أبتي العزيز التعليم حياتي
لم تكن تتوقع سلمىأن حلمها بأكمال دراستها الجامعية وأن تصبح طبيبة تخفف من ألام البسطاء والمحتاجين سيتبخر ويتحول إلى هشيما تذروه الرياح بعد أن قرر والدها ولحاجة في نفسه أن تترك الدراسة وتتنازل عن حلم عمرها وعن سنوات من الجهد والتعب والسهر والمثابرة هكذا دون سابق أنذار ودون مبرر يستحق هذه التضحية سوى أفكار خاطئة ما أنزل الله بها من سلطان جعلته يتخذ هذا القرار من منطلق أن الزواج صون للبنت وأهم الف مرة من الدراسة والعمل .. ورغم أن كل محاولات سلمى قد فشلت في أقناع والدها بالعدول عن قراره المجحف في حقها ولم يرثي لدموعها وتوسولاتها الأ أنها لم تصل إلى حد اليأس ولا زال لديها أمل في أقناعه وتراجعه عن قرار منعها من أكمال دراستها وتحقيق حلمها الذي طال انتظاره ..
سلمى لم تستوعب هذا التحول المفاجئ في مسار حياتها فعاشت لحظات عصيبة من اليأس والقنواط وكثيرا ما راودتها أفكار سوداء شيطانية كادت أن تودي بحياتها وتهوي بها في غياهب الضياع أن هي أنساقت خلفها الأ أنها تغلبت عليها بيقين أيمانها وقوة أرادتها وتشبثها بحلم حياتها ففي لحظات من الألم الممزوج باليأس قررت الأنتحار كرد فعل رأت فيه العقاب الأمثل لوالدها الأ أنها عدلت عن هذه الفكرة الشيطانية لتبحث عن أخرى فكان الهروب من منزل والدها ومن المدينة بأسرها هو الخيار الذي أستقرت عليه وبدأت فعلا في تجميع وثائقها الدراسية والتواصل مع بعض زميلاتها لأختيار المدينة المناسبة للهروب اليها من أجل اكمال دراستها مهما كلفها ذلك من معاناة الأ أن الأوضاع الأمنية الغير مستقرة والوضع الأقتصادي المتدهور وعدم قدرته على الحصول على وظيفة مناسبة تستعين بها وقفت عائق أمامها لتنفيذ لفكرة الهروب بالأضافة إلى ما قد يلحق أسرتها من عار نتيجة هروبها سيكون له عواقب وخيمة لكل أفراد الأسرة ولن تجد من يصدقها أنها هربت لأن والدها رفض السماح لها بأستكمال دراستها واستثمار تفوقها في السنوات الماضية فعاشت أيام من الحيرة ولاشي غير الدموع تحكي بها مأساتها وألمها كلما نظرت لوالدها لدرجت فقدت حتى النطق بكلمة واحده تخفف عنها بعض معاناتها ..وكم تمنت أن تصرخ بكل صوتها رافضتا لهذا القرار المدمر لحياتها ولكن لا حياة لمن تنادي ..ومما زاد من وجعها عجز أمها وعدم قدرتها على نصرتها وأقناع والدها بتأجيل زواجها حتى تكمل دراستها الجامعية .. أستعانت باعمامها واخوالها وكل من كانت تظن انه قادر على الثأثير على والدها وأخيرا هداها تفكيرها إلى طريقة قد يكون فيها الخلاص فقررت أن توجه رساله لوالدها اودعت في طياتها كل كلمات الترجي والأستعطاف وخاطبت فيه مشاعر الأبوه والحنان وذكرته بدعمه وتشجيعه وتسميته لها بالدكتوره سلمى وأنه هو من زرع في نفسها وعقلها هذا الحلم لتكون فخره خصوصا وأنه لم يرزق أبناء ذكور كلمات وعبارات أختزلت فيها كل سنوات عمرها وكتبتها بدموع عيينيها قبل حبر قلمها وبها من الرقة والمشاعر ما يلين له الحديد ويحرك الصخر الأصم وختمتها بالقول ( والدي الحبيب وقرة عيني وصديق روحي وعزوتي في الحياة لقد كتبت لك بدم قلبي فأن كنت قد قررت أعدام أبنتك حبيبتك وفلذة كبدك بحرمانها من حلمها الذي زرعته بداخلها فلا أعتراض فأمضي بما شئت ولن أقول لك الا كما قال أسماعيل نبي الله لأبيه أبرهيم خليل الله عندما أخذه الذبح ستجدني أن شاء الله من الصابرين ) أبنتك المحبة لك دوما الدكتوره سلمى لم يتمالك الأب نفسه فبكى بكل حرقة وألم وأدرك فضاعة ما كان سيرتكبه في حق أبنته واسرع اليها معتذرا عن الخطأ الذي كاد أن يقتل أبنته حزنا وكمدا وقال لها أن كان هذا الذي طلبك للزوج يستطيع أن ينتظر حتى تكملي دراستك وتحصلي على شهادة الطب اهلا وسهلا والا عليه أن يبحث عن عروس أخرى . لم تصدق سلمى ما تسمع وطلبت من والدها أن يعيد عليها الكلام أكثر من مرةقبل أن ترتسم على محياها أبتسامة أمل وفرحة بثت فيها روح الحياة من جديد.. فيا أيها الأباء أجعلوا من حياة بناتكم مشاعل نور بتحقيق طموحاتهن وأحلامهن ولا تجعلوا منها توابيت لجثث محنطة بحرمانهن من التعليم وأختيار طريقهن في الحياة .