حرب اسرائيل على غزة ولبنان-هل سيكون الرد على ايران اسرائيليا فقط؟

أ د / دحان النجار

الضربة الإيرانية على إسرائيل وانتكاسة الزحف لإسرائيلي في جنوب لبنان واستمرار حزب الله في إطلاق مئات الصواريخ يوميا على شمال فلسطين ووسطها وإطلاق مسيرات من العراق وضربات صاروخية من اليمن كل ذلك وضع نتانياهو في موقف لا يحسد علية وهو الذي تفاخر بعد اغتيال نصر الله بانه يعمل على اعادة ترتيب اوراق الشرق الأوسط بعد انتصاره على ما يطلق عليه محور الشر بقيادة ايران.

الهجوم الصاروخي الإيراني لا شك بانه كان مؤلماً ووصل الى مجمع الموساد وقواعد عسكرية مهمة حاولت اسرائيل التقليل من أهميته وإخفاء خسائرها وهذا يعتبر اهانة للغرور الاسرائيلي والكبرياء الامريكية الحليف الاستراتيجي لها. ويقال بان الهجوم الايراني لم يكن صاروخيا فقط بل كان هناك هجوما سيبرانيا مرافقا أدى الى تعطيل الرادارات واجهزة الرصد الجوية الاعتراضية وان كان قد حدث هذا بالفعل فسيكون الوضع اكثر تعقيدا ومفتوح على عدة احتمالات سلبية لانه يمثل تقدم نوعي معلوماتي وتقني كانت اسرائيل تتفاخر بانفرادها به والان اصبحت تحت رحمته.

على ما يبدو بان نتانياهو قد نجح في تفجير الحرب وتجاوزه كل قواعد الاشتباك في المنطقة. في لبنان لم يهدم قواعد الاشتباك مع حزب الله فقط بل وسع الضربات ضد لبنان كاملا وبدأ هجماته اليوم الخميس في قلب بيروت وسوف يستهدف كل لبنان بالضربات الجوية وخاصة بعد فشل محاولات التوغل البري في الجنوب وتكبيد القوات المتوغلة خسائر مؤلمة في الأرواح والعتاد واستمرار ه في الإطلاق المريح لمئات الصواريخ يوميا على المواقع العسكرية والبلدات الاسرائيلية الأمر الذي كسر غرور نتانياهو ولم يدع له متسع من الوقت للاحتفاء بانجازاته في ضرب قيادة حزب الله وسيدفعه الى تكثيف ضرباته الجوية المؤلمة والتدميرية الانتقامية على كل لبنان . ايضاً توسيع الضربات الاسرائيلية إلى مناطق خارج قواعد الاشتباك مع القوات الروسية في سوريا كما حصل اليوم من تسلل لبعض الأجسام الجوية وبالتحديد صواريخ إلى غرب البلاد التي تعتبر تحت الحماية الروسية وقصف احد مخازن الأسلحة في منطقة جبلة بالقرب من قاعدة حميميم الروسية واعتراضها من قبل الدفاعات الجوية الروسية والسورية إلا دليل عملي آخر على رغبة إسرائيل بقيادة نتانياهو في اشعال الحرب الاقليمية التي سوف تشارك فيها الولايات المتحدة بدون شك.

الذكرى الاولى لهجمات حماس ضد اسرائيل في السابع من اكتوبر على الابواب وقد يكون الرد الإسرائيلي على ايران في هذه المناسبة والرد سيكون بمساعدة أمريكية بدون شك حيث ان هناك من يحرض داخل امريكاء عليه ولو ان الادارة الأمريكية إلى الان تحاول التخفيف من قسوته وخاصة في استهداف المنشاءات النووية الإيرانية إلا ان هذا تصريح مباشر وخطير حول توجية ضربة الى ايران بموافقة أمريكية بل ومشاركة على اي مستوى عملياتي. الحرب خدعة ومن يضمن عدم استهداف المنشاءات النووية الإيرانية ؟ قد تكون الرسائل الاسرائيلية والأمريكية التطمينية بعدم استهدافها تكتيكا عسكريا لان هدف نتانياهو الاهم هو تدمير قدرات ايران العسكرية وبالذات برنامجها النووي.

نتانياهو يجر الادارة الأمريكية إلى مربعات هو يختارها مستغلا بذلك نفوذ جماعات الضغط الصهيونية في أمريكا واستغلال حالة الانتخابات التي لا يريد احد اطرافها خسارتها امام منافسة الاخر بسبب عدم دعم اسرائيل بما يكفي في معركتها هذه ولذلك لا استبعد ان يتمرد نتانياهو على تصورات الادارة الأمريكية في الرد المحدود والمدروس على الاقل بحسب ما نسمعه من تصريحات رسمية ويفرض رؤيته في رد شامل بل ويفرض عليها التعاون بتنفيذه. نتانياهو لن يغير من رغبته في اشعال المنطقة وتدمير محور المقاومة وفرض رؤيته لشرق اوسط يناسب اهداف دولته فيه إلا إذا تلقى او استشعر بردع مؤلم من قبل ايران وحلفائها اماً ماعدى ذلك فلن يتوقف وكما اكدنا مرارا وتكرارا يريد جر الولايات المتحدة وحلفائها للمحاربة بجانبه ونيابة عنه.

ايران بلد كبير ويحوي العديد من المواقع العسكرية والاقتصادية التي قد تستهدفها اسرائيل ولا شك ان ضرب بعضها سوف يتسبب في رد فعل إيراني آخر اكثر ايلاما على اسرائيل إلا إذا كانت هناك تفاهمات بين الجانبين بضربة تحفظ ماء الوجه لإسرائيل مقابل عدم الإضرار الفعلي بايران مشابه لذلك التفاهم الذي حدث في ابريل الماضي عندما ضربت ايران اسرائيل دون إحداث خسائر فعلية في منشآتها العسكرية والمدنية لكنني اشك بان يتكرر سيناريو كهذا لان نتانياهو كما تمت الاشارة سابقا يهدف إلى تقويض القدرات العسكرية الإيرانية وتدمير برنامجها النووي.

ضرب المنشآت النفطية الإيرانية سيقود إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا فهل يسمح المجتمع الدولي بتراكم الاعباء الاقتصادية التي انهكته بسبب الحروب في أوكرانيا وفي غزة ؟ الملف الاقتصادي بالنسبة لايران هو ملف حساس جدا واستهدافه سيكون مؤلماً لها ولا استبعد ان تركز اسرائيل عليه وتضرب المنشاءات النفطية ولن يكون امام المجتمع الدولي إلا الرضوخ للرغبات الإسرائيلية واقصد بالمجتمع الدولي المجتمع الغربي المهيمن والداعم لإسرائيل. إذا اكتفت إسرائيل بضرب منشئات اقتصادية وقواعد عسكرية دون المساس بالمنشئات النووية سيكون ذلك أحد السلوكيات المتزنة نسبيا والتي لا تقود المنطقة إلى حرب تدميرية شاملة لان ايران سوف تمتص الضربة المحدودة كي تتجنب كارثة اكبر لكنها بالتاكيد في المقابل لن تسمح لإسرائيل بقصقصة أجنحتها الإقليمية الواحد تلو الاخر حتى تصل الضربات في الاخير اليها منفردة.

المشهد الاقليمي اصبح معقدا إلى درجة ان الاحتمالات كلها مفتوحة بما ذلك الاسواء منها ولكن هذه المعركة الاقليمية هي التي سوف تحدد مستقبل المنطقة و ستكون الغلبة او فرض حالة التوازن المؤقتة انتظارا لجولة اخرى من الصراع والمواجهة المسلحة.
د.دحان النجار القاهرة ٣ اكتوبر ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى