ترامب وصناعة التوازن في الشرق الأوسط: سلام غير مباشر بين إيران وإسرائيل؟

الرئيس دونالد ترامب

 

نيوبورك – هيثم جسار – عين اليمن الحر

من بين ملفات السياسة الخارجية التي ستبقى حاضرة في سجلات التاريخ الأميركي، يبرز نهج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط بوصفه الأكثر جرأة وإعادةً لترتيب أوراق القوى. وبينما ركزت الأنظار على “اتفاقيات أبراهام” وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، كان ثمة مسار أقل وضوحًا لكنه لا يقل أهمية: ضبط إيقاع المواجهة بين إيران وإسرائيل، وتحويل الصراع من صدام شامل إلى توازن محسوب عبر الضغط الذكي والمباشر.

ترامب – لا للتهدئة المجانية، نعم للردع الاستراتيجي

على عكس الإدارات السابقة التي حاولت استرضاء إيران عبر دبلوماسية “الملف النووي”، اختار ترامب نهج القوة الذكية: عقوبات غير مسبوقة، اغتيال قاسم سليماني، وشبكة تحالفات ممتدة في الخليج وإسرائيل، لكن دون الانزلاق إلى حرب شاملة.

لم يكن السلام بين إيران وإسرائيل واردًا بأي صيغة مباشرة، لكن سياسة ترامب حققت أرضية ردع فعالة، جعلت الطرفين يحسبان أي خطوة عسكرية بألف حساب. إنه سلام بالقوة، لا بالمصافحات.

كيف فُرض الانضباط على إيران؟

باغتيال سليماني في يناير 2020، بعث ترامب برسالة واضحة: الخطوط الحمراء الأميركية لا تُختبر. لم تجرؤ إيران بعدها على أي رد مباشر واسع النطاق. بل دخلت طهران في مرحلة “الصبر الإستراتيجي”، وانكفأت إلى العمل عبر وكلائها تحت ضغط اقتصادي خانق، وفقدت الكثير من نفوذها داخل العراق وسوريا ولبنان.

هذا الانكماش كان هدية غير مباشرة لإسرائيل، التي وجدت أن أخطر أعدائها بات تحت الخنق الاقتصادي والسياسي.

إسرائيل – أمان أكثر في عهد ترامب

بالنسبة لإسرائيل، فإن إدارة ترامب منحتها أكبر مساحة للمناورة:
• نقل السفارة إلى القدس
• الاعتراف بسيادة الجولان
• الغطاء السياسي الكامل لعملياتها ضد إيران في سوريا
•تطبيع تاريخي مع الإمارات، البحرين، السودان والمغرب

هذا الثقل الدبلوماسي جعل تل أبيب أقرب من أي وقت مضى لأن تكون لاعبًا إقليميًا بلا تهديد وجودي مباشر. لم تعد إيران تقصفها، بل باتت تُقصف وتُراقَب وتُحاصر.

سلام غير معلن… لكنه فعّال

رغم أن إيران تواصل خطابها المعادي لإسرائيل، إلا أن ما فرضته إدارة ترامب من توازنات أجبر طهران على مراجعة حساباتها. لم يعد أمام النظام الإيراني سوى اللجوء للتهديد الإعلامي والردود المحدودة عبر الميليشيات، وهو ما أبقى إسرائيل في وضع استراتيجي مريح نسبيًا.

إنه سلام الردع لا المصالحة – فرضه ترامب دون أن يُصافح، ودون أن يُبرم اتفاقًا ثلاثيًا، لكن بنتائج واضحة على الأرض.

ما بعد ترامب… هل يبقى السلام قائماً؟

مع إدارة بايدن، عاد الخطاب الناعم تجاه إيران، واستؤنفت مفاوضات النووي، لكن تبعات سياسة ترامب لا تزال فاعلة: العقوبات ما زالت تُنهك الاقتصاد الإيراني، و”مظلّة الردع” الإسرائيلية–الأميركية لا تزال قائمة، وإن كانت أقل صرامة.

ولعل هذا ما يدفع اليوم حتى بعض خصوم ترامب إلى الاعتراف بأن ما فعله الرجل في الشرق الأوسط لم يكن فوضى، بل ترتيبًا جديدًا لقواعد اللعبة، أعاد لإسرائيل زمام المبادرة، وأبقى إيران في زاوية الدفاع.

خلاصة

في زمن ترامب، لم يكن السلام بالمعنى التقليدي بين إيران وإسرائيل ممكنًا، لكن عبر سلسلة مركّبة من الضغوط والعقوبات والدعم غير المحدود للحلفاء، تمكنت واشنطن من ضبط أكثر ملفات الشرق الأوسط اشتعالًا.

ذلك السلام الهش الذي نعيشه الآن لم يُولد من رحم المفاوضات، بل من قلب الردع.
وإذا كان السلام فنًّا، فإن ترامب قد خطّه بأسلوبه الخاص… الجريء، الصارم، والحاسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى