حرب إسرائيل على غزة ولبنان -مؤتمر الامم المتحدة لتثبيت حل الدولتين هل سينجح؟

أ د / دحان النجار

من المعروف ان فكرة “حل الدولتين ” راوحة مكانها منذو مؤتمر مدريد ١٩٩١ مرورا باتفاقيات أوسلو الانتقالية ولقاء كامب ديفيد بين الرئيس كلينتون ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل ايهود باراك عام ٢٠٠٠٠ ،بل انها تراجعت عندوصول حكومة اليمين الإسرائيلي للحكم آخر مرة عام ٢٠٢٢ بقيادة نتنياهو المستمرة إلى الآن و التي ترفض حل الدولتين جملة وتفصيلا وتعمل جاهدة على ضم الضفة الغربية وقطاع غزة الى دولة إسرائيل وترحيل العدد الأكبر من السكان الى دول الجوار والعالم .

فكرة حل الدولتين يتم طرحها عند كل ازمة بين إسرائيل والعرب وبالذات الفلسطينيين من اجل تهدئتهم ولكنها لم ولن ترى النور عمليا في ظل الظروف الراهنة.
في الوقت الحاضر وبالذات بعد هجوم السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ على اسرائيل والحرب التي تشنها على غزة وتوسعها الى لبنان وسوريا وايران واستمرار تدمير غزة الغير مسبوق وقتل السكان بما فيهم النساء والأطفال وكبار العمر باعداد كبيرة وانتشار المجاعة كوسيلة عقاب ضد السكان المدنيين الامر الذي اثار حفيظة معظم المدافعين عن حقوق الإنسان عالميا بل واستصدار بعض الدول قرارات من محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية بحق إسرائيل لانتهاكها للقوانين والمواثيق الإنسانية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ابادة ضد الانسانية والدعم المعنوي الذي يتلقاه الضحايا في غزة من قبل قطاعات واسعة من المواطنين في امريكا وأوروبا وبقية دول ومناطق العالم كل ذلك احرج بعض حكومات العالم الغربي التي تقدم دعما غير محدودا لإسرائيل اقتصاديا وتقنيا وعسكريا ودبلوماسيا واستخباراتيا وقيام البعض منها باتخاذ مواقف شبه صارمة ضد اسرائيل والبعض الاخر عاد إلى إثارة قضية “حل الدولتين” كوسيلة وحيدة للقضاء على العنف بين الفلسطينيين والاسرائيليين وفي الشرق الأوسط بشكل عام.
السؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون هذه الدعوات وبالذات الدعوة الدولية الاخيرة من خلال الموتمر الدولي الذي جمع ١٤٠ دولة تحت سقف الامم المتحدة مع معارضة الولايات المتحدة واسرائيل هل سيقود هذه المرة الى التطبيق العملي لحل الدولتين خلال فترة زمنية محددة وآلية ملزمة ؟
الاجتماع الذي دعت إليه الأمم المتحدة وترأسه فرنسا والسعودية، والذي يهدف الى دفع الجهود نحو احياء مسار حل الدولتين ( الولايات المتحدة واسرائيل أعلنتا مقاطعتهما )ويهدف الى وضع معايير واضحة لخريطة طريقٍ تُفضي إلى حل الدولتين : إقامة دولة فلسطينية، مع ضمان أمن إسرائيل. بالإضافة إلى الدفع نحو ذلك سيركز المؤتمر على ثلاثة محاور هي إصلاح السلطة الفلسطينية ونزع سلاح حركة حماس واستبعادها عن السلطة وتطبيع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل. وبعد هذا الاجتماع على المستوى الوزاري، تعقد قمة في أيلول/سبتمبر المقبل.
وكما اشار وزير الخارجية السعودي بان الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يجب ربطه “بالفيتو الإسرائيلي “،ويبدو ان هذا الاجتماع تم بموافقة ضمنية اميريكية .
وكشفت مصادر مطلعة ل”العربية نت”أن المؤتمر يضم ثمان لجان بدأت أعمالها منذ يونيو الماضي لبلورة رؤى اقتصادية وسياسية وأمنية للإطار الخاص بدولة فلسطين.وتتكون اللحان من: اسبانيا والأردن وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والنرويج ومصر وبريطانيا وتركيا والمكسيك والبرازيل والسنغال وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي (بمجموعة حول جهود يوم السلام).
الوضع الإنساني في غزة يزداد سؤا يوما بعد يوم والموقف الأمريكي وهو الموقف المؤثر فعليا على اسرائيل لم يكن حازما تجاهها من اجل تسهيل دخول المساعدات عبر المنظمات الانسانية الدولية من اجل إنقاذ حياة الغزاويين بل ان الرئيس ترامب في ٧/٢٦ دعا اسرائيل إلى تطهير غزة
بعد رفضها لمطلب حماس عن طريق الوسطاء بوقف الحرب .
قبل بضعة اسابيع فقط بدأ الرئيس الاميركي دونالد ترامب حسب CNN واثقا من أن التوصل إلى اتفاق على بُعد أيام من شأنه أن ينهي القتال في غزة ويضمن إطلاق سراح الرهائن وايصال المساعدات الإنسانية ،والان يبدو ان تفاؤل ترامب قد تبدد، فقد سحب مفاوضيه من مفاوضات وقف اطلاق النار الاسبوع الماضي بعد ان اعتبرت الولايات المتحدة أن “حركة حماس”لا تتصرف بحسن نية.
اللقاء المفاجىء يوم الاثنين ٢٨ يوليو في سكتلندا بين الرئيس ترامب ورئيس الوزرا البريطاني يبدو ان هدفه إقناع الرئيس ترامب في تبني موقف اكثر اعتدالا بشان غزة ،حيث أن حكومة بريطانيا التي تعاني من شدة الضغط الشعبي عليها تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع غيرها من الدول الأوروبية كوسيلة ضغط على إسرائيل من اجل وضع حد لهذا الصراع المزمن الذي أرق العالم.
تجربة التجويع التي تقوم بها اسرائيل في قطاع غزة هي وسيلة حربية قديمة وهدفها تسريع استسلام الخصم والخضوع لاي شروط تملا عليه وهذا حصل مع اليابان وألمانيا مثلا في الحرب العالمية الثانية.
و إلى الوقت الراهن يبدو ان الغزاويين لن يستسلموا لهذا الامر والموافقة على الترحيل ومغادرة القطاع إلى دول الجوار والعالم لكن لا نستطيع ان نتوقع كيف سيكون وضعهم مستقبلا اذ استمرت سياسة التجويع بهذه الوتيرة.
هناك مؤشرات على حصول انفراجة في ادخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ، حيث ان تردي الوضع الانساني هناك وسؤ التغذية والمجاعة لم تعد خافية على احد واصبحت تحرج العديد من الزعماء الدوليين الداعمين لإسرائيل بلا حدود ومن ظمنهم الرئيس ترامب الذي صرح يوم امس الاربعاء بان الوضع في غزة مروع وان على اسرائيل اتخاذ اجراءات نحوه.
والدعوات والضغوط الأممية تزداد يوما عن يوم من اجل وقف سياسة التجويع والتهجير من القطاع وبدأت بعض الدول باتخاذ اجراءات ملموسة ضد اسرائيل على سبيل المثال هولندا التي أعلنت ان السلوك الاسرائيلي يهدد امنها القومي واعلنت اتخاذ اجراءات عقابية بحق الوزيرين سموتريتش وبن غفير بما فيها اعتقالهم في حالة دخولهم البلاد.
ومن المعروف ان اسرائيل لن تخضع للضغوط الدولية ولن تتجاوب مع اي مقترح او مبادرة إذا لم تكن الولايات المتحدة جزء منها.
الوضع في الشرق الاوسط لازال في حالة توتر شديد واحتمال تجدد المواجهة بين اسرائيل وايران وفي لبنان حزب الله لن يسلم سلاحه بالكامل بدون ضمانات وسوريا وضعها مقلق وقد تكون ميدان صراع نفوذ بين تركيا واسرائيل قد يقود الى التصادم المسلح.
اسرائيل تسرع من هدم المنازل الفلسطينية بالضفة الغربية وتوسيع الاستيطان اليهودي على حساب الفلسطينيين واقتضام الارض بشكل متسارع حيث وصل عدد المستوطنين إلى اكثر من سبعمائة الف مستوطن والجماعات المتطرفة اليهودية تقتل وتنهب وتحرق ممتلكات الفلسطينيين في الضفة تحت حماية الجيش الاسرائيلي وهذه عقبة كبرى في طريق حل الدولتين ان حصل ذلك ,ومهما قدم العرب من تنازلات تلو التنازلات و المبادرات تلو المبادرات اسرائيل ترفض وتصر على عدم القبول بقيام دولة فلسطينية وتعمل بوتيرة متسارعة على ترحيل الفلسطينيين من الضفة والقطاع وترفض مبدأ الارض مقابل السلام .
الطريق إلى قيام دولة فلسطينية في الفترة القادمة لا زال طويلا ان وافقه حسن الحظ وكان هناك رأيا عاما إسرائيليا مؤيدا لحل الدولتين يتشكل ويسقط حكومة التطرف وموافقة أمريكية جادة، وهذا يعتبر نوع من الأحلام لكنه ليس مستحيلا.
د. دحان النجار ميشجان ٧/٣١ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى