الحرب، يبقى اللقاء الإنساني هو ما يمنحنا فرصة للبقاء، فرصة للتنفس، فرصة لنحب اليمن من خلال طفلين يتدربان على التنس، وصديقة تزرع الفرح في طريقك، وابتسامة حفيد لم يولد بعد.

الحياة ليست ما نعيشه كل يوم…
الحياة، أحيانًا، هي ما نمنحه لبعضنا في لحظة صدق.
اسم الطفلين الموهوبين
ريان محمد شرف
ورؤى محمد شرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى