تشريح دور بريطانيا وأمريكا في اليمن

 

وزير خارجية بريطانيا يزور العليمي

✍️عبدالقادر الجنيد
***

داڤيد كاميرون، هو الذي طلب مقابلة رئيس المجلس الرئاسي اليمني أثناء زيارته للمملكة السعودية، ثم غرد قائلا:
“هجمات الحوثيين على البحر الأحمر تهدد وصول الغذاء والمساعدات للشعب اليمني المنكوب، وأن بريطانيا تتصدى عسكريا لهجمات الحوثيين على السفن وتعبر عن التزامها باستمرار دعمها لشعب اليمن”

الرئيس رشاد العليمي، غرد قائلا:
“بريطانيا لها دور رائد بصفتها حاملة القلم بشأن اليمن في مجلس الأمن وأن مباحثاته مع كاميرون كانت مثمرة من أجل ردع ميليشيات الحوثي الإرهابية وتعزيز فرص السلام في اليمن”

تغريدات دبلوماسية، ممكن أن تتوارى مثل غيرها.
لكنه مجرد طلب كاميرون لعقد لقاء مع العليمي، جدير بلفت الانتباه.

الغرض الرئيسي من زيارة الوزير البريطاني كاميرون، أصلا هي لجس نبض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
جاء للسعودية لمحاولة بحث مرحلة جديدة للتعاون مع السعودية بشأن أزمة قطع الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، وبحث أفكار جديدة لإضعاف الميليشيات الحوثية ومواجهة النفوذ الإيراني في اليمن.

زيارة داڤيد كاميرون- يوم أمس- للرئيس رشاد العليمي ليست أمرا عاديا أو روتينيا أو عابرا، ولكنه مقصود ويدشن لبداية مرحلة جديدة لدور أمريكا وبريطانيا في اليمن.

سنحاول أن نفهم ما يريده كاميرون من العليمي.

وهي فرصة لإجراء عملية “تشريح طب شرعي” لدور كل من أمريكا وبريطانيا في أزمة اليمن الحالية
( A Forensic Study)

**
أولا: أوباما وبريطانيا يديران عاصفة الحزم من الرياض
**

هناك تقرير مفصل في وول ستريت چورنال بتاريخ ١٨ مارس ٢٠١٨ كتبه Dion Nissenbaum عن غرفة الحرب في بدروم قاعدة عسكرية سعودية التي يعمل بداخلها أمريكيون وبريطانيون، يتابعون من داخلها عبر الأقمار الصناعية الأمريكية كل عمليات عاصفة الحزم الجوية السعودية ابتداء من اختيار الأهداف داخل اليمن إلى متابعة سير القاذفات إلى القصف إلى تصوير ما بعد القصف إلى خط سير عودة الطائرات إلى تموين الطائرات بالوقود في الجو إلى إنقاذ أي طيار بعد سقوطه بالمظلة.

غرفة الحرب هذه- كما أسمتها الصحيفة- ممنوع أن يدخلها السعوديون أو حتى أن يطرقوا على بابها.

أمريكا وبريطانيا، كانت شريكتان للسعودية في انطلاق وإدارة عاصفة الحزم في اليمن.

**
ثانيا: ترامب يوكل بريطانيا في مهزلة ستوكهولم
**

دونالد ترامب، كان عامل نفسه أنه صديق شخصي حميم لولي العهد السعودي وكان لا يريد لهذه العلاقة أن تتأثر لكن قد كانت هناك ضغوطا كبيرة داخل أمريكا ضد السعودية خصوصا- بعد مسألة خاشوقجي للابتعاد عن المملكة، فترك هذا الملف لوزير دفاعه الچنرال ماتيس الذي كان يريد أيضا الابتعاد عن حرب اليمن.
تم توكيل بريطانيا للقيام بدور الموطفة أو المكنسة للتواصل مع الإيرانيين والسعوديين لإقناع وكلائهم في حرب اليمن- الرئيس الشرعي هادي وقائد التمرد عبدالملك الحوثي- للبدء بخطوات لإنهاء حرب اليمن.

وتفتق الذهن البريطاني عن فكرة جرجرة السويد لاستضافة المباحثات في ستوكهولم بعد فشل كل المحاولات السابقة وبعد عزوف كل المستضيفين السابقين في چينيف والكويت.

كان وزير خارجية بريطانيا الأسبق جيريمي هانت، قبل اجتماعات ستوكهولم في ديسمبر ٢٠١٩، قد قام بزيارة فريدة لإيران لإقناعهم بمشاركة الحوثيين في مباحثات ستوكهولم وقام هانت بإغراء وزير خارجية إيران جواد ظريف بمكاسب مرتقبة.

الحوثيون، لم يكونوا راغبين بالذهاب إلى ستوكهولم.
وافق عبدالملك الحوثي، على ستوكهولم بعد “الإغراء”.

وكان نفس هذا الوزير البريطاني يقوم بضغوط على السعودية- بعد مسألة خاشوقجي- لتضغط على الرئيس هادي للذهاب إلى ستوكهولم.

وكان الرئيس اليمني هادي غير راغب بالذهاب لمصيدة ستوكهولم.
وافق الرئيس الشرعي هادي، على ستوكهولم بعد “الضغط”.

وكان السفير البريطاني الأسبق آرون، أيام اجتماعات ستوكهولم يصدر ڤيديو كليب يوميا ليقول- بحماس بالغ بعيدا عن الرصانة البريطانية المعهودة- كلاما لا أساس له من الصحة ولا المعقولية.

سقطة ستوكهولم برعاية بريطانيا، كانت هي السبب المباشر لخروج الإمارات من تحالفها العسكري مع السعودية لمواجهة الحوثيين.
ومهزلة ستوكهولم البريطانية، كانت هي المقدمة التي أدت إلى “إعادة التموضع” الذي أعلنه الناطق العسكري السعودي المالكي وتم من خلاله تسليم ١٠٠ كم على طول ساحل البحر الأحمر هدية للميليشيات الحوثية.

وبريطانيا أهدت، بعد ستوكهولم مباشرة، للحوثيين عشرات من سيارات “لاند روڤر” يقيمة اثنين مليون جنيه استرليني لإزالة الألغام داخل ميناء الحديدة، استعملها الحوثيين بعد ذلك للاستيلاء على معظم ساحل البحر الأحمر وليقتربوا من مضيق باب المندب ليهددوا مرور السفن.

الجدير بالذكر أنه لا يوجد شيئ إسمه إتفاقية رسمية وبتوقيع الطرفين والشهود والضامنين.
هي مجرد تفاهمات كتبها البريطانيون، قاموا بإغراء الإيرانيين لإغراء أصحابهم الحوثيين لتمريرها وعدم معارضتها،
وفي نفس الوقت قام البريطانيون بالضغط على السعوديين للضغط على أصحابهم اليمنيين بالرضوخ لها.

وصرحوا بعدها أنها تعتبر إتفاقية رائعة ستؤدي في النهاية لإحلال السلام في اليمن.
وقال بعدها وزير الخارجية بريطانيا جيريمي هانت- بعد المصافحة الشهيرة المفتعلة بين ناطق الحوثي محمد عبدالسلام ووزير خارجية الشرعية خالد يماني- أنه يستطيع الآن العودة إلى أسرته ليلتهم الديك الرومي في عشاء الكريسماس وهو هانئ لأن اليمنيين سيستطيعون مثله أن يأكلوا وينعموا بالسلام.

**
ثالثا: ترامب يرجم باليمن عند جريفيثس وبريطانيا
**

ثم دخلت اليمن حلقة الضياع باهتمامات دور المرأة والشباب والمنظمات ومراكز الدراسات واقتراحات تعديل المرجعيات اليمنية واستصدار قرار جديد من مجلس الأمن والكانتونات الخمسة ولوردات الحرب والأمر الواقع ومجموعة الأزمات الدولية وتشاتهام هاوس.
هذه هي سنوات تواري أمريكا وابتعادها عن الشأن اليمني والتخبط في متاهات مبعوث الأمم المتحدة جريفيثس – البريطاني الجنسية- الذي كان يتم تسييره من قبل وزارة الخارجية البريطانية أكثر من السكرتير العام للأمم المتحدة.

كان جريفيثس يعقد الندوات وورش العمل لمناقشة أشياء عجيبة عن المرأة والشباب.
وهي نفس السنوات التي استمتع بها الحوثي بغنائم جوائز وأرباح ستوكهولم،
سنوات توحش بها الحوثي وأحكم فيها قبضته على ساحل البحر الأحمر،
سنوات انتكست فيها الشرعية باستيلاء الحوثيين على تحصينات فرضة نهم المنيعة التي هزموا فيها الشرعية شر هزيمة،
واستولوا فيها على محافظة الجوف،
واستولوا فيها على مناطق جديدة في محافظة مارب حتى اقترب من حقول الغاز والنفط،
وأحكموا الحصار الحوثي على تعز وقتلوا المدنيين وقصفوا فيها عشوائيا الأحياء السكنية.
وكان جريفثس مستمرا بعقد الندوات وورش العمل عن دور الشباب والمرأة ويناشد أحيانا الحوثيين أن يرحموا اليمنيين ويراعي ظروف معيشتهم ويتوقف عن ممارسة العنف.

جريفيش هو العلامة المميزة للدور البريطاني لهذه الفترة التى ابتعدت فيها أمريكا وانتأت بنفسها مكانا قصيا،
وتركت بريطانيا لتكون بغيا.

**
رابعا: بايدن يطرد بريطانيا من اليمن
**

الرئيس الأمريكي بايدن، قرر أن يحتكر التعامل مع حرب وأزمة ومأساة اليمن، فأخرج الحوثيين من التصنيف الأمريكي بأن الحوثية حركة إرهابية ليتسنى له التعامل معهم ولأن يقدم المساعدات لهم.
ثم عين بايدن مبعوثا خاصا لليمن من قبل الرئيس الأمريكي وهو تيم ليندركنج وبهدف وحيد وهو “تجميد الحرب” وليس “إحلال السلام”.

وأزاحت أمريكا تماما- إلى حد الطرد- بدور بريطانيا وأبعدتها بعد أن كانت هي الأراجوز أو المهرج في كل حدث يختص بشؤون اليمن وبعد أن كانت لندن هي الدينامو رقم ١ وهي المسؤولة عن مهزلة إتفاق ستوكهولم وعطلت تحرير ميناء الحديدة بواسطة القوات التابعة لدولة الإمارات.

وتوقفت رؤية أخبار اليمن والتحليلات والتوجهات بشأن اليمن في الصحف البريطانية وخصوصا في صحيفة الجارديان بعد أن كانت من أحسن المصادر.

**
خامسا: بايدن يخرج السعودية من اليمن
**

وركز المبعوث الأمريكي ليندركنج على الضغط على السعودية، بحسب ما قال- بعنجهية- للكونجرس الأمريكي في جلسة استماع علنية للجنة الشؤون الخارجية.

السعودية، كانت أصلا راغبة بالخروج من غطستها في اليمن.
واستجابت السعودية للرغبة الأمريكية من باب : “بركة اللي جاءت منك يا بيت الله”.

ثم استند ليندركنج على سلطنة عمان لإغراء الإيرانيين والحوثيين ولتسليم التنازلات والجوائز والمكاسب مقابل التخفيف من هجماتهم على مارب ومن أجل التوصل لعملية وقف إطلاق نار حتى ولو كانت بدون توقيع أي اتفاقية رسمية.

كل هذه الجهود الأمريكية وكل هذه التنازلات المفروضة على السعودية وعلى الشرعية، كانت عمليات إهانة متواصلة للشرعية وللشعب اليمني الغير قابل بالحوثيين والرافض للتمدد الإيراني داخل اليمن.

جوائز بايدن المادية التي أغدق على الحوثيين كثيرة، ويأتي على رأسها فك حصار الحديدة والسماح بدخول سلاح ونفط إيران وبالشرعنة وبالجوائز وغنائم الحرب لمجرد التوقف عن هجماته على نفط وغاز مارب.
ولم يقدم الحوثي أي تنازلات.

**
سادسا: السعودية تزود الماء على الطحين
**

اقتنعت السعودية بتوجهات الرئيس بايدن، وهي غير مقتنعة.
فزودت الماء على الطحين.
بالغت السعودية، فنثرت الملح في عيون الأمريكيين.
بالغت السعودية، فذهبت وصالحت إيران في الصين.
بالغت السعودية، فأرسلت سفيرها إلى صنعاء طالبة أن تكون وسيطة بين الشرعية والحوثيين.
بالغت السعودية، فعملت خريطة طريق لا يريدها أحد من اليمنيين.

كل هذا يحدث مع الدموع في عيون اليمنيين.

**
سابعا: بايدن يجند بريطانيا لإعادة السعودية إلى اليمن
**

الرئيس الأمريكي بايدن، ملخوم ودائخ بهموم خارجية هائلة في حرب أوكرانيا وفي حرب اسرائيل على غزة وفي مواجهة الصين وكوريا الشمالية وخائف على مصيره الشخصي ومصير حزبه الديموقراطي من الجمهوريين ومشكلة التدفق اليومي لعشرات الألوف من المهاجرين على الحدود، ومكتئب من كره الأجيال الشابة داخل أمريكا وكل العالم لمساعدته لاسرائيل على قتل عشرات الألوف من الفلسطينيين.

كل هذا يحدث لبايدن، ثم يقوم الحوثيون يإطلاق الصواريخ والمسيرات إلى عرض البحر الأحمر وقطع خطوط التجارة العالمية.
كل هذا يحدث لبايدن، واستطلاعات الرأي الشعبية ليست في صالحة في سنة انتخابية رئاسية أمريكية.

استنجد بايدن ببريطانيا التي هي أكبر حليف لأمريكا وأكبر شخشيخة ودمية لها، فقامت بتلبية النداء ومن هنا نفهم زيارة داڤيد كاميرون لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وللرئيس اليمني رشاد العليمي.

كاميرون، يريد من بن سلمان، العودة لدعم الجهات الرافضة للحوثيين، داخل اليمن.

كاميرون، يريد من رشاد العليمي، التفكير بمرحلة جديدة يتم فيها تقديم الدعم بالتدريب العسكري واللوجيستي والمادي والاقتصادي للمناطق والمكونات التي ليست تحت سيطرة الحوثي.

**
ثامنا: ما العمل؟
**

١- كيف يجب أن يستجيب اليمنيون والسعوديون لهذه التحولات الأمريكية الدرامية؟
٢- هل يرغب السعوديون في عودة المواجهة مع إيران؟
٣- هل سيستطيع رشاد العليمي لملمة أعضاء المجلس الرئاسي وتوحيد جيوشهم تحت قيادة وزير الدفاع اليمنية؟
٤- هل ستقبل الإمارات بتغيير أفكارها الخاصة بها المتعلقة بمصير كل المنطقة؟
٥- هل يستطيع كل هؤلاء أن يثقوا من جديد بالأمريكيين والبريطانيين؟
٦- ما هي الشروط التي يمكن أن يضعها كل هؤلاء للأمريكيين والبريطانيين؟

٧- ما العمل؟
… هذا موضوع آخر.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى