الولايات المتحدة.. ربان السلام في غزة

البيت الأبيض – DW

 

نيويورك – هيثم جسار – الأمم المتحدة

من بين دخان الحرب في غزة وأزيز الطائرات المقاتلة، برزت الولايات المتحدة باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على إيقاف عجلة الدم، وتحويل الصراع من مواجهة صفرية إلى مسار سياسي قابل للحياة. لقد أثبتت واشنطن أن دبلوماسيتها لا تزال هي الأقدر على إعادة تشكيل التوازنات، وأن دورها يتجاوز مجرد الحليف لإسرائيل، ليصبح الضامن للاستقرار الإقليمي.

أولًا: الضغط السياسي الذي أوقف النزيف

لم يكن إعلان وقف النار نتاج مبادرات محلية أو إقليمية بحتة، بل جاء ثمرة ضغط سياسي أميركي مباشر على تل أبيب، رافقه حراك مكثف من البيت الأبيض ووزارة الخارجية مع الأطراف العربية.
• لأول مرة، استخدمت واشنطن نفوذها العميق في إسرائيل لدفعها نحو القبول بوقف العمليات، بعد أن أوضحت أن استمرار الحرب لم يعد يخدم مصالح الحلفاء.
• أعادت الولايات المتحدة الاعتبار للدبلوماسية كأداة قادرة على إنقاذ الأرواح، في لحظة كانت فيها كل الأطراف غارقة في الحسابات العسكرية.

ثانيًا: الرؤية الأميركية لما بعد الحرب

لم تكتف واشنطن بإنهاء القتال، بل وضعت خارطة طريق لإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب:
• سلطة انتقالية فلسطينية بإشراف دولي، لضمان إدارة مدنية مستقرة لا تُترك فراغًا أمنيًا.
• خطة إعادة إعمار واسعة تشارك فيها الدول المانحة، لكن تحت قيادة وضمانة أميركية تضمن أن الأموال ستُصرف لمصلحة الناس لا لجيوب الفصائل.
• توازن إقليمي جديد: واشنطن لم ترد فقط حماية إسرائيل، بل أرادت أيضًا طمأنة شركائها العرب أن غزة لن تبقى قنبلة موقوتة.

 

ثالثًا: الأبعاد الاستراتيجية للدور الأميركي
• استعادة القيادة العالمية: أظهرت الولايات المتحدة أنها اللاعب المركزي الذي لا يمكن تجاوزه في ملفات الشرق الأوسط.
• حماية المدنيين: ربطت واشنطن تدخلها بضرورة حماية مئات الآلاف من المدنيين، في خطاب يزاوج بين القوة العسكرية والأبعاد الإنسانية.
• منع الفوضى الإقليمية: بضغطها الدبلوماسي، منعت تحول الحرب إلى مواجهة إقليمية واسعة كانت ستجرّ أطرافًا مثل إيران وحزب الله إلى ساحة أوسع.

 

رابعًا: التحديات المقبلة

لا يخلو المشهد من تعقيدات: رفض بعض القوى المحلية لشروط الإدارة الانتقالية، تحفظات إسرائيلية على تقليص حرية عملها العسكري، واستمرار وجود حماس كلاعب يصعب تجاوزه. ومع ذلك، فإن واشنطن هي الطرف الوحيد الذي يملك الأدوات الكافية للتوفيق بين المتناقضات، بفضل ثقلها العسكري والدبلوماسي والاقتصادي.

في الخاتم

لقد أثبتت الولايات المتحدة أنها وسيط قوي بين طرفين متحاربين، بل الركيزة التي يستند إليها النظام الدولي عند الأزمات الكبرى. إنهاء حرب غزة لم يكن ليتحقق لولا انخراط واشنطن المباشر، وضغطها السياسي، ورؤيتها الاستراتيجية. وإذا كان المستقبل القريب لغزة سيشهد استقرارًا أو إعمارًا، فسيُكتب ذلك في سجّل الدور الأميركي، الذي برهن مجددًا أن البيت الأبيض ما زال بوابة الحلول الكبرى في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى