الحرب الروسية الاوكرانية-معركة كورسك وبداية مرحلة جديده من الصراع

 

أ د / دحان النجار

منذ بداية الحرب الروسية الاوكرانية ٢٤ فبراير ٢٠٢٢م والمعارك البرية تدور على الأراضي الاوكرانية حصريا وبشكل دفاعي فقط وخطوة خطوة مع امتداد زمن الحرب والتي سميناها منذ البداية حرب استنزاف للبلدين بدأت أوكرانيا وبمساعدة المخابرات الغربية والتسليح الغربي من توجيه ضربات جوية بالمسيرات والصواريخ والقوارب المشفرة إلى الأراضي الروسية حتى ان بعضها وصل إلى الكريملن مقر الرئاسة الروسية وبالقرب من مكتب الرئيس بوتين نفسه.

في بداية المعركة خسر الاوكران اراضي كبيره جدا وكانت القوات الروسية قد وصلت قرب العاصمة كييف ولكنهم ما البثوا ان استعادوا الكثير منها ملحقين هزائم مدوية بالجيش الروسي الذي اظهر ركاكته على الارض بالرغم من تفوقه بالتسليح. وكان للمسيرات البيرقدار التركية والصواريخ جافلين الغربية دور حاسم في ذلك التقدم الاوكراني. ايضا أبدى الجنود الاوكران عناد وصمود قويين في الجبهات القتالية وخاصة ان عندهم عقيده قتالية مفادها “لا تنسحب من موقعك إذا كانت الخسائر اقل من ٨٥٪؜ “.
روسيا فهمت الدرس وركت وهشاشة الخطط العسكرية القتالية لجيشها ولجأت إلى قوات فاغنر وقوات احمد الشيشانية والمسيرات الإيرانية لمساندة الجيش اولا في الثبات وعدم التراجع وثانيا في مواصلة الهجوم والسيطرة على الاقل على كامل اراضي الاقاليم الأربعة التي اعلنت ضمها اليها. هذا الهجوم الروسي يمر بخطوات بطيئة جدا امام صمود الجنود الاوكران وانه إذا استمر على هذه الوتيره فالجيش الروسي بحاجة إلى سنوات كي يكمل السيطره عليها هذا إذا لم تحدث تغييرات روسية داخلية وأوروبية غربية تؤثر على سير المعركة وتقلب الموازين وهو الامر الذي يترافق مع اي حرب طويلة الامد التي تتولد عنها انعكاسات وارتدادات داخلية وخارجية قد تغير المشهد برمته.
حاول الجيش الروسي فتح ثغرات جديده في جدار الصمود الاوكراني خارج اراضي المقاطعات الأربع التي لا زالت تحت سيطرت الاوكران وبدأ يهاجم اقليم خاركيف المهم ولكنه لم يحقق الاختراق المطلوب وكان الزحف بطيء للغاية مقارنة مع الفترة الزمنية التي استغرقها ومرد ذلك إلى صمود القوات الاوكرانية وكذلك عدم وجود حاضنة شعبية للجيش الروسي هناك.
في هذه الايام نشهد تغيير دراماتيكي للاحداث حيث انتقلت أوكرانيا إلى الهجوم والاستيلاء على اراضي روسية وهذا يعطيها دافع معنوي لمواصلة القتال ورص الصفوف الداخلية الشعبية والعسكرية والحصول على دعم اكبر من الغرب وتحسين موقفها التفاوضي مع روسيا وقد تتمسك بالارض من اجل المقايضة مستقبلا في اي محادثات سلام مع روسيا.
كانت القوات الاوكرانية تهاجم اقليم بيلوجراد في المسيرات والصواريخ وحتى مهاجمة قرى حدودية باستمرار وتواجه بالصد وتنسحب او تقتل على الارض لكنها بالتاكيد بحثت عن ثغرات اضعف في الجانب الروسي من اجل اختراقها ووجدت ضالتها في اقليم كورسك المهم. لكن السؤال كيف حصل ذلك في منطقة حدودية مشتعلة يغطيها الجيش الروسي منذ بداية الحرب؟ هل السبب في عدم وجود عنصر بشري روسي كافي للدفاع عن الحدود؟ هل رصدت الأجهزة الاستخباراتية الغربية ذلك الضعف وزودت الاوكران بالعلومات حتى تمكنوا من تحقيق الاختراق؟ واين الأقمار الصناعية الروسية التي تجوب الفضاء من اجل رصد اي اعتداءات وصدها قبل حصولها؟ هل هناك خيانة في أوساط القوات الروسية أدت إلى هذه الثغرة؟ هل وجدت القوات الاوكرانية حاضنة شعبية لها هناك مكنتها من تحقيق الاختراق والاحتفاظ بالأراضي التي تمت السيطرة عليها مؤخرا إلى يومنا هذا؟ هل ساعدت كتيبة روسيا الحرة التي تتواجد في الأراضي الاوكرانية وتمثل المعارضة المسلحة لبوتين والتي كانت أوكرانيا تدعي بانها هي التي تهاجم قرى اقليم بيلو غراد الحدودية في الماضي ساندت القوات الاوكرانية في تحقيق هذا الاختراق؟.
تطورات الاحداث في الايام القادمة سوف تجيب على هذه الاسئلة لكن من الواضح ان منعطف خطير في سير الحرب قد بد أ إلا انه سيكون لصالح الاوكران وحلفائهم الغربيين وان روسيا قد تخسر اكثر وربما نتوقع احداث شبيهه باحداث فاغنر مرة اخرى وتكون اشد قسوة وإيلاما منها للرئيس بوتين.
اعلان حاكم مقاطعة كورسك عن اختفاء الفي شخص من سكان مقاطعته لا يمكن فهمه إلا ان يكون هناك من السكان الناقمين على النظام قد انظموا إلى صفوف القوات المهاجمة وان اعداد المنظمين سوف يزداد وان ما يسمى بالقوات الروسية الحرة المعارضة المتواجده في أوكرانيا قد وجدت لها حاضنة شعبية في بعض المناطق الحدودية تمكنها والقوات الاوكرانية من تحقيق هكذا اختراق.
اكيد ان المعارضة الروسية بما فيها المسلحة تنال دعم غربي وانها قادرة على استقطاب معارضين جدد إلى صفوفها باستخدام الاغراء المادي او بالتحريض والترويج لنمط الحياة الغربية التي تتمتع بالرخاء وحريات اكبر.
روسيا لن تسكت عما حصل وسوف تعمل بكل ما في وسعها من اجل تسديد الثغرات وسوف تستخدم قوتها القصوى في سبيل الدفاع عن أراضيها لكن هذا في حال استمرت أحوالها الداخلية في الاستقرار.
وتيرة ونوعية الدعم الغربي العسكري والاستخباراتي والمالي والسياسي لأوكرانيا تزداد يوما عن يوم وهو الأمر الذي أدى إلى ثبات أوكرانيا بل ومهاجمتها روسيا داخل أراضيها.
سمعنا في الفترات الأخيرة بإقالة العديد من كبار قادة الجيش الروسي بتهمة الفساد وربما هناك قادة يخشون وصول الأمر اليهم فتركوا هذه الثغرة من اجل خلط الأوراق وتوجيه انذار للرئيس بوتين إذا لم يتوقف عن متابعة المتهمين بالفساد فستكون النتيجة هزيمة على الجبهات. طبعا الفساد في الجيش الروسي كان قد استشرى منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ١٩٩١م ويحاول الرئيس بوتين القضاء عليه واستعادة الجاهزية القتالية لكنه لم يتمكن وما دليل خيانة قائد فاغنر وبعض كبارات قيادات الجيش له إلا دليل على التململ داخل الجيش وإمكانية الانقلاب في اي لحظة وهذا ما ينتظره الغرب من اجل تجنب خطر حرب نووية مدمرة مع روسيا إذا ظل القتال بين جيوش متماسكة في الجبهات وتمتلك سلاح الردع النووي.
د. دحان النجار القاهرة ١٧ اغسطس ٢٠٢٤م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى