الحوثي يقصف إسرائيل من جديد… فهل يرمي بآخر أوراقه في نار اليمن؟

✍️ هيثم جسار
في خطوةٍ جديدة لا تخلو من ضجيج سياسي أكثر من كونها فعلًا عسكريًا مؤثرًا، أعلن الحوثيون مجددًا عن استهداف إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، في إطار ما يُسمّى بـنصرة غزة أو الرد على العدوان لكن خلف هذا المشهد الاستعراضي، يختبئ مشهد داخلي مأساوي يدفع ثمنه اليمنيون دون غيرهم.
لقد باتت جماعة الحوثي تتخذ من الملف الفلسطيني مظلةً لتبرير كل تصعيد خارجي يبعد الأنظار عن جرائمها وانتهاكاتها المستمرة في الداخل اليمني. لا أحد ينكر أن فلسطين قضية الأمة، ولكن حين تتحول إلى ورقة لشرعنة سلوك ميليشياوي مدمر، فإن ذلك يسيء أولًا لفلسطين ذاتها، ويزج باليمن في صراعاتٍ إقليمية لا يملك لها قرارًا ولا مصلحة.
قصفٌ بلا تأثير… وضجيجٌ بمخاطر جسيمة
في واقع الأمر، لا يُشكّل الحوثي تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل من الناحية العسكرية. فما بين المسافة الجغرافية، وقدرات الرصد والدفاع الجوي المتقدمة، وما بين ضعف القدرات التقنية للحوثيين، تبقى هذه الهجمات رمزية أكثر منها فعالة. لكنها تفتح في المقابل أبواب النار على اليمن من الجهات الأربع.
الهجمات الحوثية توفر مبررًا لإسرائيل أو أي قوة إقليمية أو دولية للتدخل أو الرد، وتضع اليمن أمام احتمالية التصنيف كـ”دولة راعية للإرهاب” بسبب هذه الجماعة الانقلابية. وهو ما من شأنه أن يعمّق عزلة اليمن دوليًا، ويزيد من القيود الاقتصادية والعسكرية والإنسانية المفروضة عليه، بل ويمتد الأثر ليضرب المواطنين اليمنيين في مصالحهم بالخارج.
الحوثي… حين يتحول إلى أداة حرب إيرانية
الحوثي اليوم لا يتحرك بقرار سيادي يمني، بل يفتح الجبهات خدمةً لمصالح طهران في المنطقة. وحين يقصف إسرائيل، فهو يفعل ذلك حينما تأمره غرفة العمليات في الضاحية الجنوبية أو طهران، لا حين يملي عليه الواجب الوطني شيئًا. والأخطر من ذلك أن ردود الفعل المتوقعة قد لا تقتصر على الحوثيين، بل قد تُطال اليمن برمّته، فالحوثي لا يقصف من معسكرات مغلقة، بل من قرى مأهولة ومدن مكتظة، ليحول المدنيين إلى دروع بشرية أمام أي رد محتمل.
من يدفع ثمن الاستعراض؟
الجواب المؤلم: المواطن اليمني.
هو من يُقصف، وهو من يُجَوّع، وهو من يُعتقل، وهو من تُقطع عنه الرواتب والخدمات. بينما القيادات الحوثية تحتفل بإرسال طائرة مسيّرة أو صاروخ بلاستي، فإن قرى اليمن تئن تحت الحصار، وتُباد أحلام جيلٍ كامل في تعليم أو علاج أو حياة آمنة.
الرسالة الأخيرة
لقد أثبتت السنوات أن الحوثي لا يمثل اليمن، ولا يتحدث باسمه، ولا يدافع عن قضاياه. وما يفعله من قصفٍ لإسرائيل لا يقرّب فلسطين من التحرير، ولا يحرّر اليمن من أزماته، بل يدفعه نحو مزيدٍ من الدمار والعزلة.
إنها مقامرة بالوطن… يدفع ثمنها الشعب، بينما تتاجر بها الميليشيا في سوق السياسة الإيرانية.